منذ أيام قلائل وبالتزامن مع نقض الاحتلال الإسرائيلي للهدنة في غزة، وجَّه الشيخ أبو بكر أحمد المسليار مفتي الهند نداء ودعاء عبر فيه عن التضامن مع أبناء الشعب الفلسطيني، جاء فيه: أيها المسلمون في كل مكان، إننا في هذه الأيام العصيبة نعيش مع إخواننا في فلسطين آلامهم ومعاناتهم جراء ما يتعرضون له من ظلم وتعدٍّ من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. وما يشهده أهلنا في فلسطين من تهجير وقتل وتدمير، لا يُقبل ولا يُحتمل، ويتطلب منا جميعاً أن نكون في صفهم، وأن نساندهم بكل وسيلة ممكنة. يتولى الشيخ أبو بكر أحمد المسليار مفتى جمهورية الهند أيضا منصب الأمين العام لجمعية علماء أهل السنة والجماعة بالهند ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية.. في حواره مع «الأخبار» تحدث عن عدة قضايا بدأناها من بيانه حول فلسطين.. ◄ ننتهج الوسطية ونؤيد نداء «أهل القبلة».. ومع الأزهر قلبا وقالبا ◄ قيم تراثنا تستطيع تحقيق التعايش السلمي في المجتمعات ■ كيف يمكن مساندة أهل فلسطين؟ - كل وسيلة ممكنة لا يجب ان نتأخر عنها.. ولو بالدعاء، وأدعوكم جميعاً إلى التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء لأهلنا فى فلسطين، أن ينقذهم من هذا الظلم، وأن يحفظ أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وأن يُنزل عليهم صبرًا وثباتًا؛ فإن الدعاء هو سلاحنا الذى لا يُقهر فى وجه هذه المحنة، وهو طريقنا لرفع البلاء عنهم، كما أدين وبشدة كل فعل عنيف يمارسه الاحتلال الإسرائيلى ضد المدنيين الأبرياء، وأؤكد ضرورة التحرك الدولى العاجل لوضع حد لهذه الجرائم التى لا تمثل إلا ظلمًا وتجنيًا على حقوق الإنسان، إن الله سبحانه وتعالى يقول فى كتابه الكريم: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»، وعلينا أن نثبت على الإيمان بأن الله مع الحق، ولن يضيع من قاموا بالواجب فى نصرة إخوانهم فى فلسطين. نسأل الله العلى القدير أن يحفظ فلسطين وأهلها، وأن يوفقنا جميعاً لما فيه خير لهذه الأمة. ■ دستور القبلة ونداء أهل القبلة.. جهد للأزهر ومجلس حكماء المسلمين لتوحيد الأمة.. حدثنا عن رؤيتكم له؟ - إنني أؤيد نداء أهل القبلة ودستور القبلة الذي طرحه فضيلة شيخ الأزهر في مؤتمر البحرين، لما يحمله من جهود مباركة لتوحيد الأمة الإسلامية. فى الهند، تنتهج جمعيتنا، جمعية أهل السنة، منهج الوسطية، امتثالًا لقوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطًا» (البقرة: 143). لا نكفر أحدًا من هذه الأمة، ونؤكد أن جميع أتباع المذاهب الأربعة داخلون فى إطار أهل القبلة، إلا من خالف ما عليه الرسول والصحابة من الأمور المعلومة بالضرورة، كالصلاة ونبوة رسول الله، إذ إن مثل هؤلاء لا يُعدّون من أهل القبلة بإجماع الأمة. ■ اتحاد المسلمين واجب وهو أمر إلهي وهو أوجب فى ظل عالم أصبح لا يعترف-إلا ما رحم ربي-إلا بلغة القوة.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ - اتحاد المسلمين كلمة جديرة بالقول، لكن التنفيذ عسير جدًا فى هذا العالم المليء بالآراء والأفكار الإيجابية والسلبية، لكن العلماء يحاولون فى شتى المجالات لتوحيد المسلمين. عندى رأى لحل هذه المشكلة، وهو أن يتحرى كل فرد الدقة قبل إبداء رأيه فى القضايا الدينية، وألا يُطرح أى اجتهاد إلا بعد التحقق والمشاورة، مع ضرورة احترام التعددية المذهبية، كما كان الحال بين أئمة المذاهب الأربعة، مصداقًا لقوله تعالى: «ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات» (البقرة: 148). ■ عانت المجتمعات المسلمة من الخلافات المذهبية ودفعت ثمن التفرقة واضحًا.. فكيف يمكن الحد من مخاطرها؟ - الزعم بأن الخلافات المذهبية سبب للتفرقة هو تصور خاطئ، ناتج عن الجهل بحقيقة المذاهب الأربعة؛ لأن هذه المذاهب قائمة على أصول علمية راسخة ولا خلاف فيها فى العقائد أو المسائل المجمع عليها، بل إن اختلافها فى بعض الفروع فقط، وذلك يعدّ رحمة وتيسيرًا للأمة كما فى الأثر: «اختلاف الأئمة رحمة للأمة». لقد كان أئمة المذاهب متحابين فيما بينهم ولا تعوقهم هذه الاختلافات الاجتهادية. مثلا قال الإمام الشافعي: «الناس عيال فى الفقه على أبى حنيفة»، وقال الإمام أحمد بن حنبل: «الشافعى كالعافية لبدني». الحل لهذا الإشكال هو دراسة المذاهب الأربعة وتاريخ أئمتها لفهم طبيعة الاختلاف وأبعاده. ■ للأزهر الشريف دور كبير ومشهود في نشر مبادئ الحكمة والتعاون والتسامح بين الأديان والثقافات. حدثنا عنه؟ - لا شك أن الأزهر الشريف يؤدى دورًا بارزًا فى نشر قيم الحكمة والتسامح بين الأديان والثقافات. ونحن نؤيد هذا النهج المبارك، ونشهد بأن الأزهر، فى ظل قيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، قطع شوطًا طويلًا فى هذا المجال. من جانبنا، نحن مع الأزهر قلبًا وقالبًا، فإن جامعتنا، جامعة مركز الثقافة السنية، تحرص على إرسال طلابها إلى الأزهر الشريف، وقد حصلنا على معادلته الأكاديمية، تأكيدًا لعمق العلاقة العلمية بين المؤسستين. ■ تلعب أمانة دور الفتوى العالمية دورًا مهمًا في تحقيق التشاور والتنسيق بين دور الفتوى فى العالم. وتدعيم الاستقرار والسلم الوطنيين والعالميين بمحاربة أفكار المتشددين.. كيف تقيم هذه التجربة؟ - الفتوى، كما عبرت عن رأيى كثيرًا فى اللقاءات والصحف، غير مقبولة إلا من المؤهلين. لأنها مسئولية خطيرة وأمانة عظيمة حيث كان العلماء القدامى لا يصدرونها إلا بعد دراسة عميقة. وأيضًا يجب أن تكون الفتوى مع التأييد بنصوص أصحاب المذاهب الأربعة. وإذا كان الأمر هكذا، فلا تؤثر سلبًا، وبالإضافة إلى ذلك، فإن أصحاب الفتاوى يشددون على الأفكار المنحرفة والمتطرفة. إذاً يمكن أن تقوم بحل ناجح فى هذا المجال. فى جمعياتنا ومؤسساتنا، نلتزم بهذا النهج، ونسعى لضبط الإفتاء ليكون أداة لحل المشكلات لا سببًا لإثارة الفتن. ■ تراثنا الإسلامي مليء بأسس وقيم التسامح والتعايش.. كيف يمكن الإفادة منه في واقعنا المعاصر؟ - تراثنا الإسلامي مستمَد من القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد تجسدت مبادئ التسامح والتعايش فى أفعال الصحابة والتابعين. فإذا التزم العلماء والقادة بنهج هذا التراث فى توجيه المجتمعات، فإن قيم التسامح والاحترام المتبادل ستترسخ فى النفوس، مما يسهم فى تحقيق التعايش السلمى بين الأفراد والجماعات. ■ لمجلس حكماء المسلمين جهود عالمية كبيرة لبناء مجتمع عالمي قائم على الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك.. تقييمكم لدوره ورؤيتكم لتطوير عمله؟ - أكيد، إن لمجلس حكماء المسلمين دور بارز فى تعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك على المستوى العالمي. ونحن نشارك فى هذا المسعى من خلال العديد من الأنشطة التربوية والدينية التى تهدف إلى تنشئة جيل متسامح يحترم التنوع الثقافى والديني. تدير جمعياتنا آلاف المدارس والكليات التى تكرس هذه القيم، بدءًا من الأسرة ووصولًا إلى المؤسسات التعليمية، مما يعزز روح التسامح فى المجتمع. ■ أنصفت الشريعة الإسلامية المرأة وأبرزت دورها وأعطتها حقوقها.. فما سبب التراجع حاليًا في عالمنا الإسلامي وكيف يمكن إعادة هذا الدور؟ - لا يحتاج الأمر إلى التراجع فى عالم العصر الحالي، لأن المرأة تكون فى أمن وسلامة تامة فى ظل حقوق الإسلام. فالمشكلات النسائية كلها تتعلق برفض حقوق المرأة وحدودها التى أوصى بها الإسلام. ■ مواجهة الإلحاد والتشدد تحتاج من علماء الدين والمؤسسات الدينية لتجديد وسائل الخطاب الإفتائي وتطويرها لنقد الخطابات الإلحادية.. ما رأيكم؟ - تلعب المؤسسات الدينية والعلماء دورًا محوريًا فى التصدى للإلحاد والتشدد من خلال تجديد وسائل الخطاب وتقديم طرح عقلانى رصين. فى الهند، نعتمد استراتيجيات متنوعة تشمل التوعية المستمرة للطلاب والشباب والنساء، وإدراج دراسات الإلحاد فى مناهج الكليات، وتنظيم حوارات مفتوحة لإزالة الشبهات. كما نحرص على تدريس العقيدة الإسلامية بأسلوب منهجى فى ضوء القرآن والسنة، مما يعزز فهمًا عميقًا لمفاهيم الإيمان. ■ الذكاء الاصطناعي بدأ يدخل في كل المجالات ومنها الفتوى.. ما رؤيتكم لاستخدامه والمحاذير أو الضوابط في هذا الباب الجديد؟ - الذكاء الاصطناعي أداة حديثة تحمل جوانب إيجابية وسلبية، ويمكن تسخيره لتيسير بعض الجوانب الفقهية، مثل تنظيم الفتاوى وتوفير الوصول السريع للمعلومات الشرعية. ومع ذلك، ينبغى أن يكون العلماء على دراية بأسس وضوابط استخدامه، لضمان عدم استبدال الاجتهاد البشرى بالبرمجيات، أو وقوع أخطاء فى تطبيق الأحكام الشرعية.