وحدة الأمة مقصد أساسى من مقاصد الدين؛ فالاجتماع والاتحاد والاتفاق والتكامل هى الأصل، والتفرق والتنازع هو الفشل، وهذه الفريضة «الوحدة» -التى يركز عليها د.محمد بن يحيى النينوىّ عميد كلية الدراسات الإسلامية فى أمريكا فى حواره ل«الأخبار»- تقوم على أمر الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» وفى آية أخرى: «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون»، وقال ربنا عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعا».. نبرات صدق تشع من صوت النينوي، آملا أن يعى أبناء الأمة المقومات الضرورية لاستعادة وحدتها ونهضتها.. اقرأ أيضًا | إفطار على مائدة الإمام |3 آلاف وجبة يوميًا.. والوافدون: نحمد الله على نعمة الأزهر فى البداية كان السؤال عن دستور القبلة ونداء أهل القبلة باعتباره جهدا فى إطار التقريب بين أبناء الأمة؟ -هو جهد ل الأزهر الشريف، والأزهر ما فتئ منارة للإسلام والمسلمين بصوته الحكيم وبمنهجه المعتدل الوسطى المبنى على الكتاب والسنة الصحيحة، أما هذا النداء فقد جاء فى وقت تشرذمت فيه الأمة، واضطر الأزهر إلى التصدى لهذا التحدى الموجود؛ فقد عاش أبناء هذه الأمة قرونا طويلة فى انسجام -إنسانيا وإسلاميا- داخل مجتمعاتهم وشعوبهم ومذاهبهم المختلفة تجتمع كل الفرق الإسلامية على أن القرآن العظيم هو الوحى المنزل من الله عز وجل لفظا ومعنى على قلب رسولهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتصر أيضا على مرجعية الهدى النبوى المتمثل بسنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تفرّعت اجتهادات علماء هذه الأمة بمدارس ومذاهب أصولية وفقهية، وهذه المذاهب والمدارس تثرى الساحة الإسلامية، نداء أهل القبلة أشار بوضوح إلى أن الاختلاف المذهبى طبعا ووضعا لا يشكل هدفا من أهدافه ولا غاية من غاياته، بل إن النداء أكد على أن الاختلافات الفقهية والمذهبية والعقدية الثانوية أمر مشروع لا مساس به من قريب أو بعيد؛ فالقضية ليست قضية صهر المذاهب وجعلها مذهبا واحدا بل على العكس، وليست قضية أيضا تقريبية بأن نقرب بين المذاهب بحيث تطمس خصائصها ومميزاتها؛ لأن هذا أمرغير ممكن ولا معقول، بل ولا مطلوب علميا؛ وإنما الأمر هو أن يعى أبناء هذه الأمة المقومات الضرورية التى تمكن هذه الأمة من استعادة نهضتها وحضورها الفاعل، وأن الجامع الأساسى بين فرق المسلمين كلها هو الكتاب وما صح من السنة الشريفة، وخصوصاً السنة التوافقية، فإذا اتبعنا القرآن ثم المتواتر من السنة ثم المتواتر من السنة التوافقية، لوجدنا مجالاً كبيراً وواسعاً للاتفاق والنهوض، وهذا أيضاً يغلق الباب على التطرف الفكرى. اتحاد المسلمين واجب وأمر إلهي.. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ -وحدة المسلمين واتحادهم أمر أوجبه علينا القرآن فهو من أهم الفرائض الواجبة التى يغفل عنها كثير من المسلمين، وهى فريضة لها أهمية عظمى فى حياة المسلمين وهى وحدة الأمة لأنها مقصد أساسى من مقاصد الدين؛ فالاجتماع والاتحاد والاتفاق والتكامل هى الأصل، والتفرق والتنازع هو الفشل، وهذه الفريضة طبعا تقوم على أمر الله عز وجل كما قال سبحانه وتعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» وفى آية أخرى: «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون»، وقال ربنا عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعا» وقال سبحانه وتعالى: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون» وهذا هو الواجب الشرعى المفروض على هذه الأمة، وبالنسبة لكيفية الاتحاد لابد أن تتحد الأمة على المشتركات العظمى وهى الأصول وأن يعذر بعضها بعضا فى فهم الفروع؛ طبعا القرآن حرم التفرق ونهى عن أسبابه قال سبحانه وتعالى: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم»، وقال تعالى: «وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم»، إذن هناك نهى صريح وواضح عن التفرق والتشرذم. دفعت المجتمعات المسلمة ثمن التفرق واضحا.. فكيف يمكن الحد من الخلاف المذهبي؟ - السبيل إلى ذلك طبعا أمور كثيرة منها أولا أن نرجع إلى الأمور المتفق عليها بين المسلمين وهى كتاب ربهم وما صح من سنة نبيهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وفى ذلك لا بد من تفعيل مراتب الأدلة النقلية، بحيث يكون الدليل الأقوى نقلا -ثبوتا ودلالة- هو المقدم فى ذلك الأمر، ومن أسباب الوحدة التعلم من أهل العلم الثقات، الذين يطيعون الله ورسوله ويعلمون أمر دينهم وقد شهد لهم القاصى والدانى بالعلم والبعد عن الفتن والفتنة وإثارتها قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا»، ومن أشد ما يفرق الناس ويفسد اجتماعهم، الطاعة فى معصية الله أو فى إثارة الفتن وفى تعليم فقه الكراهية للغير وفى العلم الخالى من الرحمة التى جاءت فى كتاب الله تعالى وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الأمر الآخر الذى يجب أن ينتبه له فى قضية كيف نتحد، هو البعد عن التعصب لرأى أو جماعة أو مذهب، وإنما المتعلم لأمر دينه إنما يكون روحه روح الإسلام وروح سماحة هذه الحنيفية السمحة، ولا ينشأ التعصب ولا التكفير والتبديع والشتم والسب، وأنا أقول هذا كله اسمه فقه الكراهية، لا ينشأ إلا عن الكبر وإعجاب كل ذى رأى برأيه، والبعد عن العلم وأخلاق الخلاف الإسلامية الرفيعة المعروفة، وأيضا لابد للاتحاد والوحدة أن يفتح باب الحوار والكلام والتشجيع على طلب الوصول إلى الحقيقة، كما ذكرت فى إطار الأخلاق الإسلامية الرفيعة، ومن ذلك تحسين الظن بالآخر والابتعاد عن وهم الفِرقة الناجية دون باقى فرق الإسلام. كيف ذلك؟ - أصبحت هذه قضية جماعة، ليست قضية اتباع القرآن والسنة، وإنما أصبحت بعض الجماعات تنادى بأنها هى الفرقة الناجية وغيرها فرق جهنمية والعياذ بالله، لكن أقول فى هذه العجالة ينبغى لمعرفة الفرقة الناجية الرجوع إلى القول الفصل، والقول الفصل هو ما جاء فى كتاب الله تعالى وتواتر فى سنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يحتاج إلى قراءة تدبر ومقارنة مع نصوص الغلاة فى الافتراق وتمزيق الأمة والحكم على المسلم المخالف ولذلك قال تعالى: «وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين»، نعم لأن الأصل هو الرجوع للكتاب فيقول تعالى مبينا من هى الفرقة الناجية: «وينجى الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون»، هذه هى الفرقة الناجية هم أهل التقوى، يقول الله تعالى فى الفرق الناجية: «ثم ننجى رسلنا والذين آمنوا» هذا خطاب عام للذين آمنوا «كذلك حقا علينا نُنج المؤمنين»، ويقول تعالى: «ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا» ويقول الله تعالى مبينا صفات الفرقة الناجية المنصورة: «وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا» انظر الى هذا التواضع وخفض الجناح: «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»، إذن هم أهل سلام واطمئنان لا أهل عنف وإرهاب ولا أهل غلو ولا أهل فقه كراهية، يقول: «والذين يبيتون لربهم سُجَّدا وقيامًا والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا إنها ساءت مستقرًّا ومُقامًا»، ثم وصف اعتدالهم فى الحياة: «والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يَقتُروا وكان بين ذلك قوامًا»، ثم ذهب إلى عقائدهم: «والذين لا يدعون مع الله إلها آخر»، ثم ذهب إلى ابتعادهم عن القتل والإرهاب وسفك الدماء المحرمة فقال: «ولا يقتلون النفسَ التى حرَّم الله إلا بالحق»، ثم ذهب إلى الصلاح الاجتماعى وبناء الأسرة فقال: «ولا يزنونَ»، ثم قال سبحانه وتعالى: «ومن يفعل ذلك يلقَ أثامًا يُضاعَفْ له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فأولئك يُبدِّل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفورًا رحيمًا ومَن تاب وعمل صالحًا فإنه يتوب الله متابًا والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كرامًا والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخِرُّوا عليها صُمًّا وعميانًا» يعنى إنما هؤلاء متفاعلون يحبون الله ورسوله تقشعر جلودهم من الذكر، إذن هؤلاء عندهم جانب الإحسان والتزكية والتصوف جانب مفعل، إذن سورة الفرقان تبين هؤلاء الناجين، إذن نقول: هذا الابتعاد عن الاستعلاء الفكرى من بعض الجماعات والفرق، وهذه الصفات التى ذكرها الله تعالى فى صفات الناجين والمفلحين والمنصورين، وأصحاب دار النعيم الخالدين فيها، فهذه هى ما نجتمع عليه، أيضا أقول لا بد من مراعاة حقوق المسلم على المسلم؛ لأن كلمة التوحيد فضلها عظيم وشأنها كبير وهى الجامعة بين أهل التوحيد.