الهوي هو إيثار ميل النفس إلي الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله سبحانه. والهوي إله معبود له سلطان شديد يخدمه شيطان مريد, فمن عبد أوثانه وأطاع سلطانه واتبع شيطانه ختم الله علي قلبه وحرم الرشاد من ربه, فأصبح صريع غيه غريق ذنبه, ولذا كانت المعاصي حتي الكفر تنشأ عن تقديم هدي النفس علي أمر الله سبحانه وأمر رسوله صلي الله عليه وسلم, لأن الهوي فخ يرصده الشيطان لبني آدم, وقد حذرنا الله منه في آيات كثيرة من القرآن الكريم, وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام. يقول الدكتور محمد الطيب خضري العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بكفر الشيخ إن الآية الكريمة أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا الفرقان الآية43, نزلت في حق الحارث بن قيص حيث كانت طبيعة هذا الرجل أنه كان يشتري صنما فيعبده فإذا رأي صنما آخر اشتراه وعبده وترك الآخر, ولكن الأساس في التشريع الإسلامي علي قاعدة أن العبرة بخصوص اللفظ لا بخصوص السبب, ومن هنا كانت هذه الآية الكريمة إشارة من الله عز وجل لمن يعبده ويتبع أحكامه حسب هواه, وختام الآية الكريمة يشير إلي أن المخاطب بها في حقيقة اللفظ هم فئات مختلفة من أمة محمد صلي الله عليه وسلم حيث بينت الآية الكريمة أن الرسول عليه الصلاة والسلام لن يكون وكيلا علي كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وجعل دينه تبعا لفكره الذي يعتقده. ولذا خوطب بهذه الآية كل الفئات والجماعات التي تفرقت عن مجموع الأمة الإسلامية بفكر خاص طوعوا به الدين لأفكارهم ومناهجهم, فضلوا أنفسهم وأضلوا الناس, فأصبحنا نري جماعات تنتمي للإسلام اسما وشكلا, ولكن في منهجها وتفكيرها مكفرة للمجتمع لأنهم جعلوا الدين تبعا لهوي أفكارهم ومناهجهم. ويوضح الطيب أن تلك هي الطاقة الكبري حيث يطوع الدين وفقا للمنهج والفكر الذي تتبناه تلك الجماعات والفرق, حتي إن الله عز وجل يصفهم في الآية التالية بعد هذه الآية مباشرة قال تعالي أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وتلك هي الحقيقة الغائبة عن أعين وقلوب أفراد هذه الجماعات والفرق, لأن القاعدة أن الأمة واحدة ومن اختلف عليها بفرقة أو جماعة فهي في النار حتي وإن كان أفراد هذه الجماعات صوامين قوامين, فقد شقوا الأمة باختلافهم عليها, والله تعالي يقول في محكم التنزيل وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وفي آية أخري وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون, فالله عز وجل في عبادته سبحانه وتعالي لا يكون وفقا لفكر أو منهج جماعة إنما عبادته تكون كما أمر الله الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم أن يعبدوه, وأن تكون كلمتهم واحدة وأمتهم واحدة لا يفترق عنها إلا شاذ, ولذا كان قمة الجهل في أرباب هذه الجماعات والفرق أنهم ظنوا أنهم أتوا بفكر ومنهج جديد خالفوا به مجموع الأمة فظنوا أنهم قد صلحوا وأصلحوا مع أن الحقيقة أنهم قد ضلوا وأضلوا, فسبحان القائل في محكم التنزيل أوهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فتلك الجماعات ظنت أنها أحسنت وهي في حقيقة الأمر أنها فرقت الأمة إلي جماعات وشيع أضعفوا بها الأمة. ويقول الدكتور عادل المراغي أمام وخطيب مسجد النور بالعباسية إن الهوي هو ميل النفس إلي أمر محبب سواء كان الأمر طاعة أو مصيبة. وقد ذم القرآن الكريم اتباع الهوي وجعله إلها يعبد من دون الله قال تعالي أرأيت من اتخذ إلهه هواه بالبحث في أسباب المعصية لله تعالي والاجتراء علي ما حرمه سبحانه وتعالي نجد أنها تنحصر في أربعة أمور وهي حب الدنيا الهوي وطاعة الشيطان وطاعة النفس وقد حصرها الشاعر. إنما ابتليت بأربع هم أسباب تقوتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي الهوي كيف الخلاص وكلهم أعدائي. والهوي شر مستطير يقود إلي مخالفة أمر الله تعالي, فالهوي إله معبود له سلطان شديد يخدمه شيطان مريد فمن عبد أوثانه وأطاع سلطانه واتبع شيطانه ختم الله علي قلبه وحرم الرشاد من ربه. ويضيف المراغي أن اتباع الهوي سبب من أسباب الشقاء والتعاسة حيث الهوي يبني علي عدة محاور هي الحرص والكبر والحسد, وهذه تعد من أمهات الكبائر, فالحرص هو الذي أخرج آدم عليه السلام من الجنة والكبر هو الذي أهبطه وطرده من زمرة الملائكة والحسد هو الذي جعل أحد بني آدم يقتل أخاه. كل ذلك يدور تحت مخاطر الهوي. ومن مظاهره أيضا اتباع شهوات النفس, ولقد حذر القرآن الكريم من خطورة الهوي فوصف الكفار بقوله أولئك الذين طبع الله علي قلوبهم واتبعوا أهواءهم سورة محمد الآية16 وقال تعالي ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن( سورة المؤمنون). ويقول الشيخ محمد فايد من علماء الأوقاف إن الهوي هو ميل النفس إلي الشيء وميل الطبع إلي ما يلائمه وسمي هوي لأنه يهوي بصاحبه, فالهوي هو إيثار ميل النفس إلي الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل. والهوي كما قيل يعمي ويعم. يعمي عن النظر في الحق وإن كان مشهورا أو يعم عن سماعه وإن كان واضحا وقال بعض الحكماء الهوي خادع الألباب صارف عن الصواب يخرج صاحبه من الصحيح إلي المعتل ومن الصريح إلي المختل. وسئل الحسن البصري أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك هواك. فجهاد النفس والهوي أعظم من جهاد الكفار والمنافقين, فإنه لا يقدر علي جهادهم حتي يجاهد نفسه وهواه, وبدون جهاد النفس والهوي لا يمكن الخروج إلي جهاد الكفار. وإن جميع المعاصي حتي الكفر إنما تنشأ عن تقديم هوي النفس عن محبة الله تعالي وقد وصف الله تعالي المشركين في كتابه الكريم فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين. وكذلك أصحاب البدع إنما أحدثوا بدعهم اتباعا لأهوائهم المخالفة لشرع الله تعالي, ولذلك المبتدعة في الشرع أصحاب الأهواء. ولما كان اتباع الهوي هو أصل ومنشأ كل المعاصي والبدع فقد خشيه النبي صلي الله عليه وسلم علي أمته قال في الحديث الشريف إنما أخشي عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوي, وقال علي رضي الله عنه إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان طول الأمل واتباع الهوي, فأما طول الأمل فينسي الآخرة, وأما اتباع الهوي فيصد عن الحق. ويؤكد فايد أن اتباع الهوي فخ يرصده الشيطان لبني آدم كما قال النعمان بن بشير إن للشيطان مصالي وفخوخا. وإن مصالي الشيطان وفخوخه: البطر بأنعم الله والفخر بعطاء الله والكبرياء علي عباد الله واتباع الهوي في غير ذات الله. وقال الله تعالي في حق من ذمهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوي الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدي النجم, وقال في حق الرسول عليه الصلاة والسلام والنجم إذا هوي. ما ضل صاحبكم وما غوي وما ينطق عن الهوي. إن هو إلا وحي يوحي النجم. فنزهه الله عن الضلال والغواية. واتباع الهوي يجلب لصاحبه الشر والفساد قال ابن القيم احذروا من الناس صنفين صاحب هوي فتنه هواه وصاحب دنيا أعجبته دنياه. ويوضح فايد كيف يتغلب المرء علي هواه؟ قائلا: أول شيء يجعل العبد يتغلب علي هواه أن يحب ما أحبه الله ورسوله وأن يكره ما يكرهه الله ورسوله, ولا يكون ذلك إلا باتباع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام.. قال تعالي قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين. ومن علاج اتباع الهوي التذكير بعواقب اتباع الهوي والتفكير فيما يؤدي إليه, ومن علاجه أيضا الانقطاع عن مصاحبة أهل الأهواء ومصاحبة أهل الصلاح, التعرف علي الله سبحانه وتعالي حق المعرفة بأسمائه وصفاته, والوقوف علي سير أصحاب الأهواء وعاقبتهم والتعرف علي سير من عرفوا بمجاهدة النفس والهوي, بالإضافة إلي التحذير من الركون إلي الدنيا والاطمئنان بها مع الاستعانة بالله سبحانه وتعالي مع مجاهدة النفس وحملها علي التخلص من أهوائها وشهواتها.