د. مصطفى بدرة منذ عام 2016 أطلقت مصر برنامج الإصلاح الاقتصادى لتصحيح العديد من الملفات والأضرار الاقتصادية التى لحقت بالدولة من جراء أحداث 2011، وذلك على خلفية تراجع الموارد الدولارية لمصر نتيجة انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج، وتراجع عملية الاستثمار المباشر وغير المباشر أيضا رغم زيادة الفرص الاستثمارية، وتراجع معدلات السياحة وظهور السوق الموازى (السوداء) للعملة الأجنبية ووجود أكثر من سعر للعملات الأجنبية. كلها عوامل أدت إلى ارتباك شديد فى جميع أركان الدولة الاقتصادية مما انعكس على مستوى الأسعار فى جميع أنواع السلع وزيادة معدلات التضخم وكان يجب العلاج عن طريق روشتة مصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولى بما يساهم فى فتح مجال التعاون مع جهات دولية أخرى مثل الاتحاد الأوروبى ومجتمع الأعمال العربى وأصحاب الاستثمارت الأجنبية فى مصر. كانت البداية بطلب قرض بحوالى 5.4 مليار دولار لمدة 3 سنوات مع تنفيذ أولى الخطوات وهى تحرير سعر الصرف والترشيد فى النفقات وتحسين الموارد المالية فى الموازنة العامة للدولة ومعالجة العجز فى الموازنة وإطلاق برنامج للطروحات لعدد من الشركات وإفساح المجال للقطاع الخاص وخروج العديد من الجهات الحكومية من الاقتصاد وتحقيق التعافى والتنمية المستدامة وانعكاس ذلك على معيشة المواطنين وعودة الاستقرار مرة أخرى للشأن الاقتصادى. ساهمت الإصلاحات فى عودة الاستثمارات مرة أخرى وتوحيد سعر صرف الجنيه ولكن لم تدم الأمور مع ظهور جائحة كورونا التى كانت التداعيات الناتجة عنها أصعب بكثير من القدرات الاقتصادية المصرية فى ذلك الوقت، ولكن صمود الدولة والتعامل مع الموقف بإيجابية أدى إلى الخروج من الجائحة بأقل الخسائر، ولكن تفاقمت الأمور بقضية جديدة وهى الحرب الروسية الأوكرانية مما يتطلب تغييرا فى الروشتة الاقتصادية بعد ما حصلت مصر من الصندوق على حوالى 20 مليار دولار فى الخمس سنوات حتى عام 2021. وطُلب قرض جديد بحدود 3 مليارات دولار ليصل فيما بعد إلى 8 مليارات دولار مما يتطلب مراجعة الصندوق لعديد من الأمور الإصلاحية والتغيير فى سعر الصرف مرة أخرى والإسراع فى تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية حتى تتجنب الدولة أزمات أخرى. ولكن مع الموافقة على العديد من البنود دخلت المنطقة فى حرب جديدة وهى الحرب على غزة فى أكتوبر 2023 ومن آثارها تراجع الموارد من العملات الأجنبية مرة أخرى بصورة كبيرة ومنها قناة السويس، ولذلك أصبح الأمر ليس تحرير سعر الصرف وإنما تحرير أسعار الفائدة فى مارس 2024 بواقع 600 نقطة أساس فى اجتماع استثنائى للحصول على القرض الجديد وخفض قيمة الجنيه مرة أخرى ليصل الدولار إلى أكثر من 50 جنيها ومنذ ذلك الحين التزمت مصر بالعديد من الأمور منها علاج التضخم المتسارع وترك سعر الصرف لآليات السوق مما زاد من ثقة المستثمرين وبالأخص الأجانب ما أدى إلى تنفيذ صفقة كبيرة وهى رأس الحكمة التى ضخت حوالى 35 مليار دولار مرة أخرى فى الاقتصاد. كما بدأت الحكومة تسعى إلى تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى بما يرفع من قدرات ومعيشة المواطنين وتحقيق الحماية الاجتماعية للأسر المصرية. ولذلك فإن المراجعات الدورية من الصندوق هى عبارة عن متابعة لمدى الالتزام بما تم التوصل إليه من الإنجازات الاقتصادية ووفق الظروف المحيطة بالدولة، وعدم التباطؤ فى التنفيذ للإجراءات المطلوبة التى لا تعتبر شيئًا جديدًا فيما عدا المتغيرات السياسية التى تنعكس بالسلب على الشأن الاقتصادى، ولذلك تعمل الدولة على إنجاح مشروعها الاقتصادى بأسس واضحة للأمور مرة أخرى من التحديات والصعوبات التى تواجهها.