جاءت بأمر إلهى على رسولنا الكريم لعظمتها وأهميتها فى تهذيب النفوس وإنشاء الحضارات وتقدم الأمم .. إنها القراءة مفتاح اى تقدم وتنوير أى انسان وتشق الطريق أمامه وكأنها مصابيح زيتونية . ومن أجلها فُتحت الكتاتيب والمقارئ والمعاهد والمدارس والكليات .. واليوم هى مفتاح أى حضارة يعتقد البعض أن القراءة لدى علماء الدين مقصورة على علوم الشريعة فقط.. وفى حوارنا مع الدكتور عصمت رضوان وكيل كلية اللغة العربية بجرجا يوضح الصورة الحقيقية. يؤكد أن القراءة عبادة تُقرب العبد من ربه عزوجل إن صُلحت فيها نيته، وأخلص فيها لطلب العلم، والقراءة طريقٌ لتنوير العقول وتقدم الأمم، فقد بدأت رسالة الإسلام بأمرٍ صريحٍ بالقراءة فى قوله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ» ، وهذا يدل على أن أول مدخل للإصلاح والتغيير هو المعرفة. اقرأ أيضًا | عميد كلية اللغة العربية بالأزهر: التشكيك آفة موجودة منذ القدم فالأمم التى تقرأ وتتعلم تصنع نهضتها بيدها، وتتحرر من الجهل والتخلف، بينما تتأخر الأمم التى تهمل القراءة، وتتخلف عن ركب التقدم والحضارة. ومن يتأمل التاريخ يجد أن الحضارات العظيمة قامت على أساس العلم والمعرفة، وعندما كان المسلمون أمة تقرأ قدموا للبشرية أروع الإنجازات فى العلوم والفكر والآداب والفنون. وما نهضة أوروبا الحديثة إلا ثمرةٌ من ثمار علوم المسلمين التى انتقلت إليهم عبر الأندلس وغيرها. وينصح شبابنا بالحرص على القراءة المستمرة، فالعقل يحتاج إلى غذاء كما يحتاج الجسد إلى طعام. إن القراءة توسّع المدارك، وتُكسِب الإنسان القدرة على التفكير النقدى واتخاذ القرارات الصائبة. ومن المؤسف أن نرى الكثير من شبابنا يعزفون عن القراءة وينشغلون بالهواتف ووسائل الترفيه السطحية. فعلى هؤلاء أن يدركوا أن الأمة لا تنهض إلا بشبابها الواعى القارئ المثقف، فالشباب هو الأمل، والكتاب هو السلاح الذى يواجه به الإنسان تحديات الجهل والتطرف والانحراف. ويوصيهم بأن تكون قراءتهم متنوعة، وتشمل: العلوم الدينية والدنيوية، فينبغى ألا ينحصر المسلم فى مجالٍ واحد، بل عليه أن ينهل من كل بحرٍ ما ينفعه، كما فعل علماؤنا الأوائل. ويشير إلى أن من يتأمل سير العلماء المسلمين الأوائل يجد أنهم لم يحصروا علمهم فى الشريعة فقط، بل كانوا موسوعيين يتبحرون فى مختلف العلوم. فابن سينا، مثلًا، كان طبيبًا وفيلسوفًا، والبيرونى كان عالمًا فى الجغرافيا والفيزياء، والفارابى برع فى الموسيقى والمنطق، والخوارزمى أبدع فى الرياضيات. حتى علماء الدين مثل: الإمام الغزالي، لم يقتصروا على الفقه والتصوف، بل كتبوا فى الفلسفة والاجتماع والتربية. ويوضح: أن هناك تصوراً عند البعض أن علماء الدين يجب أن ينحصروا فى الفقه والشريعة فقط، وهذا خطأ، العالم المسلم يجب أن يكون واسع الأفق، مدركًا لقضايا عصره، قادرًا على التعامل مع مختلف العلوم والمعارف. فالفقيه لا يكون مؤثرًا إذا كان منفصلًا عن الواقع، والداعية لا يستطيع أن ينجح فى توجيه الناس إذا لم يكن ملمًا بثقافتهم وأفكارهم واهتماماتهم. لذلك، أرى أن العالِم المسلم عليه أن يكون مطلعًا على الفلسفة والاقتصاد والسياسة والفنون والتكنولوجيا، ليتمكن من تقديم الدين بأسلوب معاصر وفاعل. ويقول: إذا كان عليّ أن أنصح بكتابٍ خارج العلوم الشرعية واللغة العربية، فسأختار كتاب «قصة الحضارة» ل «ويل ديورانت». فهذا الكتاب موسوعة تاريخية رائعة، تعطى القارئ رؤية شاملة لمسيرة الحضارات البشرية، وتساعده على فهم كيف تنهض الأمم وتسقط، وهى مفيدة جدًا لمن يريد أن يقرأ التاريخ بعين الناقد المتأمل. ويضيف: «أحرص دائمًا على القراءة فى مجالات متنوعة، وأحيانًا قد يستغرب البعض أننى أقرأ فى الفنون أو الرياضة. لكنى أرى أن الفنون الراقية تُهذب الذوق، والرياضة تساهم فى بناء شخصية متوازنة. قد أقرأ فى النقد الفنى أو حتى فى فلسفة الرياضة، لأن المعرفة لا تعرف حدودًا، والمثقف الحقيقى هو من يملك اطلاعًا واسعًا فى شتى المجالات». ويوضح تأثره بكتاب «إحياء علوم الدين» للإمام الغزالي. فهذا الكتاب ليس مجرد كتاب فى الفقه أو التصوف، بل هو رحلة روحية وعقلية عميقة، تعيد تشكيل علاقة الإنسان بربه وبنفسه وبالحياة. كلما قرأته، شعرت أننى أمام كنز من الحكمة التى لا تنضب، وهو كتاب لا يمل المرء من الرجوع إليه مرارًا.