القراءة هى مفتاح العقل والقلب، وهى أساس بناء الحضارات. فالأمم التى تقرأ تمسك بزمام التقدم، كما أن المعرفة قوة تُحرِّك الابتكار وتُواجه التحديات. ولذلك حث القرآن الكريم على النظر فى الكون، فكان العلم عبادة، والبحث فى الطبيعة سبيلًا لمعرفة الخالق. وحول أهمية القراءة فى حياة الانسان والمجتمعات كان لنا هذا الحوار مع الدكتور إبراهيم محمد رضوان أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر،الذى يؤكد أن القراءة أمر مهم وضرورى فى حياتنا، وقد أوصت بها الشريعة الإسلامية، حيث بدأ الوحى بأمر «اقرأ»، مؤكِّدًا أن القراءة مفتاح العقل والقلب، وهى أساس بناء الحضارات. اقرأ أيضًا | رئيس جامعة الأزهر: التيسير سمة التشريع الإسلامي وآيات الصيام خير دليل ويشير إلى أن الحضارة الإسلامية ازدهرت عندما جعلت الكتاب رفيقًا، فأنشأت مكتبات كدار الحكمة فى بغداد، وترجمت علوم الأمم، وأضافت إليها كما برز علماء العرب فى كافة التخصصات : فى الطب (ابن سينا)، والرياضيات (الخوارزمى)، والفلك (البيرونى). كما حث القرآن الكريم على النظر فى الكون، فكان العلم عبادة، والبحث فى الطبيعة سبيلًا لمعرفة الخالق. بما تنصح الشباب والأجيال المقبلة فيما يتعلق بالقراءة وأهمية الحرص عليها وعلى الاستزادة من المعارف ؟ أنصح الشباب بجعل القراءة عادة يومية، لا لتكديس المعلومات، بل لتنمية التفكير النقدى والرؤية الشاملة. أقول لهم : اختاروا كتبًا متنوعة: علوم طبيعية، فلسفة، أدب، وتاريخ. واستخدموا التكنولوجيا لتسهيل الوصول إلى الكتب ولكن انتبهوا لمصادرها. تذكروا أن طلب العلم من المهد إلى اللحد، فالعلم ليس حكرًا على سن معينة أو مجال محدد ، والإنسان المؤثر هو من يجمع بين العمق الدينى والوعى الكونى ، فعليك أن تتذكر أن كل كتاب تقرأه يضيف إلى رصيدك المعرفى ويسهم فى تطوير شخصيتك ، لأن القراءة تعزز مهاراتك اللغوية مما يجعلك أكثر قدرة على النجاح فى الحياة. حرص علماء المسلمين الأوائل على التبحر والكتابة فى مختلف مجالات العلم والمعرفة ولم يقتصرعلى العلوم الدينية فقط.. حدثنا عن ذلك ؟ علماء المسلمين عباقرة متعددو التخصصات فلم يقتصر علماؤنا الأوائل على الفقه والحديث، بل غاصوا فى كل العلوم. ابن الهيثم أسس البصريات، والرازى قدم أبحاثًا فى الكيمياء، والفارابى كتب فى الموسيقى والسياسة. وهذا التنوع نتاج رؤية إسلامية ترى الكون كتابًا مفتوحًا، وفهمه عبادة. فالعلم الدينى كان دافعًا لاستكشاف السنن الكونية، مما أثَّر فى النهضة الأوروبية لاحقًا واسهمت فى نهضتها العلمية ومازالت مؤلفاتهم تدرس حتى اليوم . ينظر لعلماء الدين على أنهم يرأون فقط فى مجالات تخصصهم مارأيك فى ذلك ؟ الصورة النمطية لعالم الدين كمحصور فى الفقه خاطئة، لأن التاريخ يذكرنا بأن الإمام الغزالى جمع بين التصوف والفلسفة، وابن رشد كان فقيهًا وفيلسوفًا. التخصص الدقيق اليوم ضرورة، لكن العالم الحقيقى يجب أن يمتلك رؤية شمولية، فالقضايا المعاصرة (كالأخلاق الطبية، أو الاقتصاد الإسلامي) تتطلب تكامل المعارف ، وعالم الدين الذى يوسع آفاقه ويثرى معرفته بعلوم أخرى يكون أكثر قدره على الإقناع والتواصل مع الآخرين . منهج علمي ماالكتاب الذى تنصح به القراء خارج مجال العلوم الشرعية والعربية ولماذا ؟ أنصح بقراءة كتاب «التعقل» للمؤلف رونالد د. زيجل، بترجمة شعبان جاب الله رضوان، وهو كتاب فى علم النفس يسلط الضوء على أحد المجالات الواعدة فى علم النفس، وهو التعقّل. يهدف هذا المفهوم إلى تدريب الإنسان على الوعى الذاتى والتركيز على اللحظة الحاضرة، بدلاً من الانشغال الدائم بالماضى أو المستقبل. لا يقتصر التعقل على كونه فكرة فلسفية، بل هو منهج علمى ذو تطبيقات عملية وتقنيات مثبتة، تُستخدم لتحسين جودة الحياة وحتى فى علاج بعض الاضطرابات النفسية، وفقًا لعدد من الدراسات. هل تقرأ فى مجالات خارج المجالات التى قد يستغربها البعض على علماء الدين ؟ - نعم، أقرأ فى الفنون والرياضة. فالفن يعكس جمال الخلق، والرياضة تُعلِّم الانضباط والتعاون. كل معرفة نافعة هى سبيل لخدمة الإنسان، وهى تجلى من تجليات الحكمة الإلهية ، وتساعد على الفهم الأعمق للنفس البشرية والمجتمع وتجعلك أكثر إبداعًا ومرونة فى التفكير فالقراءة ليست مجرد هواية ، بل هى ضرورة حياتية لكل فرد يسعى إلى التميز والتطور . «لا تحزن» هل هناك كتاب أثَّر فيك شخصيًا ولاتستطيع أن تنساه ؟ هناك العديد من الكتب التى تركت أثرًا فى نفسى ولكن من أكثرها تأثيرًا كتاب «لا تحزن» لعائض القرنى ، وهو كتاب يجمع بين نبل الهدف والرسالة، وبين حسن الصياغة والأسلوب ، فهو يدعو إلى التوكل مع الأخذ بالأسباب، واليقين بأن الهموم مؤقتة. ويعد الكتاب من أكثر الكتب العربية انتشارًا فى مجال التنمية الذاتية والتوجيه الإسلامي. يركز الكتاب حول تقديم رسائل تحفيزية لمواجهة الهموم والضغوط الحياتية، مستندًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى اقتباسات من الأدب والحكم والتجارب الإنسانية. وهو يدعو إلى الرضا بقضاء الله وقدره، وإلى التوكل على الله والتسليم لحكمته، مع العمل على تحسين الحالة النفسية للإنسان ويشجع على النظرة الإيجابية للحياة، والابتعاد عن التشاؤم والقلق. والكتاب يستعرض قصصًا من التاريخ الإسلامى وحياة العلماء، لإبراز أهمية الصبر والثبات إنه كتاب قيم أثر فى بتذكيرى أن العلم النافع يقترن بالتوازن الروحي، وأن السعادة الحقيقية فى القرب من الله وخدمة خلقه. القراءة هى جهاد المعرفة، وهى سبيل الأمة للنهوض. كما قال الشاعر: «العلم يرفع بيتًا لا عماد له، والجهل يهدم بيت العز والشرف». فلنقرأ لنعبد الله على بصيرة، ولنعيد للأمة مجدها الحضاري.