الخبراء: تربية الشخصية والروح عنصر مفقود داخل بيوتنا إهمال الأبناء من أخطر الظواهر التى تهدد استقرار الأسرة والمجتمع، فهو لا يقتصر فقط على تلبية الاحتياجات المادية، بل يمتد ليشمل العاطفة، والرعاية، والتوجيه السليم، عندما يُترك الطفل دون اهتمام كافٍ، يصبح عرضة للمشكلات النفسية والسلوكية، مثل الشعور بعدم الأمان، والعزلة، وحتى الانحراف فى بعض الحالات، كما أن الإهمال قد يؤثر على تحصيله الدراسى وثقته بنفسه، مما ينعكس سلبًا على مستقبله. لذا، فإن مسؤولية الآباء لا تقتصر على الإنجاب فقط، بل تشمل الاهتمام والتربية السليمة التى تصنع أفرادًا صالحين قادرين على مواجهة تحديات الحياة.. فى تلك السطور نناقش خطورة الأمر مع الخبراء والمختصين. تقول د. عائشة حسن، المستشارة السلوكية والتربوية، أن إهمال الأبناء قد يؤدى إلى مشكلات نفسية، اجتماعية، جسدية، وعاطفية، بل وحتى عقلية، حيث يحتاج الأطفال إلى الرعاية والاهتمام المستمر من قبل والديهم لضمان نموهم السليم فى جميع الجوانب، وعندما يتعرض الطفل للإهمال، قد تظهر عليه العديد من المشكلات التى تؤثر على حياته المستقبلية بشكل كبير. اقرأ أيضًا| الحوار الهادئ.. مفتاح لعلاقات أسرية متوازنة وتشير إلى المشاكل التى تصيب الأطفال من الناحية النفسية، تجعلهم يعانون من القلق والتوتر المستمر، بالإضافة إلى الاكتئاب والشعور بالحزن المستمر، وأيضا قد تولد لديهم مشاعر بعدم الأمان وفقدان الثقة بالنفس، مما يؤثر سلبًا على نظرتهم لذاتهم ويجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات النفسية فى مراحل عمرية متقدمة، ومن الناحية الاجتماعية، فقد يواجه الطفل المهمل صعوبة فى بناء علاقات صحية مع الآخرين، حيث يعانى من الخجل والانطواء أو قد يتصرف بعدوانية تجاه زملائه فى المدرسة وأفراد مجتمعه، وقد يؤدى هذا الإهمال إلى عدم قدرته على فهم المشاعر الاجتماعية، مما يجعله أكثر عرضة للانعزال أو الدخول فى صداقات غير صحية قد تؤثر على سلوكه فى المستقبل. أما من الناحية الجسدية، فيمكن أن يؤدى الإهمال إلى نقص فى التغذية، مما يؤثر على النمو الجسدى والعقلى للطفل، فالأطفال الذين لا يحصلون على رعاية كافية قد يعانون من ضعف فى جهازهم المناعي، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض، بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الإهمال سببًا فى عدم حصول الطفل على الرعاية الصحية اللازمة، مما يؤدى إلى تفاقم المشكلات الصحية التى يمكن معالجتها فى مراحلها المبكرة، ومن الناحية العاطفية، قد يشعر الطفل بعدم الأمان العاطفي، مما يجعله يبحث عن الاهتمام بطرق غير صحية، مثل الانسحاب من المجتمع أو محاولة لفت الانتباه بسلوكيات غير مناسبة، ومن الناحية العقلية، يمكن أن يؤثر الإهمال على قدرة الطفل على التركيز والتحصيل الدراسي، حيث إن عدم توفير بيئة مناسبة للدراسة والتعلم يمكن أن يؤدى إلى انخفاض مستواه الأكاديمي، ويكون غير قادر على التحصيل الجيد بسبب انشغاله بمشاعر الاحباط أو القلق، مما يضر بمستقبله المهنى والعملى فيما بعد. اقرأ أيضًا| اكتويت بنار مجتمع البحث العلمى فسعيت لعلاج أمراضه نصائح مهمة ونظرًا لخطورة الإهمال وتأثيره العميق على حياة الأطفال، نصحت د. عائشة بإتباع العديد من الطرق لتجنب الأهل إهمال أطفالهم، من خلال توفير بيئة آمنة ومليئة بالحب ليساعده ذلك على بناء شخصيته بطريقة صحية وسليمة، فمن الضرورى أن يكون هناك حوار يومى بين الأهل وأطفالهم، حيث يساعد ذلك على فهم احتياجات الطفل ومشكلاته والعمل على حلها، كما يجب أن يحصل الطفل على الحب والاهتمام من والديه، بالإضافة إلى الاهتمام بتغذيته وصحته الجسدية، ولا نغفل عن تخصيص وقت يومى للعب مع الأطفال وقضاء وقت ممتع معهم ليساعدهم على الشعور بالأمان والانتماء، ويجب الانتباه لأى تغييرات فى سلوك الطفل، فإذا أصبح أكثر انعزالًا أو ظهرت عليه علامات القلق والتوتر، يجب التدخل فورًا والبحث عن الأسباب التى أدت إلى هذه التغيرات والعمل على معالجتها.. ومن المهم أن يشعر الطفل بأنه محبوب ومهم داخل الأسرة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال العناق، الابتسامة، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره، وقد يحتاج الطفل إلى جلسات مع مختص نفسى لمساعدته على تجاوز الآثار السلبية للإهمال، خصوصًا إذا كان قد تعرض له لفترة طويلة. تحديات ضخمة فيما تتحدث د. منى يسري، استشارى علم النفس الإكلينيكى والمستشار الأسري، عن التحديات الكبيرة التى يواجهها الأهل فى العصر الحالي، حيث لم يعد التأثير على الأبناء مقتصرًا على الأسرة والمدرسة والبيئة المحيطة كما كان فى الماضي، بل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى هى الأكثر تأثيرًا عليهم، ولم يعد الطفل يتأثر فقط بمن هم فى محيطه المباشر، بل بات يتعرض لمحتوى عالمى يؤثر على أفكاره وسلوكياته، مما يجعله ينفتح على ثقافات وعادات مختلفة قد لا تتناسب مع قيم مجتمعه. لهذا، من الضرورى أن يكون الأهل أكثر وعيًا بهذه التحديات، وأن يحرصوا على متابعة أبنائهم بشكل منتظم لضمان توجيههم بالشكل الصحيح. اقرأ أيضًا| المؤتمر: تصريحات الوزير الإسرائيلي بإعدام الأسري الفلسطينين تعكس الوجه الحقيقي للاحتلال وتشير د. منى إلى أن هناك أنواعًا مختلفة من الأهل فى التعامل مع التربية، فالبعض منشغل دائمًا بظروف الحياة، والبعض الآخر يهمل أطفاله عن قصد أو غير قصد، بينما يحاول البعض تقديم أفضل ما لديه لكنه قد يفتقر إلى المعلومات الكافية حول أساليب التربية الصحيحة. وفى محاولة لتعويض هذا النقص، يعتمد كثير من الآباء على إلحاق أبنائهم بمدارس باهظة الثمن، معتقدين أنها ستحل محلهم فى التربية والاهتمام بالأطفال بأفضل طريقة ممكنة، لكن هذه الاستراتيجية ليست الأفضل دائمًا، إذ تقتصر تلك المدارس على تنمية الجانب الأكاديمى والجسدى للطفل من خلال التعليم والأنشطة الرياضية، بينما يتم إهمال الجانب النفسى والتربوي، وهو العنصر الأكثر أهمية فى بناء شخصية الطفل. الحوار الأسري وتوضح أن أحد أكبر الأخطاء التى يقع فيها الأهل هو التركيز على تربية الإطار الخارجى للطفل، أى الاهتمام بجوانب التعليم والرياضة فقط، بينما يتم إهمال تربية الشخصية والروح، والتى لا يمكن بناؤها إلا من خلال الحوار والنقاش اليومى داخل الأسرة، فهذا العنصر مفقود حاليًا فى كثير من البيوت، حيث أصبحت الأسر تعتمد على المؤسسات التعليمية والأنشطة الخارجية، بينما يغيب الحوار الأسرى والمناقشات التى تساهم فى تنمية وعى الطفل وتعليمه القيم والأخلاق. لهذا، تؤكد على ضرورة تنفيذ وقفة جادة لإعادة التوازن فى تربية الأبناء، بحيث يكون هناك تعاون بين المدرسة والأسرة فى هذا الجانب. وتدعو إلى عودة حملات التوعية التى تعزز مناهج التربية الأخلاقية، إلى جانب تخصيص وقت أسبوعى داخل كل أسرة لتربية الروح، بحيث يتم فتح مساحات للحوار والتواصل بين الأهل والأبناء، مما يساعد على تنمية شخصية الطفل بشكل صحى ومتوازن. لا للسخرية من التربية الإيجابية وتلفت د. منى النظر إلى أن بعض الأشخاص يسخرون من التربية الإيجابية بسبب المفاهيم الخاطئة التى يتم تداولها عنها، حيث يعتقد البعض أنها تعتمد فقط على التدليل الزائد وعدم معاقبة الأطفال، مما يؤدى إلى تدمير شخصياتهم. لكن فى الحقيقة، التربية الإيجابية لا تعنى التساهل أو التدليل المفرط، بل هى منهج تربوى قائم على وضع القواعد والمسؤوليات والالتزامات للأطفال، بحيث يتعلمون أهمية النظام والانضباط منذ الصغر، كما تؤكد على أن العقاب جزء من التربية الإيجابية، لكن بشرط أن يكون عقابًا تربويًا وليس قائمًا على الصراخ أو الضرب، وإنما يعتمد على تصحيح السلوك بطريقة تساعد الطفل على التعلم دون إيذاء نفسى أو جسدى.