الخبراء: يترك جروحاً عميقة يصعب شفاؤها الأسرة والمدرسة والمجتمع ثلاثى المواجهة التنمر فى المدارس هو أحد الظواهر الخطيرة التى تؤثر بشكل مباشر على نفسية الأطفال وتترك آثارًا طويلة الأمد قد تستدعى تدخلاتٍ علاجية ونفسية، فقد يتعرض الكثير من الطلاب للتنمر بسبب اختلافات ظاهرية أو شخصية، مما يؤدى إلى فقدانهم الثقة بالنفس والشعور بالعزلة، هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الصحة النفسية للأطفال، بل تؤثر أيضاً على تحصيلهم الدراسى وعلاقاتهم الاجتماعية، والتنمر لا يقتصر على المدارس فقط، بل يمكن أن يحدث فى النوادى وأماكن التجمعات الأخرى، مما يستدعى ضرورة التدخل المبكر من قِبل الأهل والمدرسة لتوعية الأطفال بمخاطره وطرق مواجهته، وهذا ما نناقشه فى السطور التالية: توضح د. ولاء نبيل، استشارى العلاج النفسى والسلوكي، أن تعرض الطفل للتنمر، سواء فى المدرسة أو النادى أو أى مكان آخر، يمكن أن يسبب له آثارًا نفسية قد تتطلب زيارة الطبيب النفسي، وغالبًا ما يستغرق الطفل وقتًا طويلًا للتعافى، وتضيف: «لابد من توعية الأطفال الضحايا بمفهوم التنمر وطرق مواجهته، وكذلك توعية المتنمرين الذين قد لا يدركون حجم الضرر الذى يسببونه، وهناك دور كبير للأسرة والمدرسة فى الإرشاد والتوجيه المستمر لتقليل حالات التنمر». حالات واقعية وأشارت إلى أنه يتردد على العيادات كثير من الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب التنمر، وأحد الأمثلة على ذلك، هو حالة طالب فى الصف الرابع كان يعانى من السمنة، والتى جعلته عرضة للسخرية من زملائه، مما جعل والدة الطفل تلجأ للعيادات النفسية لعلاج الطفل والذى استغرق مدة ستة أشهر ببرنامج متكامل تضمن زيارات للمدرسة ومتابعة مستمرة والتواصل المباشر مع الطلاب، مما ساعده فى استعادة ثقته بنفسه وتحسن حالته بشكل ملحوظ. وفى حالة أخرى، تعرضت طالبة فى الصف الأول الابتدائى إلى التنمر بسبب لون بشرتها الداكن وشعرها المجعد، البنات فى مدرستها رفضن التحدث معها أو تكوين صداقاتٍ معها. وكان الحل هو القيام بزيارة المدرسة وعقد ورش عمل للأطفال لتعليمهم قبول الآخر واحترام التنوع، وبمرور الوقت، بدأت الطفلة فى الاندماج مع زميلاتها، وتحسنت حالتها النفسية والاجتماعية. وتؤكد د. ولاء: أن بعض الحالات لا تعترف بالتنمر الذى تتعرض له إلا فى مراحل متأخرة من الحياة، مثل الثانوية أو الجامعة. «هذه الحالات تكون أكثر تعقيدًا وتستغرق سنواتٍ طويلة للعلاج، لأن آثار التنمر تترك جروحًا نفسية عميقة يصعب الشفاء منها.» ولا شك بأن دور الأسرة فى مواجهة التنمر لا يقل أهمية عن دور المدرسة، لذا يجب على الأهل أن يكونوا على تواصل مستمر مع أطفالهم، وأن يشجعوهم على التحدث عن مشاعرهم وما يمرون به، لأن عدم الإفصاح عن المشكلات هو أحد الأسباب الرئيسية التى تجعل الأطفال ضحايا للتنمر، كما تؤكد على أهمية توفير بيئة أسرية ملائمة، بعيدًا عن المشاحنات، لتقليل فرص تعرض الطفل للتنمر. آثار التنمر من جانبه، يؤكد د. عاصم حجازى، أستاذ علم النفس التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، أن التنمر المدرسى لا يؤثر فقط على الحالة النفسية للطالب، بل يؤثر أيضًا على تحصيله الدراسي، وقد يتسبب فى تراجع مستوى الطالب الأكاديمى نتيجة لانشغاله بمشاعر القلق والخوف المستمرين، مما يؤدى إلى ضعف التركيز والتغيب المتكرر عن المدرسة، كما أن الطفل قد يضطر للهروب من المدرسة أو تجنب الأنشطة الجماعية، وهو ما ينعكس سلبًا على مستواه الدراسي. ويوضح: أن التنمر يأتى فى عدة أشكال، منها الجسدى الذى يتمثل فى تعرض الطالب للضرب أو العنف من قبل زملائه، وقد يترك هذا النوع من التنمر آثاراً واضحة على جسد الطالب، مما يعرضه لمخاطر صحية جسيمة. لكن الحقيقة أن هذا التأثير لا يقتصر فقط على الجانب الجسدي، بل يترافق معه شعور بالقهر والظلم الذى يظل ملازماً للطالب. أما التنمر اللفظى، فيعتمد فيه المتنمر على استخدام الألفاظ والكلمات الجارحة كسلاح يُوجه للطالب الضحية، سواء كان ذلك من خلال السخرية، التهكم، أو المعايرة، تترك هذه الألفاظ تأثيراتٍ سلبية عميقة فى نفسية الطالب، مما يؤدى إلى تدهور فى ثقته بنفسه وشعوره بالإحباط. وفيما يتعلق بالتنمر النفسي، فيكون الهدف الأساسى منه هو التلاعب بمشاعر الطالب، حيث يعتمد المتنمر على تصرفات مثل: النظرات التى تحمل احتقاراً أو تهكماً، مما يزرع فى الضحية إحساساً بالنقص وأنه شخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه. والتنمر الاجتماعى يأخذ شكلاً مختلفاً، حيث يلجأ المتنمر إلى عزل الضحية من المجموعة الاجتماعية أو تجاهله واستبعاده من المشاركة فى الأنشطة الجماعية، وهذا النوع من التنمر يهدف إلى تشويه صورة الضحية بين زملائه وتكوين تكتلات ضده، ما يجعله يشعر بالوحدة والعزلة. ومن جانب آخر، ظهر فى العصر الحديث نوع من التنمر يُعرف بالتنمر الإلكتروني، ويتمثل فى استخدام الوسائط الإلكترونية لنشر الشائعات أو الأخبار المسيئة حول الضحية، مما يزيد من الأذى النفسى ويجعل الموقف أكثر تعقيداً. أسباب التنمر ويشير إلى أن هناك عدة أسباب تقف خلف سلوك المتنمر، فقد يكون الشخص المتنمر قد تعرض فى وقت سابق للتنمر نفسه، ولجأ إلى ممارسة هذا السلوك التعويضى لاستعادة ثقته بنفسه، كما يمكن أن يكون السبب وراء التنمر هو تأثير الأسرة، فحينما يُمارس أحد الوالدين أو كلاهما العنف اللفظى أو الجسدى كأسلوب فى التعامل، يكتسب الطفل هذا السلوك ويتبناه فى علاقاته الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدى إهمال الأسرة للطفل أو تضييق المساحة المتاحة له لممارسة هواياته أو أنشطته المفضلة التى تولد شعوراً بالاختناق والضغط، مما يجعله يبحث عن منفذٍ لتفريغ طاقته من خلال التنمر على الآخرين. وفى بعض الأحيان، يكون الشعور بالغيرة أو الرغبة فى السيطرة والتفوق على الآخرين هو الدافع الأساسى للتنمر، حيث يسعى المتنمر دائماً لأن يكون الأفضل ويصعب عليه تقبل نجاح الآخرين.. كما قد يكون التنمر نتيجة لعدم تدريب الطفل على التفاعل الاجتماعى الصحيح، مما يجعله يفتقر إلى المهارات الاجتماعية الأساسية التى تُمكنه من التعامل مع الآخرين بشكل سليم. الآثار النفسية والاجتماعية ومن أبرز الآثار النفسية للتنمر: ضعف الثقة بالنفس والشعور بالحزن والقلق المستمر لدى الطفل الضحية، حيث يعيش الطالب فى حالة دائمة من الخوف من التعرض للتنمر مرة أخرى، مما قد يدفعه لتبنى سلوكيات عدوانية أو انتقامية فى المستقبل، كما أن مشاعر القهر والظلم قد تؤدى إلى تشويه معتقدات الطالب حول المجتمع والحياة، مما ينتج عنه تبنى سلوكيات مضادة للمجتمع. أما على المستوى الاجتماعي، فيشعر الطفل الضحية بالخجل والانطواء، حيث يميل إلى تجنب الأنشطة الجماعية والابتعاد عن المنافسات الاجتماعية، ويؤثر التنمر سلباً على مهارات التواصل، حيث يصبح الطفل حذراً وخائفاً من التعامل مع الآخرين، مما يؤدى إلى اضطرابات فى تقييم مكانة الأشخاص من حوله. دور الأسرة ويجب أن تلعب الأسرة دوراً محورياً فى مواجهة هذه المشكلة، فعليها أن تكون دائماً على علم بأى تغيرات تطرأ على سلوك الطفل، سواء كانت نفسية، جسدية، أو اجتماعية، وأن تسعى فوراً للبحث عن أسباب هذه التغيرات، وعند اكتشاف تعرض الطفل للتنمر، يجب على عائلته أن تبادر بدعمه معنوياً وتقديم الإرشاد له حول كيفية التعامل مع المتنمرين، كما يجب أن تعلم الأسرة الطفل أهمية عدم الرد على العدوان بعدوان، بل يجب الإبلاغ عن الحوادث للمدرسين أو الإدارة، علما بأن التواصل بين الأسرة والمدرسة يُعد ضرورياً لمحاولة إيجاد حلولٍ مشتركة لوقف سلوك التنمر، سواء من خلال الحديث مع أسرة المتنمر أو العمل مع الإخصائى النفسى فى المدرسة.