العنف الذي يتعرض له المجتمع امتد إلي المدارس التي كانت ولاتزال قلعة التربية والتعليم التي يأمن الأهالي علي أولادهم فيها, لكن في الفترة الأخيرة زادت سلوكيات العنف ببعض المدارس بين قص شعر تلميذة لأنها غير محجبة, وشعر تلميذ أطاله تشبها بالنساء, وحرمان طفل من الذهاب لدورة المياه لقضاء حاجته حتي أصيب بتسمم غذائي تسبب في وفاته.. وغيرها من الحوادث التي نقلت المعلمين من خانة الذين يستحقون التبجيل والاحترام لأنهم كادوا ان يكونوا رسلا إلي خانة المتهمين الذين لا مكان لهم أمام التلاميذ بل خلف القضبان! الأمر وصل إلي قلق الرأي العام وخوف أولياء الأمور علي أولادهم, كما اصدرت دار الافتاء فتوي بتحريم ضرب المعلمين للتلاميذ في المدارس والذي قد يؤدي إلي ضرر جسدي أو نفسي للطالب, كما اعتبرت دار الافتاء أن المعلم الذي يرتكب هذه الفعلة آثم شرعا لأن الطفل قبل البلوغ ليس مكلفا ولا مدخل له في الحدود الشرعية, بل التعامل معه يكون علي جهة التأديب والتربية فقط لا علي جهة العقاب, كما ناشد المجلس القومي للمرأة وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم غنيم وقف العنف داخل المدارس وأيضا طالب المركز المصري لحقوق الإنسان, بسرعة مواجهة مشكلات العنف بشكل حاسم داخل المدارس, ومعاقبة المدرسين الذين يسلكون منهج العنف في التعامل مع التلاميذ, وطالبت مؤسسات المجتمع المدني بسرعة المشاركة في مواجهة المشكلات المتراكمة داخل المدارس ووضع حد لتفاقم العنف فيها ومحاولة إيجاد دور تربوي وروحي لمؤسسة الأزهر والكنيسة داخل المدارس بعد أن شهدت مسارا يهدد السلم الاجتماعي. وإذا كان من الصعوبة تحديد عدد الأطفال الذين تعرضوا للإساءة أو العنف إلا أن المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة الصحة العالمية أشار إلي أن استخدام العنف ضد الأطفال يمثل كارثة ومأساة حقيقية لطبيعتهم الرقيقة وضعفهم في المقاومة غير انه وراء إصابة(80) مليون طفل دون الخامسة عشرة من العمر بالإدمان من مجموع أطفال العالم هكذا بدأ الدكتور صلاح الدين المغربي عضو كلية الأطباء الملكية بلندن استشاري طب الاطفال كلامه وأضاف: يجب أن نعمل علي استئصال جذور العنف الناتجة عن الإيذاء والإهمال وسوء معاملة التلاميذ ولعلهم لا يتعرضون للإيذاء من المدرسين في المدارس فقط بل من المشرفين في الحضانات ودور الإيواء والجيران والخدم وحتي الوالدين والأقارب أو من يتولي رعايتهم, ويتسبب الإيذاء الجسدي للأطفال في الإصابات كالكدمات او الخدوش أو آثار ضربات أو السحجات ولكمات بالجسم أو الخنق والعض والدهس والمسك بعنف وشد الشعر أو قصه والقرص وقد يؤدي إلي كسور في الأضلاع أوالعظام الطويلة أو الحرق أو إصابة داخلية أو إصابات العين أو حتي الإصابة المؤدية إلي الموت نتيجة إصابات الرأس أو إصابة الأعضاء الداخلية, ونفض الأطفال( هزه بشدة) قد يؤدي إلي نزيف داخل المخ أو نزيف في شبكية العين, وقد يؤدي الي الموت. وإذا كان حق التأديب مسموحا به شرعا وقانونا لكن لا يجب إساءة استعمال هذا الحق أو التعسف فيه, ليس فقط بالإساءة الجسدية لكن أيضا الإساءة اللفظية التي تعتبر شكلا من أشكال العنف والتي تتسبب في تأثيرات نفسية للطفل تختلف باختلاف الألفاظ التي توجه إليه, فألفاظ السب والمساس بالكرامة المعنوية ورفض الطفل والتمني له بالموت تؤدي إلي تقليل الطموح عند الأطفال وانحرافه عن الأعراف الاجتماعية, والألفاظ التي تمس الذات الإلهية تهدد النمو الديني للطفل وتشوه مفهوم الإيمان الحقيقي, والصراخ في وجه الطفل ورفض الكلام معه والتهديد بطرده, كذلك الازدراء وهو نوع من التصرف يجمع بين الرفض والذل مثلا أن ينادي الطفل بأسماء تحط من قدره ووصفه بأن وضيع, وأيضا عزل الطفل أو تركه لفترات طويلة بمفرده وربما يمنع من التفاعلات مع زملائه, حتي إهمال ردود أفعاله العاطفية مثل التودد أو الكلام يشعران الطفل أنه غير مرغوب فيه. فسوء المعاملة والعنف يؤثران علي شخصية التلميذ المستقبلية فيتسببان في ضعف الثقة بالنفس والشعور بالإحباط وعدوانية الطفل وشراسته والشعور بالقلق بالإضافة إلي المشكلات النفسية والسلوكية طويلة الأمد ويلفت د.صلاح المغربي الانتباه إلي أن التأثير لا يقف عند التلميذ الذي وقع عليه العنف بل أيضا علي التلاميذ الذين شاهدوا هذا العنف فهم معرضون لحدوث مشكلات صحية مثل القلق والاكتئاب ونقص الإنجاز المدرسي وانخفاض التقدير للذات والكوابيس الليلية فضلا عن الإضرار بصحة التلاميذ العقلية. ويضيف أنه من المهم توعية الطفل بأنواع الإساءة والإيذاء التي قد يتعرض لها والتوعية بحقوقه فأطفال اليوم سيصبحون مواطني الغد, فإذا لم يدركوا حقوقهم كأطفال فإنه من الصعب أن يدركوها في المراحل التالية, ولابد أن نعلم الطفل كيفية الدفاع عن نفسه وأن يخبر والديه بما يتعرض له التحاور والإنصات الإيجابيين وينصح د.صلاح المغربي المدرس قائلا فكر قبل أن تعاقب التلميذ ولا تتعامل معه أبدا وأنت غاضب تمهل حتي تسكن مشاعرك وتذكر أن العقاب يعني تعليم وتهذيب التلميذ وليس الانتقام منه, وتفحص سلوكك فالاعتداء ليس جسديا فقط فالألفاظ كالأفعال تخلف جروحا عميقة لا تندمل. احترام حقوق التلاميذ وعلي الدولة أن تضع حدا لمظاهر التمييز الممارس ضد التلاميذ, ووضعهم موضع الأولوية في السياسات الداخلية والخارجية للدولة وتأكيد احترام حقوقهم, والتوقف عن إيذائهم أو استغلالهم علي جميع الأصعدة ووقف العنف والامتهان الممارس ضدهم, والاستماع لهم والعمل معهم واحترام رأيهم, لا سيما في اتخاذ القرارات التي لها تأثير فيهم وتتماشي مع قدراتهم المتطورة, ولمن لا يعرف فقد بدأ الاهتمام بالطفل في مطلع العشرينيات من القرن الماضي بظهور قوانين لحمايته حيث صدر أول إعلان لحقوق الطفل في عام1923, وتبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل في عام1924, ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام1959 إعلانا عالميا لحقوق الطفل وتلي ذلك إعلان عام1979 سنة دولية للطفل, وفي عام1989 صدرت اتفاقية حقوق الطفل التي تعهدت بحماية وتعزيز حقوق الطفل ودعم نموه ونمائه ومناهضة جميع أشكال ومستويات العنف الذي قد يوجه ضده, وتضمنت المادة(19) من الاتفاقية حماية الطفل من جميع أشكال العنف والإيذاء البدني والعقلي والاستغلال الجنسي وغيره ووجوب اتخاذ الدولة الإجراءات الكفيلة بمنع ذلك بما فيها تدخل القضاء,وصدر الإطار العربي للطفولة من مجلس جامعة الدول العربية علي مستوي القمة بالمملكة الأردنية الهاشمية عمان في2001 العنف يولد عنفا ومن أبحاثها توصلت د.فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلي أن العنف أصبح سلوكا غير اجتماعي انتشر في المجتمع المصري في جميع صوره أخيرا سواء داخل المدرسة أو الأسرة أو في الشارع, وارتفعت معدلات صور العنف ضد الأطفال الأبرياء في المدارس بالرغم من أن المدرسة تعتبر مؤسسة مهمة من مؤسسات التربية في المجتمع فإذا كانت تربية الطفل تأتي من الأسرة بالدرجة الأولي فتأتي المدرسة في الدرجة الثانية ثم يليها الإعلام ودور العبادة والنوادي, فالمدرسة تلتقط الطفل في مراحل تكوين شخصيته عند دخوله في الحضانة والتي تعد أهم مرحلة من مراحل تكوين شخصية الإنسان, لذا لابد أن يكون المدرس تربويا وقدوة لتلاميذه ويجب أن يتلقي تدريبا علي كيفية معاملة الأطفال, فلنا أن نتصور التلميذ الذي تربي علي العنف كيف تكون شخصيته؟ بالطبع سيكون عنيفا لأن العنف يولد عنفا وسيكون عنفه إما ضد نفسه في صورة تعاطي مخدرات أو إدمان, أو ضد الأخرين في صورة ضرب لزملائه أو إخوته أو ضد المدرس نفسه لأنه هو مصدر العنف. لذا لابد أن تشدد العقوبة في قانون العقوبات في الظروف المشددة حال إذا كان العنف صادرا من ولي الأمر أو المدرس المسئول عن تنشئة التلميذ في المدرسة لأن العنف سواء البدني أو اللفظي أو التعدي علي أي جزء من أجزاء الجسد مثل قص الشعر لا يعتبر أسلوب تربية حديثة ولا تنشئة طفل ولا التعاليم الدينية تقول هذا بل تعلمنا علي أن الطفل تتم تربيته بالنصح والإرشاد والتوجيه والتوعية ولا يجوز ضرب الطفل وهو في حالة الغضب ولا ضربه علي وجهه ولا علي بطنه كما يحدث الآن في المدارس مما يسبب للتلميذ عاهة مستديمة. وتضيف د.فادية أبو شهبة قائلة التلميذ هو شاب المستقبل ويجب ألا نعد أجيالا قادمة تتعرض لسطوة العنف وتصبح معقدة نفسيا, فالتلميذ حين يتعاقد مع المدرسة يتعاقد مقابل تربيته وتعليمه وحمايته خلال ساعات وجوده بالمدرسة لذا فإن الأمر أصبح في أشد الحاجة لإعادة النظر من وزارة التربية والتعليم عند تعيين المدرسين لا يجب الاكتفاء بحصولهم علي الشهادات العليا بل لابد من أن يحصل علي دورات تدريبية تؤهله لمعاملة التلاميذ.