ما بين براءة الطفل وفقدان الرعاية والحنان وبين صغر سنة واضطهاده، يتولد العنف بداخل نفوس الصغار.. مما يزيد من نوازع الكراهية والعدوان.. فيصير البرىء الفاقد للرعاية والحنان الى عالم الجريمة إما تجارة المخدارات أو ربما يتحول الى قاتل او سارق. أكدت دراسة حديثة بعنوان "العنف ضد الأطفال فى مصر" صادرة عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إن معدل العنف وايذاء الأطفال فى تزايد مستمر، وأن العنف يأتى من أقرب الناس إليهم، الآباء والأمهات والإخوة، بالإضافة إلى الأقارب وهؤلاء أيضا من يدفعون الأطفال لارتكاب الجرائم، وكشفت الدراسة عن استغلال الأطفال فى العمل والسرقة والتسول، فضلا عن استغلالهم جنسيا ثم فى المخدرات. اكدت الدراسة، أن 46 % من الأطفال الذين تم استغلالهم فى مصر تتراوح أعمارهم ما بين 12 – 18 عاما، و31 ٪ من هم تتراوح أعمارهم بين 9 وأقل من 12 سنة، و19 ٪ أعمارهم ما بين 6 وأقل من 9 سنوات، وباقى النسبة 3 ٪ أقل من 6 سنوات. وإن الغالبية العظمى من الأطفال الذين تم استغلالهم أكدوا أن الاستغلال يتم بواسطة آبائهم وبنسبة 64 ٪، وهو الأمر – كما قالت الدراسة، إن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والأسرية التى تربى فيها هؤلاء الأطفال هى التى دفعت الوالدين لاستغلال أطفالهم سواء فى دفعهم للعمل فى سن مبكرة أو دفعهم للجوء للشارع لممارسة مهن التسول والبيع فى الطرقات وغير ذلك من الأعمال التى تمثل أشكالا للاستغلال. آباء وأبناء ومن جانبها أكدت د.فادية أبوشهبة المشرفة على اعداد الدراسة، إن الآباء الذين يقومون بضرب أبنائهم حتى الموت لا يعلمون شيئا عن التنشئة الاجتماعية للأبناء والتى لا تتم بالتدليل أو القسوة، وقد يكون بعض هؤلاء الآباء كانت تنشئتهم عنيفة، حيث تلقوا ضربا وتعذيبا من آبائهم فى طفولتهم، ولهذا نحن فى حاجة إلى عمل برامج توعية أسرية عن كيفية المعاملة بين الزوجين وكيف يعاملان أطفالهما، وذلك من خلال وسائل الإعلام والدراما وتفعيل مكاتب الإرشادات الأسرية. واشارت د" فادية" إلى أننا لسنا فى حاجة إلى تعديل القوانين، فقانون العقوبات وقانون الطفل فيه المواد العقابية الكافية عند ارتكاب جريمة ضد الأطفال، ولكن المشكلة عندنا فى عدم تبليغ الأم أو الجيران الشرطة عند قيام الأب أو زوجة الأب أو زوج الأم بضرب الأبناء بقسوة أو استغلالهم فى ارتكاب جرائم أو التعدى جنسيًا عليهم، وما يصل إلى بلاغات للشرطة ضد العنف ضد الأطفال لا يزيد على 10 ٪ من هذه الجرائم التى قد تصل إلى الضرب والتعذيب والقتل ضد الطفل، هنا يتم إبلاغ الشرطة فنحن فى حاجة ملحة إلى التوعية بالتنشئة وحقوق الطفل. وأكدت أن هناك مجموعة من العوامل والظروف المسئولة عن تعرض هؤلاء الأطفال للاستغلال بأشكال وأنماط مختلفة، تلك العوامل متداخلة ومتشابكة يصعب الفصل بينها سواء تلك التى تتعلق بالواقع الأسرى لهؤلاء الأطفال والظروف المادية والاقتصادية والسكنية التى يعيشون فى ظلها، إضافة إلى التفكك الأسرى وسوء المعاملة والتنشئة الاجتماعية التى تتسم بالقسوة والعنف من جانب الوالدين، وعدم الاهتمام والرعاية الأسرية الكافية، فضلا عن الفقر والبطالة والإحباط وإدمان المخدرات وغيرها من العوامل الأخرى المجتمعية التى أسهمت بدرجات متباينة فى تعرض هؤلاء الأطفال للاستغلال بمختلف صوره وأشكاله. واوضحت، أن مواجهة تلك المشكلات التى يعانى منها هؤلاء الأطفال هى مسئولية جميع المؤسسات الرسمية والأهلية بدءا من الأسرة مرورا بالمؤسسات التربوية والدينية والإعلامية، وكذلك الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص. الفقروالعنف وفى دراسة اخرى بعنوان "جرائم الاباء ضد الابناء"، اكدت د.سهير العطار"استاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن الفقر والضغوط الاقتصادية من اهم الابعاد المؤثرة فى تشكيل شخصية الأب والأم وتحولها الى العنف تجاه الأطفال، فالأباء والأمهات يقعون فريسة للضغوط الاقتصادية والاحتياج ولا يجدان مساحة للتنفيس عن كل هذا سوى فى الاولاد خاصة لدى الاسر كثيرة العدد،كما أن البعد الاعلامى وتركيزه فى الدعاية عن السلع الاستفزازية لابناء الفقراء تجعل الاطفال هذه الفئة المحرومة اكثر إلحاحا عليها ويترجم الأباء والأمهات عجزهم عن الاستجابة لهذا الالحاح بالقمع أو إيذاء ابنائهم. حماية الأطفال يقول "محمد حبيب" باحث فى شئون التربية الأسرية، إن التربية السليمة ليست فقط ألا يتعلم الطفل التدخين أو معاكسة البنات، دون الالتفات لبعض الصفات الأخرى كعدم احترام القامات الدينية والوطنية، أو ازدراء الغير من أصحاب الديانات الأخرى، أو ازدراء المرأة، خاصة أن هذه الأخطاء تجعل منه شخصية غير سوية، موضحًا، أن هذه الشخصية محورها الإرهاب والإجرام والبلطجة وغير ذلك، مؤكدًا أن التربية الخاطئة هي المكون الأساسي لجذور كل السلوكيات الخاطئة، وأن الإقرار بصفة الانتقام من الآخر أو ضرورة فرض الرأي ووجهة النظر على الآخرين فى التربية يرسخ عقاب وازدراء المختلف معه دينيا وعقائديًا، وكذلك تعود الطفل على ازدراء أخته بحكم أنه وذكر وهى أنثى وأنه أولى منها ببعض الأغراض والمزايا؛ فكل هذا يرسخ أفكارا خاطئة يسهل الاقتناع بها عندما يصبح شابًا نتيجة المحركات التي سبق وأن ترسخت عنده، ومن هذه الأفكار مشروعية نكاح الجهاد أو ملك اليمين أو كون اعتبار بعض النساء جواري وهكذا. الأسباب والسلوكيات وأضاف أن هناك أسبابا عدة تؤدي إلى تفاخم السلوكيات الخاطئة منها: أسباب تربوية، وفيها ينشأ التعصب والميل للعنف عند الأطفال نتيجة حرمان الطفل من التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وعدم الاهتمام به نتيجة جفاء الأسرة معه أو الضرب الشديد المتكرر والتوبيخ المعتاد، أو لتفضيل أحد أخوته عليه؛ مما يعلن العصبية والعناد والغضب وما شابه ذلك، إلى جانب سخرية الأسرة أو الاستهزاء من أبنائهم بسبب بعض التصرفات أو المظهر، ويتحول ذلك عند بعض الأطفال إلى عصبية، وأحيانًا يكون ذلك أمام الغير، وكذلك الدلال الزائد من الوالدين يسبب التطرف الأمر الذي يولد الأنانية عند الطفل وإذا فُقد أو تلاشى يلجأ الطفل إلى التعصب والعنف للحصول على هذا الدلال، بالإضافة إلى مشاهدة الطفل للعنف عن طريق الألعاب وأفلام الكرتون أو عن طريق مشاهدة عنف فى الشوارع والمدارس. أسباب نفسية هناك أسباب نفسية، تنشأ نتيجة تقليده للغير وخاصة الأهل كسماع الصوت العالى أو التعصب الرياضى لأحد الفرق الرياضية، الأمر الذي يزرع فى طفله العصبية وهو لا يشعر، أو تقليده حركات لا إرادية صادرة من الوالدين كسرعة تحريك جفن العين، واهتزاز الكتف بصورة مستمرة، وأيضًا امتصاص الأصابع، وكثرة الجلوس والقيام بسبب أو بدون سبب، فكل ذلك يسبب له التوتر ويكون سهل الاستثارة عند التعامل مع الأخرين. وكثرة الشجار بين الوالدين أو الانفصال أو الطلاق يُحدث صدمة كبيرة عند الأطفال، خاصة أن الطفل يلاحظ ما يحدث فى المنزل من صراعات عائلية، وبسبب فقدانه الأمن والحنان من الطرفين معًا فيقوم بالتعبير عن إحساسه بالعصبية. كما وأن أسباب عضوية تتعلق بالصحة والمرض تسبب العصبية والتوتر، وعلى الوالدين معرفة أن هذه الأعراض تتطلب استشارة الطبيب، وإذا ثبت ذلك فالحل هو العلاج الطبى وعدم إهماله كزيادة إفراز الغدة الدرقية، ونقص الحديد، وفقر الدم فى الجسد، بالإضافة إلى النوم متأخرًا والاستيقاظ متأخرًا، أو تأخر الكلام وغيرها من الأسباب العضوية، لأن علاج هذه الأسباب يمنع تعصب الطفل. ارشادات مهمة وشدد حبيب، على ضرورة تحصين النشء من الأطفال عن طريق اهتمام الأبوين والمربين بالتربية الصحيحة، والالتفات لخطورة بعض الصفات الخفية؛ وتحسين العلاقات الأسرية والزوجية، وبث روح التسامح والتعاون، والعمل على نشر الهدوء والاطمئنان داخل الأسرة، على أن يكون العقاب بحذر ليس فيه انتقام أو غل، بل لتعريفه الخطأ وعدم تكراره، والسماح للأطفال بالتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم دون خوف أو خجل، مع الاهتمام بمعالجة الأمراض العضوية التي تسبب عصبية للأطفال مع الاهتمام الجيد بالنوم الصحى والكافى وبالغذاء السليم، والاهتمام بالألعاب التى تنمى اذهانهم مثل الصلصال والمكعبات فهى تساعد على بناء ذكائه ويفرغ فيها طاقاته بصورة إيجابية، وتعلمهم الصبر وطول البال، مع استخدام أسلوب القصص والذى ينمى عنده الصفات الإيجابية والهادئة، تفنيد القناعات الخاطئة، ومحاولة إبعاده عن رفقائه المتعصبين سواء زملاء أو أصدقاء، والعقاب إذا اقتضى الحال، ورفع الأمر للجهات المختصة إذا لزم الأمر، تقديم إثباتات وبراهين عند حديثنا مع الأطفال حتى يقتنعوا أكثر، فالفكر غير القائم على البراهين والأدلة هو فكر مستبد يشجع على التعصب والتطرف، الحرص على مشاركة الأولاد فى المناسبات المختلفة والاختلاط مع جميع الأعمار سواء الكبار أو الصغار، الحرص على استغلال طاقة الطفل العنيدة فى ممارسة الرياضات الجماعية والهوايات التى يحبها بعيدًا عن الألعاب العنيفة. ثورة الإنترنت قالت الدكتورة ماريا جرجس، اخصائية نفسية، إن الإنترنت أثر بشكل كبير على ارتفاع معدل جريمة الطفل، والعنف لما يشاهدونه من مادة غير لائقة كالمواقع والفيديوهات، خاصة أن هناك عددا كبيرا من الاباء والامهات يتركون الطفل الذي يبلع من العمر 4 سنوات بالجلوس امام الانترنت وبالتالي يشاهد جميع المحتويات التي تليق ولا تليق، بهدف ارضائه وعدم بكائه والإلهاء عنهم، هذا إلى جانب تأثيرة على الفئة العمرية الأكبر سنًا من عشر سنوات إلى 18 و 19 عامًا، فهم يشاهدون الأفلام الدموية مثل "أكلى لحوم البشر" التي تحثهم على العنف والعدوانية، مؤكدة أن الأعمال الفنية أثرت بشكل كبير على وجدان الأطفال وهناك أفلام تفتقد القصص الحقيقية والروح الوطنية والاجتماعية والعبرة والإفادة، ولكنها تحمل فى طياتها العنف والدمار لدى الأجيال الناشئة، خاصة أن الأطفال ليس لديهم القدرة على التفرقة بين الإيجاب والسلب الأمر الذي يجعلهم يقومون بعملية "التقليد الأعمى"، لافتة إلى انه كلما زادت الإنفعالات والضغوط النفسية ارتفع معدل الجريمة، وهذه نتيجة التنشئة الاجتماعية والتربية، وسلوكيات الاباء والامهات التي تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على الطفل، فكلما كان الأب والأم أكثر نضحًا وحكمة وأكثر استيعابًا لاستخراج طفل سوي لديه اتزان انفعالي والعمل على كيفية وجود طرق علاج لمشاكل الأطفال والمراهقة، حتى ينتج عنها تربية اجتماعية صحيحة تنفع المجتمع، وتخفض معدل الجريمة التي ارتفعت بشكل كبير فى الاونة الاخيرة. وأضافت ماريا، أن العلاقات الزوجية تؤثر بشكل كبير على الأبناء سواء أكانت سوية أم لا، كونها تشكل شخصية الفرد، فالالتزام بتصفية الخلافات بينهما فقط ضرورة، حتى لا ينتقل ذلك للأطفال ويؤثر عليهم بالسلب، وشددت على ضرورة تخصيص وقت كافٍ للحديث مع الأبناء وسماع شكواهم واحتوائهم، حتى لا يضطرون للذهاب لطرق أخرى والخوف من الحديث معهم، وأن يكون حجم العقاب على حجم المشكلة، فالحوار والمناقشة والتفاهم يؤدي لجيل صحيح ومتزن. مؤسسات الدولة وفى السياق، ذاته أكدت دكتورة جيهان عبد الواحد، رئيس الاتحاد العربي للتنمية البشرية والاستثمار، أن جميع مؤسسات الدولة ساعدت فى تشكيل صورة الطفل، "المراهق" خاصة أن الأوضاع السياسية التي الت إليها مصر منذ أعقاب ثورة يناير 2011، شكلت الميول العدوانية الداخلية للأطفال، والانفلات الأخلاقي، خاصة أن الطفل أصبح لا يمتلك الا الصور التي شاهدها فى ذلك الوقت فتصبح هذه الصورة متحكمة بشكل أساسي فى سلوكه وتفكيره دون إرادة، مشيرة إلى أن هناك جزءا كبيرا من هؤلاء الأطفال ضحية فكر وفن وأحداث وتوعية ثقفية، إلى جانب الخلل الذي يحدث فى التوازن الاسري وارتفاع معدل الطلاق، والاهتمام بالمستوى الاقتصادي عن المستوى الثقافى أوالتربوي. وشددت على ضرورة وجود توعية فنية، ثقافية، تربوية، ودينية، لإنقاذهم لما الوا إليه فى الاونة الاخيرة وانتشالهم من براثن العنف والدمار والعدوانية.