بعد تنصيب ترامب رئيسًا للمرة الثانية، دخلت الولاياتالمتحدة مرحلة مفصلية تثير مخاوف وتطلعات على الساحة العالمية. منذ لحظاته الأولى في البيت الأبيض انشغل قادة العالم بتحليل تصريحاته للتأكد من اتجاهاته المستقبلية في التجارة والتحالفات الدولية، وسط هذه التحولات، تبدو البلدان الكبرى تحاول إعادة صياغة استراتيجياتها بما يتماشى مع سياسة "أمريكا أولاً"، بجانب التحديات الكبيرة التي تلوح في الأفق بالنسبة للنظام الدولي، والتوقعات حول السياسة الخارجية لترامب التي تؤثر بشكل ملحوظ على تحالفات ومصالح الدول المختلفة. ◄الجنوب العالمي في مرمى التحديات بعد تنصيب ترامب، من المُتوقع أن يشهد الجنوب العالمي صراعًا مزدوجًا بين الفرص والمخاوف، مع زيادة النفوذ للاقتصادات الناشئة وصعود الصين، يواجه البلدان في هذا الجزء من العالم تهديدات اقتصادية مباشرة بسبب السياسات التي قد ينفذها ترامب، بجانب رفع التعريفات الجمركية، وتطبيع الترحيل الجماعي للمهاجرين سيكون له آثار مدمرة على اقتصادات هذه الدول التي تعتمد على تحويلات المهاجرين، وفقًا لمجلة الشؤون الخارجية الأمريكية « فورين أفيرز». اقرأ أيضًا: من خلف القضبان إلى الحرية.. أبرز المستفيدين من عفو ترامب عن مقتحمي الكابيتول حيث إنه وبعد تنصيب ترامب، قد تجد بعض البلدان في الجنوب العالمي فرصة لتعزيز قوتها في الساحة الدولية وسط عزوف الولاياتالمتحدة عن دعم الاتفاقيات البيئية، وفي ظل هذا النهج، يعزز ترامب من سياسات الانعزالية، ما يعيد تشكيل ديناميكيات العمل بين الدول غير الغربية ويسمح لها بالتصعيد ضد الهيمنة الغربية، وهو ما قد يعود عليهم بمكاسب على المدى الطويل. كما أنه بعد تنصيب ترامب، قد تُستغل سياسته التجارية التي تقوم على المعاملات المباشرة لإعادة ترتيب القوى بين الدول الكبرى، بينما يدفع عداؤه للمعايير الدولية بعض البلدان للعمل بشكل جماعي لتحدي الهيمنة الأمريكية، فإنه من الممكن أن يستفيد الجنوب العالمي من المنافسات بين القوى العظمى لتحقيق مصالح اقتصادية مستدامة قد تكون على حساب الولاياتالمتحدة. ◄هل يشهد العالم عودة متعددة الأقطاب؟ بعد تنصيب ترامب، قد يواجه الجنوب العالمي أيضًا فرصة لتشكيل تحالفات جديدة في عالم متعدد الأقطاب، فإذا قرر ترامب التكيف مع روسيا، فمن المحتمل أن يعزز هذا رؤية جديدة للنظام العالمي بحيث تسيطر قوى كبرى متعددة على الساحة الدولية، وفي هذه الحالة، قد تصبح روسياوالصين خصومًا للولايات المتحدة، ما يعيد تشكيل العلاقات العالمية لصالح البلدان النامية. وبعد حفل تنصيب ترامب الأحد الماضي، يمكن أن تجد العديد من البلدان النامية في سياسة ترامب الخارجية البراغماتية التي تقوم على التركيز على المصالح الوطنية المباشرة بعيدًا عن الأيديولوجيا، حيث يتبنى ترامب هذا النهج بقرارات تخدم المصالح الاقتصادية والأمنية لأمريكا بشكل فوري، متجنبًا التورط في صراعات دولية مكلفة أو الدخول في التزامات طويلة الأمد. اقرأ أيضًا: ترامب 45 و47.. قصة الرئيس الوحيد صاحب الرقمين في القرن الحادي والعشرين وهذه السياسة ظهرت في توجهاته نحو تقليص الإنفاق العسكري الخارجي، والضغط لتحقيق صفقات تجارية تصب في صالح الولاياتالمتحدة، وإذا استمر ترامب في هذا التهج، ستسعى الدول النامية إلى الاستفادة من هذا المسار لتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية دون الالتزام بمعايير الغرب، وفقًا لما أشارت له المجلة الأمريكية ذاتها. الجنوب العالمي يضم بلدانًا متنوعة، من اقتصادات ناشئة مثل البرازيل إلى دول أخرى فقيرة مثل النيجر، ولكل منها مصالحه الخاصة، على الرغم من اختلاف توجهاتها، تتباين المواقف تجاه القوى الكبرى؛ إذ تحتفظ إندونيسيا بتحييدها بين الصينوالولاياتالمتحدة، بينما تتقارب الأرجنتين مع أمريكا، واليوم وبعد تنصيب ترامب، يبدو أن الهند ستتأرجح بين مواقفها التاريخية وطموحاتها العسكرية تحت مظلة الولاياتالمتحدة. على مدار العقود الماضية، نجح الجنوب العالمي في بناء تحالفات تهدف إلى تغيير قواعد النظام الدولي التي فُرضت من قبل القوى الكبرى، ومن خلال مجموعة ال77 وحركة عدم الانحياز، دافع عن السيادة وحقوق الإنسان، وبعد تنصيب ترامب، قد تزداد فاعلية هذه التحالفات في الضغط على الهيمنة الغربية وإعادة تحديد المعايير الدولية في السياسة والاقتصاد. ◄تحول في موازين القوى العالمية في ستينيات القرن العشرين، تصدى الجنوب العالمي لهيمنة القوى العظمى في مجال الأسلحة النووية، حيث نجح في إبرام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية رغم محاولات الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي للحد من انتشار التكنولوجيا النووية، وبعد تنصيب ترامب، قد يظهر الرئيس الأمريكي المنتخب، موقف أكثر تشددًا تجاه القوى النووية، مما قد يهدد استقرار النظام الدولي القائم، بحسب مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية. أما في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فرضت الولاياتالمتحدة إصلاحات عبر مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي التي كانت تهدف إلى دمج الجنوب العالمي في النظام الليبرالي، وفي عهد كلينتون، لعب "النظام القائم على القواعد" دورًا أساسيًا في تمكين دول الجنوب العالمي من استغلال المؤسسات الدولية لصالحها، حيث مكنت منظمة التجارة العالمية الدول النامية من الحصول على اتفاقات تجارية عادلة، بينما ساعدت اتفاقيات مثل بروتوكول كيوتو على تمويل السياسات البيئية. وفي أعقاب الأزمة المالية التي حدثت بالولاياتالمتحدة عام 2008، أظهرت العيوب الجوهرية في النظام الليبرالي الغربي ولأول مرة منذ عقود، أصبح الغرب في حاجة إلى الجنوب العالمي، حيث جاءت مجموعة العشرين لتغيير قواعد اللعبة، ما منح الاقتصادات الناشئة، مثل الصينوالهند، فرصًا أكبر في صياغة السياسات الاقتصادية العالمية. ◄تأثير الانسحاب من المؤسسات الدولية عندما تولى ترامب منصب الرئاسة الأمريكية في 2017، أثر ذلك بشكل عميق على الجنوب العالمي، فقد أضعف انسحابه من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس وقواعد التجارة العالمية التي تضمنها منظمة التجارة العالمية قدرة الدول النامية على حماية مصالحها، واليوم وبعد تنصيب ترامب للمرة الثانية، أُفرغت المؤسسات الدولية من مضمونها، ما عرض الدول الأضعف لخطر الانتهاك.. رغم تعهدات الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن بإعادة الولاياتالمتحدة إلى اتفاقية باريس، إلا أن سياساته لم تكن بعيدة عن تأثيرات سياسة ترامب، حيث تراجعت إدارة بايدن عن بعض مواقف ترامب المتشددة حول الهجرة، ولكن استمرت التدابير الاقتصادية مثل قانون خفض التضخم في إعاقة تقدم الجنوب العالمي في التحول إلى اقتصادات خضراء، الأمر الذي أعاد الصراع التجاري إلى الواجهة بعد تنصيب ترامب. وفي السنوات الأخيرة، بدأت العديد من الدول النامية بالاتجاه نحو الصين كحليف اقتصادي، وعلى غرار ذلك تمكنت الصين من جذب هذه البلدان عبر قروض واستثمارات ضخمة، مستغلة تراجع دور الولاياتالمتحدة في التعاون الدولي، لكن مع تنامي قوة الصين، بدأ يظهر تحولها من شريك إلى قوة مهيمنة، ما يهدد مصالح الجنوب العالمي على المدى الطويل. تعهّدات ترامب الانتخابية، مثل الانسحاب من الاتفاقيات الدولية، تعد بمثابة استراتيجية لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية، ومن منظور الجنوب العالمي، يبدو أن ترامب يسعى لإعادة تشكيل النظام الدولي لصالح الولاياتالمتحدة، لكن هذا قد يؤدي إلى زيادة التوترات الاقتصادية، حيث من المرجح أن تؤدي السياسة الحمائية إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في البلدان النامية بعد تنصيب ترامب. ◄ردود فعل الجنوب العالمي تجاه سياسات ترامب مع تنامي التحديات الاقتصادية في ظل سياسات ترامب، أصبح من الضروري أن تجد الدول النامية طرقًا لحماية نفسها، وأصبحت هذه البلدان أكثر تمكينًا تقنيًا وسياسيًا لمواجهة تأثيرات العزلة الاقتصادية وحماية مصالحها في عالم متزايد الاضطراب، ما يفرض على قادتها التفاعل بحذر مع التحديات السياسية والاقتصادية القادمة، وفقًا للمجلة الأمريكية ذاتها. شهد العالم تحولًا حاسمًا في السياسات الاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية، من سعي الحكومات إلى تقليص تأثير الدولار إلى تحولات في العلاقات الدولية، كانت سياسة ترامب تهدد بإعادة تشكيل موازين القوى العالمية، كما أن استكشاف بدائل للعملة الأمريكية، والتحديات السياسية، والممارسات الاقتصادية، كلها أمور أدت إلى ظهور تحولات دراماتيكية في الجنوب العالمي. وقبل تنصيب ترامب، بدأت العديد من الحكومات في الجنوب العالمي البحث عن بدائل للدولار الأمريكي من خلال تبني أنظمة دفع غير دولارية والعملات الرقمية، وتهدف هذه التحركات إلى تقليل تأثير العقوبات الأمريكية والحد من القدرة الأمريكية على فرض قيود اقتصادية، وفي استجابة لهذه التطورات، هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة البريكس في حالة محاولة اعتماد عملة بديلة. بعد تنصيب ترامب، أصبحت سياسات الهجرة واللجوء مصدر توتر كبير في الجنوب العالمي، وإذا أُنفذ ترامب خطط الترحيل الجماعي، فإن ذلك سيوسع الفجوة بين الشمال والجنوب، ويعزز الانقسامات الثقافية والعرقية، ويمكن ان يؤدي هذا إلى تفاقم التوترات الداخلية في الولاياتالمتحدة، ما يضر بمكانة بلاده عالميًا. بعد تنصيب ترامب، أصبح موقف الرئيس الأمريكي المنتخب، من البيئة يشجع على تعزيز الصناعات التي تضر بالمناخ في الجنوب العالمي، مثل استخراج الوقود الأحفوري، وهذا يقوي جماعات المصالح المحلية التي تقاوم التحول الأخضر وتؤدي إلى تدهور البيئة العالمية، ما يؤثر على الأمن الغذائي واستدامة الموارد في الدول النامية. كما بدأ العالم يواجه تحولًا جيوسياسيًا غير متوقع، حيث إن سياسة ترامب الخارجية، التي تدعو إلى خفض التوترات مع روسيا والتركيز على الضغط على الصين، قد تسهم في تسريع الانتقال إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد يعزز هذا من النفوذ المتزايد لدول الجنوب العالمي التي ستستمر في استغلال القوى العظمى ضد بعضها البعض. وبعد تنصيب ترامب، يمكن أن يُواجه الجنوب العالمي تحديات في مواجهة السياسة الخارجية الأمريكية، بينما تظل الولاياتالمتحدة تحت تأثير ترامب قادرة على استخدام نفوذها، فإن الوكالة الصاعدة للجنوب العالمي تمنح هذه البلدان القدرة على التأثير في الديناميكيات العالمية بشكل غير مسبوق، لكن سيجد ترامب، في محاولاته لاستعادة الهيمنة الأمريكية، صعوبة أكبر في تجاهل القوى الناشئة في الجنوب