عبدالله السيد سالم مما لاشك فيه ان الصراع الحدث ف العالم الذي شغل الراي العام العالمي في السنوات القليلة الماضية وتم فتح من جديد مع بداية عام 2020م ولعل ابرز المتصارعين هم الولاياتالمتحدةالامريكية وجمهورية الصين الشعبية هو صراع علي الهيمنة والنفوذ علي النظام العالمي ،و بالنظر الي ما باتت تتمتع به الصين من مكانة دولية متقدمة ومتنامية في أهميتها يعد تحديد رؤيتها علي الساحة الدولية مسالة بالغة الاهمية، وأيضا بعد تجاوز حجم اقتصاد الصين نظيره الأمريكي منذ 2014م ليضحي اكبر اقتصادات العالم بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لناتج المحلي الإجمالي لدول العالم وفقا لمنهجية تعادل القوة الشرائية التي تتيح قدرة افضل واكثر موضوعية علي القياس المقارن للناتج المحلي الإجمالي من منهجية تقويم الناتج المحلي الإجمالي وفقا لأسعار الصرف الرسمية وذلك دفع الولاياتالمتحدة وبعد تولي دونالد ترامب بداء نوع سياسة التي اتباعه الجمهورين من قبله وهي سياسة الاحتواء الذي اتباعه مع الصين من اجل احتواء صعود الصين كقوة عالمية او تغير هيكلة النظام الدولي الحالي ليكون ثنائي القطبية من جديد مما يوثر علي المصالح الامريكية ونفوذها في اسيا. أولا: رؤية عام للصراع على زعامة العالم لعل الكثير من المحللون و البحاثون في الشئون الاسيوية قد أكده ان الصراع العمالقة القائم بين القوتين الولاياتالمتحدةوالصين قد يوثر بشكل عام علي النظام الدولي وذلك لان كل من الدولتين تمتلك ابعاد وعناصر القوة فالولاياتالمتحدة تريد الاحتفاظ بالهيمنة علي النظام الدولي وتنظر الي الصين علي انها قوة ناهضة لدوريها الإقليمي والعالمي وتري ان صعودها يهدد مصالحها الحيوية وامنها القومي في حين ترغب الصين في الوصول الي قمة النظام العالمي وتنظر الي الولاياتالمتحدة بعدها القوة العظمي الوحيدة ذات المصالح المتشعبة علي مستوي العالم كما انها يمكن ان تلعب دورا مهما من خلال التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب لا تكون فيه هيمنة أمريكية بل توازن بين القوي المختلفة. بناء على ذلك يمكن القول ان النظام الدولي الحالي يشهد صراعا بين الولاياتالمتحدة التي ترغب في ان تبقي القوة المهيمنة على النظام الدولي من ناحية والقوي الدولية التي ترغب في ان يصبح النظام العالمي متعدد الأقطاب لتستفيد من المنافع الدولية من تقسيم مناطق النفوذ في العالم من ناحية اخري ومن هذه القوي الصينوروسيا ودول اوروبية مثل المانية وفرنسا وبريطانيا ولكن الولاياتالمتحدة تنظر الي القوي المنافسة لها على زعامة العالم على انها مصدر تهديد مصالحها الحيوية وامنها القومي كما هو الوضع مع الصين. ثانيا: سياسة الولاياتالمتحدة ف التعامل مع الصين تأتي الصين علي راس اهتمامات الولاياتالمتحدة في اغلب التقارير الاستراتيجية الامريكية التي تصدر بحثا عن معالم واضحة لاستراتيجية كبري تعمل الولاياتالمتحدة على هديها- منذ انتهاء الحرب الباردة – وترجع أهمية الصين في الفكر الاستراتيجي الأمريكي الي مجموعة من الأسس التالية: 1. الصين دولة تتمتع بتأثير كبير في منطقة شرق اسيا ولها مصالح استراتيجية مشتركة مع الولاياتالمتحدة في الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة شرق اسيا. 2. ان الاقتصاد الدولتين وصل الي حد يجعل انفصال احداهما عن الأخرى لاي سبب وتحت أي ظرف امر شديد الصعوبة وباهظ التكلفة. 3. الصين باعتبارها دولة تشهد سرعة تطور اقتصادي كبيرة تلعب دورا هاما في حل التحديات العالمية التي لا يمكن لاي دولة مواجهتها بمفردها. 4. توجد نقاط التقاء ومصالح مشتركة متعددة بين البلدين والاهم من ذلك ان الاستراتيجيين الذي ستعاملون مع السياسة الخارجية يقدرون حقيقة ان الصين لا تساند أي حركة سياسية معادية للمصالح الامريكية وتسعي للارتباط بالنظام العالمي عن طريق بوابة الاقتصاد وتتطلع الي وجود نظام دولي متعدد الأقطاب بصورة سلمية. ويمكن القول ان الادارات الامريكية المتعاقبة فضلت انتهاج سياسة التعاون مع الصين عن سياسة الاحتراز والتحوط علي امل ان تقبل الصين تدريجيا الدور القيادي للولايات المتحدة في اسيا برغم ان جميع الشواهد تشير الي العكس ولهذا ظهرت القوي المختلفة في الولاياتالمتحدة التي تتبع تيار الاحتواء او الارتباط يتجادلون ويختلفون حول مستقبل الصعود الصيني وأسلوب التعامل معه، فيما يلي سوف نعرض اراء التيارات الامريكية تجاه الصين: أولا: تيار احتواء الصين: يري أنصار ذلك تيار ان الصين تعتبر عدوا قائما او محتملا للولايات المتحدة وأنها ستصد كقوة محاربة مما سيؤدي حتما الي عدم استقرار في اسيا بصورة تضر بالمصالح الحيوية الامريكية كما محل الولاياتالمتحدة كقوة مسيطرة في اسيا وأصبحت تنظر للولايات المتحدة باعتبارها عقبة رئيسية امام طموحاتها الاستراتيجية الخارجية لا باعتبارها شريك استراتيجي الامر الذي دفعها الي بناء قوة عسكرية ودعم وجودها في بحار الصين الشمالية والجنوبية يشكل يمكنها من التحكم في الخطوط البحرية الأساسية في المنطقة. كما ان أنصار هذا التيار يشيرون الي ان الصراع العسكري الفعلي بين البلدين امر ممكن حدوثه وسوف يزيد من احتمال حدوثة المحاولة الصينية للاستيلاء على تايون بالقوة وان تحل الصين بالقوة العسكرية مطالبها الإقليمية في بحر الصين الشمالي والجنوبي ويدعم أنصار هذا التيار رأيهم بان حجم الصين وقوتها الكامنة وتصورها لنفسها كمركز للحضارة وتطلعها الي استعادة مجدها القومي كل ذلك يدفعها الي السيطرة الاسيوية. كذلك يطرح انصار هذا التيار تصور مفاداه ان الصين ليست كالاتحاد السوفيتي فهي ليست دولة عسكرية تقوم علي اقتصاد ضعيف بل هي تتسم باقتصاد قوي قادر علي بناء قوة عسكرية مؤثرة وبنا علي ذلك تمثل الصين مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة ويعتقد هؤلاء ان الولاياتالمتحدة هي الوحيدة القادرة علي الوقوف في طريق الصعود الصيني ويكاد البعض منهم يوازي بين صعود الصين وبين الدور الذي لعبته المانيا في أواخر القرن التاسع عشر حتي منتصف القرن العشرين في زعزعة استقرار النظام العالمي، لذا يذهب انصار هذا الاتجاه الي حتمية الصراع بين الصينوالولاياتالمتحدة وصولا الي المواجهة العسكرية لان نزاع المصالح بين البلدين سوف يتفاقم ليصل الي نقطة اللاعودة. ثانيا: تيار الارتباط مع الصين: يري انصار هذا التيار ان الصين ستصعد بشكل سلمي وانه لابد من الارتباط وتقوية العلاقات المختلفة معها خاصة العلاقات الاقتصادية وسياسة الارتباط التي يدعو لها هذا التيار يمكن ارجاعها الي السبعينات منذ انتفاع الرئيس نيكسون علي الصين عام 1972م ثم تطورها بعد الحرب البارد ويعطي انصار هذا التيار الأولوية للصالح الاقتصادية في العلاقات مع الصين ويرون ان الارتباط مع الصين عدوا بالفعل ولذلك فان المطلوب هو احتواء العناصر التي يمكن ان تشكل نزاعا او صراعا بين الولاياتالمتحدة و الصين والتركيز علي الأساليب التي من شانها تمنع الصين من ان تكون مصدر معارضة وتهديد للمصالح الحيوية الامريكية. كذلك تبني هذا التيار بعض الافتراضات بناء على مجموعة من الأسس التالية: أولا: ان الصين تركز أولوياتها على تحقيق النمو المطرد والمستقر وعلى الانضمام للنظام العالمي والحصول على التكنولوجيا الغربية ويدعم هذا اعتقادهم بان التجربة السوفيتية قد فشلت بسبب عدم الاهتمام بالتنمية الاقتصادية وبناء على هذا فان الصين ليست في حاجة لتهديد أحد حفاظا على بيئة سلمية ومستقرة لنموها الاقتصادي. ثانيا: تحتاج الصين حسب رأيهم الي زمن طويل حتى تصبح قادرة على القيام بدور عالمي ريادي، فلا يزال حتى الان امامها عدد من التحديات الداخلية التي تقف عقبة امام تحولها الي قوة عظمي كما ان هذه التحديات هي التي ستقوم بالدور الذي يدعو اليه أنصار تيار الاحتواء فالصين لن تكون قادرة علي مواصلة مساعيها للتحول الي دولة عظمي بسبب انشغالها بشؤونها الداخلية. ثالثا: يؤكد أصحاب هذا التيار على ان الصين لا تمثل تهديدا عسكريا او أيديولوجيا للولايات المتحدة أكثر منها تهديدا للمصالح الامريكية ولا ينبغي المبالغة في تصوير الصعود الصيني على انه تهديد للولايات المتحدة خاصة وان الصين تدرك جيدا انه إذا اتبعت سياسات عدوانية فان الولاياتالمتحدة سوف تغير سياستها تجاهها فسياسة الارتباط معها ليست غير قابلة للارتداد وفيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان فهم يرون ان الانفتاح الاقتصادي سيؤدي بالتدريج الي انفتاح سياسي وتحول ديمقراطي في المجتمع الصيني. ثالثا: سياسة الصين في التعامل مع الولاياتالمتحدة ان من الأهم الأسس التي ترتكز عليها السياسة الصينية في إدارة علاقتها مع الولاياتالمتحدة هو عدم المواجهة معها فالصين تطمح للوصول الي مرتبة القوة العظمي إقليميا وعالميا لكن تقر في نفس الوقت بوجود قوة عظمي اخري هامة وهي الولاياتالمتحدة لها مصالح حيوية في جميع انحاء العالم يتعين علي الصين احترامها ولكن بما لا يمس سيادتها ولا مصالحها الحيوية والصين تحاول الا تصطدم مع الولاياتالمتحدة قدر الإمكان حيث تتذكر دائما ان لها مصالح ضخمة معها وبالتالي مكانة ووضع الصين علي المسرح الدولي عليه قيد مهم مرتبط بمصالحها الاقتصادية مع الولاياتالمتحدة. وبناء علي هذا الأساس تبنت الصين سياسة التركيز علي الصعود السلمي للمحافظة علي نموها الاقتصادي والاستراتيجي وتجنبت الي حد ما في سياستها الخارجية لعب أي دور فاعل ومؤثر علي الساحة الدولية في القضايا الدولية التي لا تمس سيادتها ومصالحها الحيوية بشكل مباشر ويعود ذلك لأدراك القيادة الصينية بان أي مواجهة مع القوي الدولية وخاصة الولاياتالمتحدة سوف تودي الي عرقلة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما تعتبر ان الولاياتالمتحدة هي حجر الأساس لتحقيق نموها الاقتصادي وبالتالي تري الصين ان علاقات التعاون مع الولاياتالمتحدة هي الأفضل لتحقيق مصالح الطرفين والحفاظ علي الامن والاستقرار الإقليمي والعالمي. وكذلك تري الصين ان المصالح الصينية والأمريكية ليست علي طرفي نقيض خاصة وان البلدين يقعان علي مسافة بعيدة بما يكفي عن بعضهما البعض الامر الذي لا يدعو لاي تصادم في المصالح الأمنية الأساسية فضلا عن إمكانية حصولهما علي المنفعة المتبادلة من التجارة وغيرها من المجالات المشتركة ، لذا تؤكد الصين علي ان العلاقات مع الولاياتالمتحدة يجب ان تقوم علي الاحترام المتبادلة والمصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشئون الداخلية ولا تغيب عن الرؤية الصينية إمكانية حدوث بعض الخلافات مع الولاياتالمتحدة او درجة من التناقض في المصالح ولكنها تري ان مثل هذه الأمور يمكن التعامل معها بالأساليب الدبلوماسية بعيدا عن الصراع والمواجهة وعليه ترفض الصين الدخول في أي تحالفات ضد الولاياتالمتحدة وتفضل أسلوب التعاون والحوار بين البلدين. هذا يعني ان الصين علي يقين تام انها لكي تستكمل مراحل نموها الاقتصادي والعسكري وتعزيز نفوذها الدولي فان عليها ان تتجنب أي نوع من المواجهة مع الولاياتالمتحدة، فالولاياتالمتحدة لديها قدرة كبيرة علي الحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية الصينية حيث لاتزال الولاياتالمتحدة تمثل اهم سوق بالنسبة الي الصين واحد ابرز الاستثمارات الخارجية والتكنولوجية المتقدمة وفي نفس الوقت توكد الصين علي انه مثلما يشكل الاقتصاد الأمريكي فائدة للصين يشكل أيضا اقتصاد صيني مزدهر فائدة للولايات المتحدة وهذا يعني ان العلاقة التي تربط بين البلدين تعتبر علاقة اعتماد متبادل الامر الذي يدفعها الي إقامة علاقات تعاون بينهما وتعزيزها وليس فحسب ادراك كل طرف لمصلحة من علاقته بالطرف الاخر هو الذي يدفع لهذا التعاون بل كذلك تخوف كل طرف من ان يلحق به الطرف الاخر ضررا هو ما يدفع حتما للعمل والتعاون مع الطرف الاخر خاصة وان كل منهما يملك من القدرة العسكرية يكفي لألحاق الضرر ببعضهما البعض. في حين يري بعض المفكرين الاستراتيجيين الصينيين ان الولاياتالمتحدة قوة عظمي مصممة علي احباط صعود اي منافس خاصة الصين ولذا يري المفكرين ان واشنطن لن تمانع ف تحول الي الصين الي دولة متنامية بشرط الالتزام بالمعاهدات و بالتالي منعها من لعب دورها التاريخي، ومن ثم يرون ان التعاون المستمر مع الولاياتالمتحدة يعد هزيمة ذاتية لأنه لن يخدم سوي هدف الولاياتالمتحدة المتمثل في تحييد الصين فالعداء المستمر يتأصل من خلال تأثيرات أمريكا في المستويين الثقافي والتكنولوجي والتي يتم أحيانا عدها شكلا من اشكال الضغط المتعمد، كما توجد أصوات داخل الصين تنادي بان تواجه الصين عدائيات لها في بحر الصين الجنوبي وعلي حد تعبير المحلل الاستراتيجي لونج تاو العقل والتفكير مقدما ثم الضرب قبل ان تخرج الأمور تدريجيا عن السيطرة مع بعض المعارك الضيقة التي يمكن ان تردع المحرضين عن المضي قدما. اما عن هيكلة النظام العالمي الجديد التي تسعي الصين الي الوصول اليها ذلك لن يحدث الا من خلال تحديد شكل النظام العالمي ذلك عن طريق تحديد قدرة كل دولة علي السيطرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا علي مناطق مختلفة من العالم ومن الملاحظ ان مبادرة الحزام والطريق تعد مشروعا استراتيجيا للصين لتحقيق التنمية وزيادة اعتماد الدول عليها اقتصاديا ومن ثم عسكريا وسياسيا وهو ما تسعي اليه الولاياتالمتحدة ولذا فانه من المتوقع ان تشهد مناطق كثيرة صراعا بينهما منها بحر الصين الجنوبي ووسط اسيا وأوروبا وافريقيا وأخيرا أمريكا اللاتينية التي أعلنت الصين شمول مبادرتها لها. وعلى الرغم ان تلك القضية لم تنتهي حتى الان الا ان من المتوقع ثلاثة سيناريوهات يمكن من خلالها استشراق مستقبل النظام العالمي على ضوء الصراع بين الصينوالولاياتالمتحدة: السيناريو الأول: سيناريو العزلة الدولية للولايات المتحدة: تعاني الولاياتالمتحدةالامريكية من ازمة اقتصادية حيث لديها عجز في الموازنة يصل الي 10تريليونات دولار، وديون خارجية تصل الي نحو 22تريليون دولار، وديون داخلية علي افراد الشركات تصل الي نحو76تريليون دولار، لذا توقع المحللون ان تلجا أمريكا الي العزلة الدولية تاركة مكانتها الدولية لبريطانيا التي ستتبني سياستها في النظام العالمي والتي ستستحدث طرقا للصراع مع القوي الكبرى خاصة الدول الأوروبية الكبرى والصينوروسيا لاستنزاف طاقتها الا في صراعات داخلية او تشتيت جهودها في مناطق عدة من العالم او إدخالها في سباق تسلح يأتي علي حساب تحقيق التنمية المستدامة وبالتالي يحد من حدود حركة هذه الدول بالتدريج في النظام العالمي. مما سبق من الصعوبة بمكان توقع تشكيل تحالفات دولية في النظام العالمي ولكن قد يحدث توافق في قضايا وصراع في قضايا اخري. ويمكن القول ان ثمة صعوبة في توقع القوي الكبرى في النظام العالمي وبالتالي من الممكن توقع دخول قوي صاعدة فيه مثل كندا وأستراليا والهند واليابان الي جانب الصينوروسيا والدول الأوروبية. السيناريو الثاني: سيناريو احادي القطبية: يعتمد هذا السيناريو على معدلات النمو الاقتصادي والانفاق السنوي على التسليح في البلدين والظاهر ان هناك استقرار في العامين الماضيين بالنمو السنوي في الصين في حدود ال 7% الا انه تراجع عن المعدلات التي استطاعت الصين تحقيقها في العقدين الماضيين في المقابل فان الولاياتالمتحدة تبدو الان قادرة علي الاستقرار علي معدل نمو فوق 3% وهو اعلي مما كانت عليه الحال في العقدين السابقين. على الجانب العسكري فان تقديرات الانفاق السنوي على التسليح الأمريكي في العقد المقبل (بما فيه الأبحاث المعلنة) تصل الي أكثر من 800مليار دولار، بينما ستصل في الصين الي 300مليار دولار. وبالتالي فان التقديرات التي سادت في العقد الماضي بان الاقتصاد الصيني سوف يلحق بالأمريكي خلال عقد من الزمان تبدو الان بعيدة عن الدقة والاهمية هنا ليست في حجم اقتصادي البلدين ولكن في حجم فائض القوة الاقتصادية لديهما. والحاصل ان القوة الاقتصادية الصينية ممثلة في استثمارات شركات صينية او في مبادرات استراتيجية كبري مثل مبادرة الحزام والطريق المدعومة بقوة من الدولة الصينية ستأخذ وقتا أطول لتبني للصين مراكز قوة تستطيع منافسة الهياكل الاقتصادية الامريكية التي تحكمت في مفاصل الاقتصاد الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية او حتى تستطيع تحدي المصالح الامريكية المترسخة في المناطق الثرية او ذات النمو الاقتصادي الواضح في العالم. اما بالنسبة للقدرة العسكرية الصينية فعلي الرغم من ازديادها فأنها بعيدة جدا عن تحدي القوة الامريكية في أي منطقة ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة بما في ذلك شرق اسيا نفسها وهي الجوار الأول للصين. السيناريو الثالث: سيناريو متعدد الأقطاب من خلال التهدئة من جانب الصين: يمكن القول ان العلاقة الامريكيةالصينية على الأقل في العقد المقبل قائمة علي تفادي الصراع ومحاولات لاحتواء القلق الأمريكي من صعودها ووضع ذلك الصعود داخل اطار النظام العالمي الموجود وليس كمقدمة لهدمه وبناء نسخة صينية منه. ان الصين في صعودها المستمر ستحاول خلق مساحات عمل لمؤسساتها وشركاتها داخل ذلك النظام تتعلق اهم مساحات العمل هذه بتوسيع أسواق صادراتها وهي المنشئة لفرص عمل داخل المجتمع ذي المليار واربعمئة مليون نسمة وبدونها يسقط النظام السياسي برمته يترتب على ذلك ان أحد اهم اهداف استراتيجية الصين هو تامين طرق الملاحة والتجارة العالمية بشكل عام التي عن طريقها تصل صادرتها الي الأسواق العالمية. ان الصين في احتياج ليس فحسب الي الولاياتالمتحدة الحامي الأول لتلك الطرق ولكنها أيضا في احتياج الي علاقات دولية مع الدول ذات الأسواق الأهم لها (وهي في الاغلب حلفاء للولايات المتحدة) علي عكس ما قد يبدو فان هذا الضعف الصيني النسبي مقابل الولاياتالمتحدة يتماشى مع التفكير الاستراتيجي الصيني علي الأقل كما يبدو من كتابات أساتذة العلاقات الدولية هناك في هذا الفكر تريد الصين ان يكون صعودها سلسا بدون ان يبدو كتحد للنظام الدولي الذي تنظمه "وتحكمه" الولاياتالمتحدة ذلك لان تحدي الولاياتالمتحدة "في هذه المرحلة " سيتبعه بالضرورة تصد من الولاياتالمتحدة وهي تملك أدوات عدة وقدرات هائلة وعليه فان غاية الطلب في الفكر الصيني هو ان تواجه الولاياتالمتحدة مشكلات مختلفة تشغل اهتمامها وتستوعب جزاء كبيرا من قدراتها ليبتعد التركيز الاستراتيجي الأمريكي بعيدا عن الصعود الصيني فان تعذر ذلك فلا بد من اللعب بالقواعد الحالية للعبة. هناك عامل اخر في الفكر الصيني المبتعد عن التحدي الولاياتالمتحدة هو ان الصين حتى الان لم تجد سردا يمكن ان تقدم نفسها به الي العالم كقوة سياسية وثقافية وذلك ضرورة لاي قوة عظمي كما انه تحديه شديد الصعوبة. وأخيرا يمكن القول ان المستقبل النظام الدولي أصبح مرتبطا بالصراع بين الصين وامريكا ومن ثم فان الصراع مرشح للتهدئة في فترات ستحكمها مصالح كلتا الدولتين وفي فترات سيزيد مستوي الصراع ويمكن ان يترتب عليه نظام احادي القطبية تتفوق فيه الولاياتالمتحدة او ثنائي القطبية في مجالات دون الأخرى مثل ان يكون المسيطر على الامن السيبراني روسيا وامريكا او ان يسيطر على الذكاء الاصطناعي أمريكاوالصين او متعدد الأقطاب بحيث تستطيع دول الصعود الي قمة النظام العالمي. من وجهة نظري بعد كل ما سبق بناء علي كتاب للبروفسور " جراهام اليسون" قد اثار جدلا واسعا تتمثل فكرته الأساسية في ان الولاياتالمتحدةوالصين تتجهان نحو حرب لا ترغبا في خوضها والسبب في ذلك هو ما يسمي "بفخ ثوسيديدس" وهو نمط قاتل من الضغط الهيكلي الناتج عن تحدي قوة صاعدة لقوة اخري مهيمنة هذه الظاهرة قديمة قدم التاريخ نفسه وقد شرح المؤرخ "ثوسيديدس" الحرب البيلوبونية التي دمرت اليونان القديمة قائلا " بان صعود أثينا والخوف الذي غرس في اسبرطة هو ما جعل الحرب حتمية " وعلي مر القرون الخمسة الماضية تكررت 16حالة مماثلة للدول الصاعدة في مواجهة الدول المهيمنة اسفرت 12 حالة منها عن نشوب حرب حقيقية واليوم فان الصين المستمرة في تقدمها كادت تقترب من مكانة الولاياتالمتحدة الراسخة وكل من الرئيس الأمريكي والصيني وعدوا بان يجعلوا دولهم عظيمة مرة اخري وعليه يبدو ان الحالة السابعة عشر محبطة الا اذا كانت الصين تسعي الي تقليص طموحاتها او ان الولاياتالمتحدة ستقبل بان تكون في المرتبة الثانية في المحيط الهادي فالصراع التجاري او الهجمات الالكترونية او الحوادث البحرية من الممكن ان تتصاعد الي اندلاع حرب شاملة وبناء علي هذا يشرح جراهام اليسون لماذا فخ ثوسيديدس هو المنظور الأمثل لفهم العلاقات الامريكيةالصينية في القرن الواحد والعشرين فمن خلال التشابهات التاريخية الغامضة وسيناريوهات الحرب يوضح مدي قربنا مما لا يمكن توقعه الا يوكد في نفس الوقت ان الحرب ليست حتمية وكيف ان القوي المتصارعة حافظت علي السلام في الماضي وبالتالي يشير اليسون الي الخطوات الصعبة التي علي الولاياتالمتحدةوالصين اتخاذها لتجنب وقوع الكارثة، بناء علي ذلك فان النظام العالمي من المتوقع ان يشهد تغيرات كثيرة في العقدين المقبلين. المراجع: 1. د. مني هاني محمد، " رسالة ماجستير القضايا الأمنية في العلاقات الامريكيةالصينية": (القاهرة، المكتبة المركزية جامعة القاهرة، 2017) ص ص 36-71 2. د. سماء سليمان " تداعيات التنافس الأمريكي – الصيني على مستقبل النظام الدولي" :( السياسة الدولية، العدد اكتوبر2019) ص ص 130-134 3. Graham Allison, "Destined for war: Can America and china Escapa Thucydides, Trap?": (New York, Houghton Mifflin harcourt,2017)