تشهد الساحة السياسية الكندية تحولاً غير مسبوق مع اقتراب موعد الانتخابات المصيرية، حيث فجرت كريستيا فريلاند، وزيرة المالية الكندية المستقيلة، مفاجأة سياسية مدوية بإعلانها موقفاً حازماً ضد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، متعهدة بمواجهة أي تهديدات اقتصادية أمريكية محتملة. وفي هذا الصدد كشف صحيفة نيوزويك الأمريكية عن تفاصيل هذا التحول العميق في المشهد السياسي الكندي، الذي يأتي في لحظة فارقة من تاريخ البلاد. تحولات سياسية عميقة تمهد للانتخابات أحدثت استقالة فريلاند المفاجئة من منصبها كوزيرة للمالية في ديسمبر الماضي زلزالاً سياسياً هز أركان الحكومة الكندية، مما أدى إلى سلسلة من التداعيات السياسية العميقة انتهت بإعلان رئيس الوزراء جاستن ترودو عن تنحيه. وأوضحت نيوزويك أن الخلافات الجوهرية حول السياسات الاقتصادية كانت المحرك الرئيسي لهذه الاستقالة، إذ عارضت فريلاند بشدة ما وصفته ب "الحلول السياسية المكلفة" التي اقترحها ترودو، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والمدفوعات المباشرة للمواطنين. وقد أدت هذه الخلافات إلى انقسامات عميقة داخل الحزب الليبرالي الحاكم، مما عمق من أزمته السياسية الراهنة. وسيظل ترودو في منصبه حتى اختيار الحزب الليبرالي قيادته الجديدة في مارس المقبل، في خطوة تعكس حساسية المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. المواجهة المرتقبة مع السياسات الأمريكية في خطوة لافتة عكست رؤيتها الاستراتيجية للعلاقات الكندية الأمريكية، نشرت فريلاند مقالاً مطولاً في صحيفة تورونتو ستار، أطلقت فيه تحذيراً قوياً ضد السياسات الاقتصادية الأمريكية المحتملة. ونقلت نيوزويك تصريحاتها الحازمة التي تعهدت فيها بالرد "دولاراً بدولار" على أي رسوم جمركية قد يفرضها ترامب بنسبة 25%، مؤكدة أن ردها سيكون "مستهدفاً بدقة وبشكل مؤثر"، في إشارة إلى استراتيجية اقتصادية متكاملة تهدف إلى حماية المصالح الكندية. ويكتسب هذا الموقف أهمية استثنائية في ظل احتمالات عودة ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يترتب على ذلك من تحديات اقتصادية وتجارية للاقتصاد الكندي. وقد أشارت نيوزويك إلى أن هذا الموقف الحازم يعكس تحولاً جوهرياً في السياسة الخارجية الكندية، التي طالما اتسمت بالحذر والدبلوماسية في تعاملها مع جارتها الجنوبية. المشهد الانتخابي المعقد يواجه الحزب الليبرالي تحديات غير مسبوقة قبل الانتخابات المرتقبة، إذ كشفت نيوزويك عن استطلاعات رأي صادمة تظهر تراجعاً حاداً في شعبيته إلى 20% فقط مقابل 47% للمحافظين. وتأتي هذه الأرقام في وقت يستعد فيه الحزب لمواجهة تصويت محتمل بحجب الثقة من أحزاب المعارضة المتحدة. وتبرز فريلاند في هذا السياق كمرشحة قوية لقيادة الحزب، معتمدة على خلفيتها الأكاديمية المتميزة كخريجة جامعة هارفارد وحاصلة على منحة رودس المرموقة، إضافة إلى خبرتها السياسية والدبلوماسية الواسعة. وقد أشارت نيوزويك إلى أن سجلها الحافل في التعامل مع القضايا الدولية، وخاصة موقفها الحازم من روسيا ودعمها القوي لأوكرانيا، قد يمنحها ميزة إضافية في السباق الانتخابي المقبل. مستقبل كندا على المحك مع اقتراب موعد اختيار القيادة الجديدة للحزب الليبرالي في 9 مارس، تتصاعد حدة المنافسة بين فريلاند ومنافسها الرئيسي مارك كارني، المحافظ السابق لبنك إنجلترا. وقد نقلت نيوزويك عن ترودو إشادته بفريلاند قائلاً: "لقد كانت كريستيا إلى جانبي لما يقرب من 10 سنوات، وكانت شريكة سياسية لا تقدر بثمن." ويواجه الفائز في هذا السباق تحديات هائلة، تتراوح بين معالجة الأزمات الاقتصادية الداخلية المتفاقمة، من أزمة الإسكان إلى ارتفاع معدلات الهجرة، وصولاً إلى إدارة العلاقات المعقدة مع الولاياتالمتحدة في ظل احتمالات عودة ترامب للسلطة. وبينما تتجه كندا نحو هذه الانتخابات المصيرية، يبدو أن موقف فريلاند الحازم من السياسات الأمريكية قد رسم خطوطاً جديدة في العلاقات بين البلدين، معلناً بداية حقبة سياسية جديدة قد تغير وجه كندا في السنوات المقبلة.