استخدموا الدجل والشعوذة وسيلة لكسب المال، نصبوا على ضحاياهم بالإيحاء بقدرتهم على تسخير الجن ومعرفة الغيبيات وفتح الأبواب المغلقة، وتقريب الحبيب وتغريب العدو، ورغم اختلاف الوسيلة التي اتخذها كل واحد منهم في النصب؛ فهذا يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الإلكترونية للوصول لضحاياه، والآخر يتمسك بالطريقة التقليدية وهي اشعال البخور وعمل الأحجبة والتحدث بتمتمات غير مفهومة والرقي الشرعية، وثالث يحاول أن يكون وسيطا بين الحالتين السابقتين؛ فتجده يستخدم التكنولوجيا في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى يتخذ الطرق التقليدية سبيلا له كي يتقن دوره جيدًا، لكن في النهاية غايتهم كانت واحدة وهى استغلال من يصدقون هذه الأوهام والخرافات لسرقة بضعة آلاف الجنيهات من ضحاياهم، ونهاية أخرى لابد ان تتحقق وهي سقوطهم في قبضة الأجهزة الأمنية متلبسين بأساليبهم غير الشريفة، في السطور التالية سنحكي قصة أصحاب البيضة والحجر دجالين العصر الحديث الذين استخدموا التكنولوجيا وسيلة للنصب على المواطنين. البداية من الإسكندرية وتحديدا من منطقة كرموز التي اتخذها حسين وهو شاب في الثلاثين من عمره كمقر لأفعاله الإجرامية في النصب على المواطنين، فذلك الشخص الذي لا يريد أن يكد ويتعب ليجني المال بالحلال بل أراد الطريق السهل الذي يستطيع من خلاله جني أموال دون أن تسقط ذرة عرق من جبينه فامتهن مهنة الدجل والشعوذة. حسين الذي يجيد استخدام الأجهزة الإلكترونية بصورة ممتازة بسبب دراسته التي كانت في ذلك المجال قرر أن يستخدمها في أعمال الدجل والشعوذة والايحاء بأن لديه قدرة روحية لكي يستطيع أن يجذب ضحاياه. بدأ في نشر رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي على شكل اعلانات يخبر بها ضحاياه بقدرته على معرفة الغيب، ثم بعد ذلك انشأ موقعا إلكترونيا وضع فيه بعض المؤثرات الخارجية التي توحي لمن يدخلوه بالغموض وبأن صاحبه من أصحاب الكرامات والذي لديه قوة روحية كبيرة. بدأ بعض من الضحايا في الوقوع في شباكه، حجزوا من خلال الموقع الالكتروني وبعدها كان اللقاء يتم من خلال تطبيق زوووم ولكن قبل أن يتم اللقاء كان يجمع المعلومات عن ضحاياه من خلال وسائل التواصل الخاصة بهم والتي يتحصل عليها كمعلومات منهم وقت حجز اللقاء معه ثم بعد ذلك يرسم سيناريو أعده سابقا بناء على المعلومات التي استخلصها مما شاهده ويبني من خلالها ملف لكل ضحية. في موعد اللقاء كان يستقبلهم وهو يعرف عنهم الاشياء التي تجعلهم يصدقون ما يريده لهم ان يصدقوه وبعد ذلك يستمع لشكواهم وهو يرسم على وجهه ابتسامة الواثق من نفسه وبالتالي لم يجد عناءًا في أن يصدقونه، ومن عملية لعملية أخرى ذاع صيته في المنطقة التي يعيش فيها بأنه الشيخ حسين صاحب الكرامات والذي لديه قدرة وتواصل مع الجان ومحاربتهم وقتلهم شر قتلة. استمر حسين في استخدام التكنولوجيا الحديثة فجمع من خلال النصب على الحمقى الذين يصدقونه آلاف مؤلفة من الجنيهات التي بدأ أيضا في استثمارها كي يتحول من دجال صغير يكسب بعض المال لدجال لديه قدرة أكبر على النصب وذلك من خلال الاستعانة ببعض الأشخاص الذين يجعلهم يجمعون معلومات أكبر عن الضحايا باستخدام التكنولوجيا وخاصة الصفحات الإلكترونية الخاصة بهم. انتشر بسرعة البرق في محافظة الإسكندرية وأصبح من أكثر الأشخاص الذين يتم البحث عنهم واستمر في جمع الأموال عن طريق النصب والادعاء بالمعرفة لكن كما يقال إن كل من يرتفع بسرعة كبيرة يسقط بنفس السرعة التي ارتفع بها وهذا ما حدث بالضبط مع حسين الذي تم القبض عليه واتهامه النصب على المواطنين باستخدام أساليب الدجل والشعوذة والايحاء بأن لديه قوة روحانية. في التحقيقات اعترف بقيامه بالنصب والاحتيال وأنه كان يفعل ذلك من أجل الحصول على المال واستخدم الوسائل التكنولوجية في معرفة معلومات عن ضحاياه بعد أن كان ينشر على الفيس بوك بأنه قادر على كل شيء ومن خلال بعض الحيل التي تعلمها كان يجذب بها الضحايا إليه وحصل منهم على مبالغ مالية كبيرة خلال عمله وبعد انتهاء اعترافاته احيل بالمحضر للنيابة العامة التي أمرت بحبسه على ذمة القضية، لتنتهي بذلك أسطورة الرجل الروحاني والذي تبين أنه نصاب استغل جهل الناس. دجال الدقهلية ولأن موضوع الدجل والشعوذة والنصب على المواطنين سلعة رائجة؛ يظهر في نفس التوقيت الذي كان يعيث فيه دجال الإسكندرية فسادا دجال اخر ولكن هذه المرة بعيدا عن الإسكندرية وتحديدا في مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، حيث كان ذلك الشخص يوهم هو الآخر ضحاياه بقدرته على معرفة معلومات عن ضحاياه وأنه يستطيع أن يسخر الجان كما كان يقول ويدعي. البعض قد يرى أن القصتين على قدر كبير من التشابه لكن الحقيقة أن دجال الدقهلية لديه قصة أكثر تشويقا وإثارة من دجال الإسكندرية؛ فهذا الشخص لم يكن اصلا من أهالي الدقهلية بل كان يمارس أفعاله الآثمة في الغربيةمسقط رأسه وتم القبض عليه أكثر من مرة. مصطفى كان يعمل كصبي دجال وتعلم النصب والاحتيال من معلمه الذي كان يوهم ضحاياه هو الآخر باستخدام أساليب الدجل والشعوذة ولكن تم القبض وقتها على التشكيل العصابي كله وتم حبس مصطفى ابن الغربية من ضمن التشكيل العصابي الذي كان ينتشر على خط الغربية كله ولكن السجن لم يغير شيء من نفسية مصطفى بل قرر أن ينفصل عن معلمه ويتحول وهو الآخر لدجال روحاني. ولأنه شرب المهنة وتعلمها كصبي فكان إتقانه لها مختلف؛ حيث كان يؤدي دوره على أكمل وجه ممكن، وقدرته على الإقناع وصلت لدرجة كبيرة من الاتقان الذي لم يضاهيه فيه احد على الاطلاق، فكان يرسم الدور وهو يوهم الضحايا بمقدرته الايحائية التي تعلمها من معلمه السابق وأنه يستطيع أن يفعل كل شيء وأي شيء في سبيل الوصول لهدفه الأساسي والرئيسي وهو الحصول على الأموال بأي وسيلة ممكنة من الضحايا. انتشر صيته وأصبح من اكثر الأشخاص الذين يتم البحث عنهم في مركز المنصورة فهو كان يوهمهم بأنه قادر على جلب الحبيب وإفساد الافراح والمناسبات للأعداء والعلاج الروحاني لاي مرض، فكان مبدأه ادفع الكثير حتى تحصل على ما تريد من الوهم الخرافة والغريبة أنه كان يقنعهم بهذا الوهم فيخرج الضحية من عنده وهو مقتنع تمام الاقتناع بأن كل أموره ستبقى افضل بكثير. في البداية يقوم بمعرفة كل شيء عن الضحية من خلال صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة فكل شيء في مجتمعنا يتم نشره على تلك الوسائل بصورة كبيرة ومن يريد أن يعرف معلومات كاملة عن الشخص يستطيع أن يعرفه من خلال صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي. المعلومات التي استخلصها من ضحاياه استطاع بها أن يوهمهم بقدراته، واخذ منهم أموالا طائلة ولم يعد صيته يقتصر على مركز المنصورة بل إن أغلب أهالي الدلتا أصبحوا يعرفون ذلك الدجال وانتشرت المعلومات عنه بين المحافظات، وكما انتشر بين الناس وصلت معلومات عنه لرجال الشرطة الذين رصدوا تحركاته وعملياته الإجرامية في المنطقة. معلومات رجال الشرطة وتحديدا مكتب مكافحة الاداب بالدقهلية؛ كشفت أن المتهم لديه ملف جنائي وهو يقيم في الأصل في الغربية لكنه يزاول أعماله في مركز المنصورة ويقوم بالنصب والاحتيال على المواطنين من خلال مزاولة أعمال الدجل والشعوذة والسحر وإيهامهم بقدرته على العلاج الروحانى مقابل مبالغ مالية والترويج لنشاطه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. عقب تقنين الإجراءات القانونية تم إلقاء القبض عليه أثناء قيامه بالنصب على عدد من المواطنين وعثر معه على ادوات كان يستخدمها في عمليات النصب ومنها، تليفون محمول تبين من فحصه أنه يحتوي على كل الدلائل التي تؤكد على نشاطه الإجرامي في استخدام الدجل والشعوذة والسحر واستخدام تلك الأدوات في أعماله المنافية للآداب، وفي التحقيق اعترف بقيامه بالنصب على المواطنين منذ فترة وحصل منهم على أموال كبيرة ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية وتحويله الى النيابة العامة التي قررت حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق. بدائي اما الدجال الثالث والذي تم إلقاء القبض عليه فهو من ابناء الجيزة وتحديدا في منطقة الدقي، فهو دائما يعرف نفسه لضحاياه بأنه من المعالجين التقليديين لا يستخدم الأجهزة الإلكترونية في سبيل الوصول لضحاياه ولكن يستخدم بعض الاشخاص الذين يروجون له في المنطقة التي يعيش فيها وبالفعل استطاع أن يحقق شهرة محدودة في الجيزة وكان البعض يأتون إليه من أجل أن يستخدم ما كان يدعيه بقدرته على العلاج الروحي بالرقي الشرعية والأحجبة وغيرها من الوسائل التقليدية في الدجل لكي يعالجهم خاصة أن أغلب من يأتون إليه هم من المرضى النفسيين الذين لايريدون أن يذهبوا للأطباء النفسيين للعلاج حتى لا يعرف القريبون منهم ذلك ولهذا قرروا الذهاب لهذا الدجال حتى وإن حصل على أموال كثيرة منهم. تم رصد المشعوذ هذا أثناء قيامه بالنصب على المواطنين في الجيزة وتبين أن لديه ملف سابق في الآداب في أعمال الدجل والشعوذة وأنه في الأصل عاطل عن العمل وكان قد تم إلقاء القبض عليه أكثر من مرة نتيجة لاتهامه بالنصب على المواطنين باستخدام أساليب الدجل، وعقب تقنين الإجراءات القانونية تم إلقاء القبض عليه وبمواجهته اعترف بارتكابه لجريمة النصب على المواطنين عن طريق إيهامهم بقدرته على العلاج الروحاني وحصل منهم على أموال نتيجة لذلك العمل وانتشرت أخباره في كل مكان في الجيزة كما قال، وعقب الانتهاء من اعترافاته احيل للنيابة العامة التي قررت حبسه احتياطيا على ذمة التحقيقات. اقرأ أيضا: أستاذة علم نفس يكشف السبب الرئيسي لانتشار الدجل والشعوذة القانون والعقوبة وعن القانون في هذه الناحية تقول المحامية يارا طلعت: أن القانون خصص عقوبات صارمة للمتهمين بالنصب على المواطنين وذلك وفقا لنص المادة 336 من قانون العقوبات والذي يقول أن أي شخص يتسبب في الاستيلاء على أموال بواسطة الاحتيال بهدف سلب ثروة الآخرين أو جزء منها يعاقب بالحبس، وان من يستخدم طرقا إحتيالية لإيهام الأشخاص بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إثارة الأمل بحصول ربح وهمي، أو تسديد المبالغ المأخوذة بواسطة الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزورة، أو التصرف في ممتلكات ليست ملكه، أو استخدام اسم مزيف أو صفة غير صحيحة، وإذا بدأ الشخص في ارتكاب جريمة النصب ولم يتممها، يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى سنة، ويمكن وضعه تحت ملاحظة الشرطة لفترة تتراوح بين سنة وسنتين. وتشير المحامية يارا طلعت إلى أن القانون شدد العقوبة على المتهمين بالنصب في حالة تكرار ارتكاب الجريمة خلال فترة خمس سنوات وذلك وفقا لنص المادة 339 من قانون العقوبات والذي نص على تشديد العقوبات على المتهمين في وقائع النصب في حالة تكرار ارتكاب الجريمة فيعاقب المتهم بالسجن لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات. وتؤكد يارا طلعت المحامية على أن القانون أيضا عاقب المتهمين الذين ينصبون باستخدام أساليب إلكترونية في النصب على المواطنين بالحبس لمدة لا تقل على 3 شهور وغرامة مالية لا تقل عن 30 ألف جنيه أو بالعقوبتين لكل من استخدم الوسائل الحديثة دون وجه حق، كما يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 شهور وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من انتفع دون وجه حق عن طريق خدمات الاتصالات. زيارة الطبيب النفسي أما الدكتور مصطفى عبد المنعم استاذ علم الاجتماع فيؤكد؛ أن استخدام الدجل والشعوذة في المجتمع هى تجارة مستمرة ومربحة منذ مئات السنين بسبب خوف البعض من المجتمع ومن الوصمة التي قد يتم وصمها على ذلك الشخص إذا ما لجأ في مرض ما لطبيب نفسي رغم أن كل إنسان على وجه الأرض معرض لمشكلات وضغوط نفسية إما نتيجة للعمل أو مشكلات أسرية، لذلك تجده يلجأ على الفور للذهاب لدجال؛ ومن يستخدم الدجل والشعوذة لعلاجه النفسي يزداد لديه المرض ويتوهم اشياءًا غير حقيقية، الأدهى أن نجد سيدة تذهب لدجال لأنها تريد أن تحقق حلمها مثلا بالحمل والولادة وتتخيل أن أدوات ذلك الدجال تستطيع أن تعالجها لكي تحقق حلمها ولكن هذا ما هو إلا وهم فالخوف والقلق من أمر ما تجعل الشخص لا يفكر بأسلوب سليم وبالتالي يمكن أن يلجأ لهؤلاء الدجالين ولكن النتيجة في النهاية تكون صادمة، والأكيد أن هؤلاء الدجالين يستخدمون جهل البعض لكي يستولوا على أموالهم وممتلكاتهم وهؤلاء يجب أن يتم مواجهتهم بنشر العلم لمحاربة الجهل.