بعد ساعات من انتهاء حكم بشار الأسد في سوريا، كشفت دولة الاحتلال عن مخططاتها الخبيثة تجاه سوريا، اللافت في الأمر صمت القبور الذي انتهجته الدول الغربية، خاصة أمريكا تجاه الممارسات الإسرائيلية في الداخل السوري. سلطت صحيفة «الأخبار» المصرية في عددها الصادر اليوم الأحد، الضوء على ما وصفته ب«الحق الإسرائيلي في إسقاط الأنظمة» في المنطقة.. وإلى نص التقرير: اعتمادًا على ضوء أخضر تلقاه بنيامين نتانياهو من الرئيس الأمريكى المنتخب، انتزعت إسرائيل ما اعتبرته «حق إسقاط أنظمة وكيانات معادية» قبل تنصيب دونالد ترامب فى 20 يناير المقبل، فبعد إزاحة حماس من مشهد المقاومة فى قطاع غزة وربما الضفة الغربية، انقضَّت آلة الحرب الإسرائيلية على فصيل محور المقاومة الأهم فى الجنوب اللبنانى «حزب الله». اقرأ أيضًا| إسرائيل تستأنف ضد مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت الصادرة من الجنائية الدولية بعده أو بالأحرى تزامنًا مع عمليات عسكرية متقطعة فى سوريا، ادعى مهندسوها محاولة قطع دابر الحضور الإيراني، حسمت إسرائيل مصير بشار الأسد عبر تحريك مليشيات مسلحة، انتمت فى الماضى والحاضر إلى أعنف التنظيمات الإرهابية «القاعدة». فى الماضى غير البعيد، دعمت إسرائيل أو دفعت - ومعها الولاياتالمتحدة - تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابى ضد نظام الأسد. فتح التحالف مستشفيات إسرائيل أمام مجانية علاج الإرهابيين، وعزَّز قوته بتدفق صفقات أسلحة سريَّة، وأخلى بهجمات إسرائيلية مسلحة الطريق أمام تقدم عناصر «القاعدة» للسيطرة حينها على إدلب ومناطق سورية أخرى. وبعيدًا عن مساحيق تجميل التنظيم الإرهابى، وتغيير اسمه إلى «هيئة تحرير الشام»، ومحو كنية أبو محمد الجولانى عن قائد التنظيم، والاكتفاء باسمه أحمد حسين الشرع، تنطلى التحوُّلات على رؤى سطحية، اعتبرت الإرهاب معارضة، وزعزعة استقرار الأوطان تحررًا، والتحالف مع إسرائيل سبيلًا للهيمنة حتى لو كانت مؤقتة. فى معادلة الأمن الإسرائيلية، تلعب التنظيمات الإرهابية دور الأداة فى قلقلة الاضطرابات، وتشظِّى الأمم، وانهيار مفهوم الدولة الوطنية، فإلى جانب سوابق الماضى التى اختلطت برياح ما يُعرف ب«الربيع العربي»، انبرت التنظيمات الإرهابية ومن يقف وراءها فى تسويق أوهام الديمقراطية وإنقاذ الشعوب من قمع الأنظمة الشمولية، بينما يسعى القابضون على خيوط الدُمى إلى تفتيت تماسك الأوطان وتدمير مؤسساتها. لعل مفردات المشروع باتت علنيَّة فى ظل صمت المجتمع الدولى ومؤسساته على خرق إسرائيل اتفاق مجلس الأمن رقم 350، عبر احتلال المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، فضلًا عن احتلال الجانب السورى من جبل الشيخ، والتقدم عسكريًا نحو دمشق العاصمة، وتجريد الدولة السورية وجيشها من مقدرات الأمن القومى، بعيدًا عن هوية النظام الحاكم. وربما تتعزَّز منطقية التحالفات المعادية لسوريا عند قراءة موقف بريطانيا صاحبة جهاز الاستخبارات الأكثر كلاسيكية على مستوى العالم، الذى تعتزم حكومته وأعلنت ذلك صراحة رفع تنظيم «هيئة تحرير الشام» وقائده من قائمة التنظيمات الإرهابية، تزامنًا مع صمت التنظيم ذاته على ممارسات الغزو الإسرائيلى، والتعاطى معها على أنها تجرى فى دولة أخرى. اقرأ أيضًا| خبير: نتنياهو لن يتمكن من تحويل إسرائيل لقوة عسكرية مهيمنة في المنطقة ومع تطبيق سيناريو قضم إسرائيل للسيادة السورية، الذى بشَّر به وزير المالية الإسرائيلى المتطرف بيتسلئيل سيموتريتش قبل بضعة أشهر من انهيار نظام الأسد، لا ينبغى تجاهل المصالح المشتركة بين الدولة العبرية ومعسكر الغرب، التى يمكن اختزال أحد أضلعها الرئيسية فى إحياء خط أنابيب النفط المعروف إسرائيليًا ب«خط داوود» العابر بطول 45 كيلو مترا فى ذات مسار المنطقة السورية العازلة بهضبة الجولان. الخط الذى اتحدت فى تدشينه 4 شركات أمريكية عام 1947 تحت اسم مختصر: Tap Line (Arabian Pipeline (Company بطول 1.214 وبتكلفة بلغت حينها 200 مليون دولار، استهدف نقل النفط من شبه الجزيرة العربية عبر مسار صحراوى إلى الأردن ومن هناك إلى الجولان، وصولًا إلى نهايته فى ميناء صيدا شرق البحر المتوسط. كان مقررًا عند إعداد دراسات جدوى المشروع انتهاء مسار الخط بميناء حيفا، إلا أن تحالف البُناه استثنى إسرائيل من المسار، تفاديًا للمناوشات مع الفلسطينيين، خاصة أنه لم يُعلن حينئذ قيام إسرائيل. بالفعل نقل الخط ما يربو على 23 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، والأهم من ذلك على المستوى الإسرائيلى هو تصفية مرور النفط العربى من خلال قناة السويس إلى البحر المتوسط. إذا كانت الوحدة بين مصر وسوريا تحت مظلَّة «الجمهورية العربية المتحدة» عام 1958 قد حالت دون استمرار عمل خط الأنابيب، ووجهت ضربة قاسية لمعسكر الغرب ومعه إسرائيل؛ فليس ثمة شك فى أن الفرصة الآن باتت سانحة لإحياء المشروع بعد زوال الوحدة وتفكيك الدولة السورية، وإلقاء أنقاضها تحت أقدام العاملين بالإنابة على عودة المشروع وغيره من برامج تمزيق الأمن القومى العربى. أصبح المشهد السورى القاتم واقعًا، ومع حصول نتنياهو وحكومته على صك «العربدة الإقليمية» تحت غطاء أمريكى، وقبل وصول قاطن البيت الأبيض الجديد، يطرح السؤال الأكثر تعقيدًا نفسه: ماذا بعد سوريا؟، أو بصيغة أخرى: إلى أى دولة تتجه بوصلة عدوان إسرائيل بدعم الولاياتالمتحدة والغرب؟ عند الإجابة عن السؤال لابد من التدقيق فى شراكات «جبهة تحرير الشام» الإقليمية. بعيدًا عن مشروع خط أنابيب داوود، تمهِّد تل أبيب لتفريغ الضفة الغربية من قاطنيها قبل ضمِّها بموجب قرارات ترامب الأحادية. اقرأ أيضًا| محلل سياسي: إدارة ترامب ستتوافق مع نتنياهو في الكثير من المخططات بالسيناريو المكرَّر تعتمد تل أبيب ودوائر استخبارات أجنبية على قواسم أيدلوجية أصولية بين «هيئة تحرير الشام» و16 ممثلًا إخوانيًا فى البرلمان الأردنى، وقد لا يغيب القلق عن المملكة الهاشمية فى هذا الخصوص، ولا يمكن تطهير تلك القراءة من استشرافات وشيكة روَّج لها مقال الكاتبة الإسرائيلية سيمدار برِّي، التى نأت بحكومة نتانياهو عن تلغيم مباشر لمحطة المشروع الإسرائيلى المرشحة بعد سوريا. وفى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سوَّقت برِّى لما وصفته ب«قلق وكالة الاستخبارات المركزية»، وعزت القلق ذاته إلى أجهزة الأمن الأردنية والجيش، قالت برِّي: «لا تتضح نوايا حكَّام سوريا الجدُد، ولا بد من تعزيز الرقابة على ما يجرى فى انزلاق الحراك المسلح من دولة إلى أخرى لم يعد خافيًا، ومآرب إسرائيل وحلفائها منه باتت علنيَّة، وتوظيف الأصوليين بعد غسل السمعة يصيغ مفردات استراتيجية التصفية الذاتية للدولة الوطنية، ويزيد اتساع الطريق أمام انفراد «أهل الشر» بمقدرات الشعوب العربية دون مقاومة أو حتى اعتراض.