في نهاية الشهر الماضي، أعلنت جبهة النصرة، الذراع السوري لتنظيم القاعدة، قطع العلاقات مع القاعدة، وإعادة تسمية نفسها باسم "جبهة فتح الشام"، وقال زعيم الجماعة أبو محمد الجولاني، في شريط فيديو، إن ارتباط المجموعة بتنظيم القاعدة سمح للقوى الخارجية بالتدخل في الصراع السوري، كما سمح بتصنيف الجماعة كمجموعة إرهابية. تشارك جبهة النصرة تنظيم داعش الإرهابي في بعض الأفكار والأهداف، أهمها الرغبة في الإطاحة بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد، واستبدالها بحكومة إسلامية، بجانب إعلان كراهية الولاياتالمتحدة والحكومات الغربية الأخرى. يبدو أن جبهة النصرة تعيد حساباتها، خاصة في الآونة الأخيرة، وتقييم الحسابات السياسية للحرب السورية، بعد الاعتراف بالمكاسب الأخيرة التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه، وبالتالي إظهار أن المعارضة السورية أقل تشددا بما يحسن صورتها لدى العالم الخارجي، ومع ذلك، فمن غير الواضح ما هو المغزى من كسر التحالف مع تنظيم القاعدة، وخلق الانطباع بوجود تغيرات تكتيكية أكثر من كونها استراتيجية. في هذا السياق، ألمح الصحفي الإسرائيلي سمدار بيري، إلى أن هناك مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية أشادت بهذا المسار الجديد لجبهة النصرة. ربما يهدف ما فعله الجولاني إلى التعاون مع تنظيم القاعدة سرا، وفي رسالة بالبريد الإليكتروني في عام 2012، نشرها موقع ويكيليكس، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، إن أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل في التعامل مع قدرات إيران النووية المتنامية هي مساعدة الشعب السوري في إسقاط الرئيس الأسد. إسرائيل، من جانبها، لا تبالي كثيرا بما يحدث في سوريا طالما أن حدودها من ناحية الجولان محمية، وبعد دراسة التحالف بين إسرائيل والنصرة في هذه المنطقة، بات من الواضح أن الروابط بين الطرفين كانت وثيقة للغاية. تصر إسرائيل على وجود معسكر لأسر الإرهابيين على الحدود، وقد وثق العديد من الصحفيين دخول قوات من الجيش الإسرائيلي إلى الأراضي السورية للتفاوض مع المتمردين السوريين، وكان هناك العديد من الاجتماعات بين المعسكرين عند معبر القنيطرة. دعم إسرائيل للجماعات الإرهابية المتطرفة هي استراتيجية طويلة الأمد تستغلها في مسارح متعددة، والغرض النهائي منها هو إضعاف عدوها القوي، من ذلك على سبيل المثال، العمل ضد حزب الله؛ لأن إسرائيل تراه جماعة مسلحة تنمو بشكل قوي وخطير أخطر من منظمة التحرير الفلسطينية. نجحت استراتيجية إسرائيل بشكل أفضل حين تعلق الأمر بحركة حماس؛ لأنها لم تكن قادرة على السيطرة على حركة فتح، ومن ثم عمدت إلى خلق الخلاف بين الفلسطينيين وفرقتهم فيما يخص قضيتهم. استراتيجية إسرائيل قائمة على التحالف مع جبهة النصرة من أجل هزيمة الأسد، وهذا التحالف جزء لا يتجزأ من خطة طويلة الأمد لتقسيم أعداء إسرائيل، حيث تتمنى تل أبيب سيطرة الإرهابيين على حدود الجولان للحفاظ على أمنها هناك. تحالف إسرائيل مع جبهة النصرة يشير أيضا إلى طبيعة نهجها، ففي حين يحارب باقي العالم التنظيمات الإرهابية، تدعمها إسرائيل لمصلحتها الخاصة، فهي تتبع القول المأثور "عدو عدوي صديقي"، وقواعد اللعبة التي تتبعها إسرائيل تؤكد أن "عدو صديقي قد يكون بالتأكيد صديقي"، وتظهر المفارقات، حيث يخرج القادة الإسرائيليون ليحذروا من تهديد الإرهاب العالمي، بينما هم أنفسهم يتقربون من الإرهابيين في الزاوية الخاصة بهم من العالم. يبدو أن الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية يلاحظون تقارب إسرائيل مع جبهة النصرة ولكن لا يتحدثون، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، منحت مساعدات عسكرية غير مسبوقة لجيش الاحتلال. فقط إسرائيل من تحصل على هذا المستوى من التنافر المعرفي في تحالفها مع الولاياتالمتحدة، فهي تسير في هذا الطريق دون وضع الاعتبار لمصالح الآخرين، حتى أفضل أصدقائها. منت برس