أثارت الرسالة الصوتية لأمير "جبهة النصرة" لأهل الشام الفاتح أبو محمد الجولاني التي أعلن فيها مبايعة الجبهة لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري" إرباكا في صفوف الجبهة في سوريا. وجاءت الرسالة ردا من الجولاني على رسالة "أمير دولة العراق الإسلامية" أبو بكر البغدادي والذي أعلن الثلاثاء إلغاء اسم جبهة النصرة واسم دولة العراق الإسلامية والإعلان عن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
التوقيت والمضمون وأظهرت تلك الرسائل خلافات القاعدة وتنظيماتها للعلن، كما أنهما أعلنتا "قبل الأوان" تماهي جبهة النصرة وولائها لتنظيم القاعدة الدولي على الرغم من أنها باتت مصنفة من قبل الإدارة الأمريكية وبالتالي حلفائها في كل العالم منظمة "إرهابية".
وتعليقا على ذلك تحدثت مصادر مقربة من جبهة النصرة في سوريا وأخرى في قيادة التيار السلفي الجهادي الأردن أحد الداعمين الرئيسيين للجبهة لموقع "الجزيرة نت" عن عدم وجود خلاف على مضمون رسالة الجولاني، لكنها اعتبرت توقيتها غير مناسب.
ولم تخف المصادر التي تحدثت من داخل سوريا عن أن رسالة الجولاني شكلت مفاجأة لقطاعات كثيرة من جبهة النصرة العاملة على طول الأراضي السورية وعرضها. وعلى جانب أخر تحدث مراقبين عن أن رسالتي الجولاني والبغدادي وظهور خلافات النصرة على العلن لن يؤثر على موقف مختلف الأطراف من الثورة السورية. ويرى آخرون أن إعلان الجولاني الولاء للظواهري خلط الأوراق وأعطى للنظام السوري ورقة تقويه في وقت يواجه فيه عزلة دولية وعربية، وربما يؤثر بشكل سلبي أكثر على الاندفاع العربي والدولي على إزالة النظام السوري".
وقال باحثون إنه كان متوقعا من الجولاني إعلانه عدم قبول الدمج وهذا سيعزز حضور الجبهة في سوريا خاصة أنها تلافت أخطاء القاعدة في العراق حتى الآن، ومن مصلحة النصرة رفض الوحدة مع القاعدة في العراق وهو ما سيضعف رواية النظام السوري ويقلل من تجاذب النصرة مع بقية الأطراف في سوريا ويجنبها الدرس السابق الذي شهدته في العراق".
الجيش الحر يرد ومن جانب رد الجيش السوري الحر على بيان تنظيم القاعدة في العراق الذي تبنى جبهة النصرة الناشطة في سوريا، وأكد "الحر" أن قيادة الجيش الحر لا تنسق مع النصرة، وأن أحدا لا يمكنه أن يفرض على الشعب السوري شكل دولته. وقال المنسق الإعلامي والسياسي للجيش الحر لؤي مقداد :"جبهة النصرة لا تتبع للجيش الحر، ولا يوجد قرار على مستوى القيادة بالتنسيق معها. إنما هناك واقع ميداني يفرض نفسه أحيانا، فتلجأ بعض الفصائل على الأرض إلى التعاون مع الجبهة في بعض العمليات".
وأضاف "لا نعلم من أصدر البيان، وما هي درجة مصداقيته. لكن لم يتم التنسيق مع قيادة أو أركان التشكيلات العسكرية في شأنه".
وتابع "إن هدفنا واضح ووجهة بندقيتنا واضحة: إسقاط النظام وإيصال الشعب إلى الدولة الديمقراطية التي يطمح إليها"، مشيرا الى أن النصرة "تنظيم قد يكون يؤمن بأهداف الثورة ويعمل لإسقاط النظام، لكن لديها فكر نختلف معه". وعن تأكيد القاعدة في العراق أن النصرة تعمل على إرساء دولة إسلامية في سوريا، قال مقداد "لا يحق لنا أو لأحد أن يفرض أي شكل من أشكال الدولة على السوريين. سيذهب السوريون إلى صناديق الاقتراع لاختيار قياداتهم وشكل دولتهم".
وترفض واشنطن حتى الآن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة، خشية أن يسقط السلاح في أيدي المتطرفين، لكنها تقدم لها مساعدات غير قتالية كبيرة ، إلا أن مسئولا كبيرا في الإدارة الأمريكية أفاد بأن الولاياتالمتحدة تفكر في سبل دعم المعارضة السورية، وصرح المسئول للصحفيين طالبا عدم كشف هويته لا يمر يوم دون أن تفكر فيه الولاياتالمتحدة في ما يمكن القيام به لإنهاء الوضع المأساوي في سوريا.
رسالة تنسف النصرة وتعقيبا على رسالة الجولاني رأى خبراء في شئون القاعدة وتنظيماتها أن الجولاني تبرأ بطريقة بدت غاية في الدبلوماسية من عباءة تنظيم القاعدة في العراق، وتحدث بوضوح عن استخلاص الجبهة من تجربتها في العراق الدروس التي قال إنها "سرت قلوب المؤمنين بأرض الشام تحت راية جبهة النصرة".
وفي انسحابه الهادئ من عباءة تنظيم القاعدة في العراق وبالتالي تجربته التي أثارت خلافات علنية في أوساط القاعدة ومنظري التيار السلفي الجهادي على مدى العقد الماضي، تطرق الجولاني للشراكة مع بقية العاملين في الثورة السورية في تشكيل مرحلة ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال محللون غربيون إن إقدام جبهة النصرة على مبايعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، قد يسيء إليها وينسف بالتالي الدعم الذي تتمتع به في سوريا. وقال بيتر هارلينغ المتخصص في الشئون السورية في مجموعة الأزمات الدولية :"إن الجبهة حصدت دعما لا يستهان به إذ يمكنها أن تدعي تحقيق نتائج وخصوصا أنها تجنبت عزل نفسها عن محيطها المباشر، أي عن المدنيين". وأضاف أن "إعلان المبايعة للقاعدة سيرتد عليها لأنها تنضم إلى كيان غريب عن الثقافة السورية". وأوضح كولي بونزل من جامعة برينستون الأمريكية بدوره أن هذه المبايعة توضح أيضا أن جبهة النصرة "جزء من القاعدة، ولم تعد قادرة على إخفاء هذه الصلة".
جدير بالإشارة أن جبهة النصرة لأهل الشام هي منظمة سلفية جهادية تم تشكيلها أواخر سنة 2011 خلال أحداث سوريا وسرعان ما نمت قدراتها لتصبح في غضون أشهر من أبرز قوى الثورة وأقساها على جيش نظام بشار الأسد لخبرة رجالها وتمرسهم على القتال.
كما تبنت المنظمة عدة هجمات انتحارية في حلب ودمشق، ولا يعرف بالضبط ما أصل هذه المنظمة غير أن تقارير استخبارية أمريكية ربطتها بتنظيم القاعدة في العراق.
دعت الجبهة في بيانها الأول الذي أصدرته في 24 يناير 2012 السوريين للجهاد وحمل السلاح في وجه النظام السوري، وتقوم "جبهة النصرة" بنشر بياناتها وإصداراتها بشكل حصري من خلال "مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي".