مع تفاقم أزمة اللاجئين السوريين الفارين من العنف المتصاعد فى بلادهم إلى أوروبا ومصر بحثاً عن مأوى آمن لهم ولأسرهم بعيداً عن نيران النزاع المسلح لكل من داعش وجبهة النصرة والحرس الثورى الإيرانى والنظام، فبعد مرور أربع سنوات على الأزمة السورية بدأت بعض المنظمات الحقوقية الإسرائيلية وبعض أعضاء الكنيست الإسرائيلى يطالبون بفتح الحدود الشرقية لاستيعاب اللاجئين السوريين فى إسرائيل، مدعين أن هذا الأمر يأتى من باب (التسامح الأخلاقى)، على خلفية النزاع السوري- الإسرائيلى بشأن الجولان الواقعة تحت الاحتلال منذ عام 1967، بحجة أن إسرائيل لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدى أمام تلك الأزمة. ربما يكون حديث إسرائيل عن مساعدتها للاجئى أى دولة من دول أوروبا أو آسيا وأمريكا أمراً مقبولاً، لكن الوضع مختلف كلية عندما يتعلق الأمر باللاجئين العرب لا سيما الذين ينتمون لدولة تعانى من الاحتلال الإسرائيلى كسوريا، والتى اقتطعت إسرائيل جزءاً منها فى يونيو 1967 متمثلة فى هضبة الجولان بما فيها مدينة «القنيطرة»، مؤخراً طالب عضو الكنيست والضابط السابق بالجيش الإسرائيلى أليعازر شتيرن، رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بالموافقة على استيعاب عدد محدود من اللاجئين السوريين فى إسرائيل، بدعوى أن إسرائيل لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدى أمام ما يحدث فى سوريا، لا سيما بعد نشر صورة جثة الطفل السورى الغريق «إيلان» التى أبكت العالم أجمع. وفى مقارنة غير متكافئة عقدها «شتيرن» بين موقف إسرائيل فى عهد رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيجن، عندما استقبل اللاجئين من فيتنام، طالب «نتانياهو» بالموافقة على إجراء خطوة مماثلة، إلا أن الوضع مع سوريا مختلف كلية عن «فيتنام». ووفقاً لما ورد بنشرة الهجرة القسرية، المتخصصة فى شئون المهجرين فإن الحكومة الإسرائيلية أعلنت فى 2012 أنها فى صدد الإعداد لاستقبال اللاجئين السوريين فى «الجولان» ترقباً للسقوط الوشيك لنظام بشار الأسد، إلا أنها تراجعت سريعاً عن هذه التصريحات خشية على أمنها واستقرارها، على حد ما ورد بموقع النشرة. لم تكن نوايا أعضاء الكنيست الإسرائيلى بريئة كما يروجون، لكن الأمر له أبعاد أخرى تهدف لتعزيز التواجد الإسرائيلى فى المنطقة من ناحية والاعتراف بها دولياً من ناحية أخري، حيث تذكر نشرة الهجرة القسرية بأنه فى يناير 2014 تم تسريب فاعليات مجلس الوزراء الإسرائيلى بأحد الاجتماعات الأمنية بشأن تطبيق استراتيجية جديدة تهدف من الاستفادة من تردى الأوضاع الأمنية فى سوريا وممارسة ضغط على المجتمع الدولى للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتلة، فى الوقت نفسه قامت بتوسيع المشروعات بالجولان لتعزيز تواجدها وسيطرتها عليها. على صعيد آخر فهناك الكثير من الإشارات التى تؤكد على الدور الإسرائيلى وراء تصاعد أحداث العنف فى سوريا، فالحديث عن علاقة تنظيم «داعش» الإرهابى بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية لا ينقطع، فحسبما ورد على لسان البروفسور ميشيل شوسودوفسكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوتاوا، بأن «داعش» صنيعة (CIA) و«الموساد» الإسرائيلي، حيث تم تدريبهم من قبل ضباط إسرائيليين لزعزعة الاستقرار فى سوريا والمنطقة العربية، على حد ماورد بموقع «شام تايمز». من ناحية أخرى قامت إسرائيل بزراعة بعض جواسيسها فى سوريا وتجنيد بعض النشطاء أمثال منذر الصفدي، الشهير ب«مندى الصفدي» أبرز النشطاء فى الملف السوري، حيث كشفت صحيفة «الأخبار» اللبنانية عن علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو، والذى قام بتجنيد شباب من سوريا لتقديم معلومات شديدة الحساسية عن الأوضاع فى سوريا وعقد صفقات أسلحة مع إسرائيل التى سهلت دخولها للأراضى السورية لتأجيج الحرب الأهلية. الدروز وعلاقتهم الوطيدة بإسرائيل باستثناء الديانات والفرق المذهبية يعد الدروز الأقرب لإسرائيل، حيث تعترف رسمياً بالطائفة الدرزية كديانة مستقلة لها خصوصيتها فى شئون الأحوال المدنية «زواج وطلاق» وزعامة روحية، وفقاً لما ورد بالموقع الرسمى لوزارة الخارجية الإسرائيلية. تشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أن تعداد الدروز فى إسرائيل يبلغ نحو 104 آلاف بما فيهم 18 ألفًا من سكان الجولان المحتلة، بعضهم يخدم فى الجيش الإسرائيلى وتعد ورقة الدروز إحدى الأوراق التى تستخدمها إسرائيل للضغط على سوريا، حيث تتعهد بالتدخل لحمايتهم من أعمال العنف فى سوريا، وبين الحين والآخر تبحث القيادات الدرزية داخل إسرائيل سبل دعم إخوانهم فى سوريا، فمؤخراً تم توقيع مبادرة للشباب الدرزى بعضهم ممن خدم بالجيش الإسرائيلى للاستعداد للقتال فى سوريا، تقف إسرائيل وراء تلك المساعدات التى تقدم لهم فى إطار دعم المعارضة السورية حيث تتعهد إسرائيل بحماية اللاجئين الدروز وتقديم مساعدات وتوفير مأوى آمن لهم، فباستثناء السوريين الذين ينتمون لديانات مختلفة يعد الباب مفتوحاً أمام الدروز التى توفر لهم إسرائيل إغراءات كبيرة للتنازل عن هويتهم، لا سيما أن بعض الدروز الوطنيين فى سوريا رفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية فى أعقاب احتلال الجولان. لتكون أزمة اضطهاد الدروز مسمار جحا الذى تدقه إسرائيل لتبرير تواجد قواتها داخل الأراضى السورية. اللعبة الإسرائيلية فى المنطقة العربية وسوريا على وجه التحديد غير مفهومة، فبينما تخرج تصريحات المسئولين فى إسرائيل لتعرب عن دور (حزب الله) اللبنانى فى تأجيج الصراع بسوريا لدعمه لنظام «الأسد» نجد بعض المواقع الإسرائيلية التى تظهر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله فى دور بطولى حيث كتب موقع «المصدر» الإسرائيلى تقريراً أعده الصحفى يؤاف شاحام يحمل عنوان «حزب الله مجروح. ولكن لديه خبرة أكثر من أى وقت مضي». فالعنوان يكفى لإبراز عملية التلميع الإعلامى الإسرائيلى لنشاط حزب الله وأمينه فى الأحداث الأخيرة، حيث يبرهن الصحفى لمن يشككون بأن ما يحدث يصب فى النهاية لصالح إسرائيل بأن ما يحدث فى سوريا ويشارك فيه حزب الله سوف يستنفد طاقة الأخيرة ويضعف قوى الأطراف المتصارعة فلن يقوى بعد ذلك أى منها على مواجهة إسرائيل أو التفرغ لفتح باب الصراع العسكرى معها. «شاحام» قال: «البعض يشكك بأن تورط حزب الله فى سوريا نعمة لإسرائيل، لكن بالنظر إلى حالة ما يتكبده أعضاء حزب الله والسوريون سوف يتأكد المشككون بأن حالة الصراع الدائر فى سوريا تقلل من فرص المواجهة مع إسرائيل». عقد الصحفى الإسرائيلى مقارنة بين شعبية «نصر الله» فى 2006 أى وقت الحرب الإسرائيلية على لبنان والتى عرفت إعلامياً بحرب ال33 يومًا وبين شعبيته فى الوقت الراهن، مشيراً إلى أنه فقد جزءاً كبيراً من شعبيته بعد أن لعب دوراً فى تأجيج الصراع وإثارة الفتن فى العديد من الدول العربية، لا سيما بعد أن أظهر «نصر الله» أن الهدف الأساسى لتنظيمه مذهبياً يخدم مصالح إيران فى المنطقة. لم تكن هذه المرة الأولى التى يشيد فيها إسرائيليون بدور حزب الله فى حماية أمن إسرائيل، ففى مايو الماضى وبحسب ما ذكرته شبكةCNN فإن إفرايام هيلفي، رئيس الموساد الأسبق قال: «إن حزب الله يدعم يومياً فى تعزيز أمن إسرائيل». ففى ظل الصراع المتأجج بين نظام «الأسد» والمعارضة السورية والتنظيمات الإرهابية بما فيها «داعش» و«النصرة» يبقى الشعب السورى الخاسر الأكبر فى هذه المعركة.