بعد 4 سنوات من الهدوء؛ دقت طبول الحرب في سوريا من جديد؛ وأي حرب تلك ذات الخيوط المتشابكة والتحالفات الدولية المتشعبة!.. ففي سوريا ظهر لأول مرة دور لأوكرانيا المنهكة أصلا في حربها مع الدب الروسي في كييف، ومن جديد عادت تركيا للمعترك السوري لتحرك الجماعات المسلحة في الشمال، لتسارع إيران وأذرعها في المنطقة لنجدة النظام السوري من ورطته. حرب سوريا اختلطت فيها الأوراق كما اختلط الحابل بالنابل.. وهو ما تحلل تشابكاتها "بوابة أخبار اليوم" في هذه السطور. اقرأ أيضًا: جوتيريش: إراقة الدماء في سوريا نتيجة «فشل جماعي مزمن» ماذا يحدث في سوريا؟ منذ 2020 وحتى الأيام القليلة الماضية قبيل التصعيد الأخير كانت سوريا تعيش حالة من السكون بناء على "مسار الاستانة" الذي حدث بين روسياوإيرانوتركيا والذي تضمن نزع فتيل الحرب، ووقف الاشتباكات المسلحة في سوريا، والعودة للعملية السياسية، وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والذي نص على وضع دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات، ودمج كافة أطراف المكون السوري في عملية سياسية توافقية. طوال الأربع سنوات الماضية من 2020 وحتى 2024 الجاري لم يحدث أي تقدم يذكر في مسار الاستانة واستمرت حالة الجمود في الوضع السوري. وإزاء ما يحدث في المنطقة من تصعيد غير مسبوق بين ما يطلق عليه "محور المقاومة" وإسرائيل على جبهات غزةولبنان واليمن وإيران والعراق؛ استيقظ العالم على اجتياج الجماعات المسلحة في الشمال السوري بقيادة هيئة تحرير الشام المتحالفة مع جبهة النصرة - تنظيم القاعدة سابقا- لمدن حلب وحماة وإدلب وعشرات القرى والبلدات السورية في طريقها وصولا إلى الطريق الدولي بين حلب ودمشق ذا الأهمية الاستراتيجية اسمته عملية "ردع العدوان" في وقت تحدثت فيه تقارير إعلامية غربية عن طمأنة هيئة تحرير الشام لإسرائيل والولاياتالمتحدة بأنها لا تسعى إلى محاربتهم وأن حربها ضد الجيش السوري فقط. وادعت الجماعات المسلحة أن هجومها الواسع والمباغت على المدن السوري جاء لتكرار النظام السوري قصف مواقعها وحماية للمدن ذات الأغلبية السنية، وعدم الالتزام بالمسار السياسي الذي تضمنته تفاهمات الاستانة، لكن لا يخفى على أحد أن الجماعات المسلحة في سوريا وعلى رأسها هيئة تحرير الشام مدعومة من تركيا وتدين لها بالولاء، بل تتركز في الشمال السوري حيث تتدفق عليها الأسلحة الحديثة والطائرات المسيرة من الحدود التركية، في محاولة من أنقرة لإيجاد موطأ قدم لها في سوريا وخاصة مناطق الشمال التي تعتبرها إرث عثماني قديم فقدته مع انهيار وتفكك الدولة العثمانية، متهمة النظام السوري بإفشال التسوية السياسية في بلاده. أما إيران المشغولة في تصعيدها الخطير وغير المسبوق مع إسرائيل ومتابعة جبهات المقاومة في قطاع غزة وجنوب لبنان حيث يتركز حزب الله، إضافة إلى جبهتي اليمن والعراق حيث يتركز الحوثيون والفصائل العراقية المسلحة على الترتيب- تفاجأت بالتطورات المتسارعة في سوريا والتقدم الكبير للجماعات المسلحة في المدن السورية لتلملم أوراقها سريعا وترتب صفوف أذرعها في المنطقة وتدفع بهم إلى سوريا؛ وهو ما تحدثت عنه تقارير إعلامية عن وصول أرتال عسكرية من الحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني، في محاولة لإنقاذ النظام السوري وتحرير البلدات التي جرى السيطرة عليها خلال الأيام القليلة الماضية، متهمة الولاياتالمتحدة وإسرائيل وتركيا بالوقوف وراء هذه الجماعات ودعمها. لكن روسيا المشغولة في حربها مع أوكرانيا والتصعيد مع حلف الناتو في منطقة شرق آسيا، وجدت أوكرانيا تلقي بكرة لهب في سوريا وتدعم الجماعات المسلحة في حلب وإدلب، لتسارع روسيا لإنقاذ حليفها التاريخي بشار الأسد وتنفذ ضربات جوية مشتركة مع الجيش السوري، في محاولة لشن هجوم مضاد واستعادة المدن السورية وتحريرها من الجماعات المسلحة، متهمة أوكرانيا والغرب بالضلوع في دعم وتمويل هذه الجماعات. أما الولاياتالمتحدة اللاعب الرئيس في الإقليم فتقول إنها ستحافظ على دعمها للأكراد والذين تتبعهم قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والطامعة في نيل الحكم الذاتي في المناطق السورية ذات الاغلبية الكردية، ولذا ساعدوا الولاياتالمتحدة والأوروبيين في حربهم الضروس ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، وتربطهم علاقات تمويل وتسليح واسعة بواشنطن. تداخل وتضارب المصالح في سوريا من القوى الداخلية والإقليمية والدولية عبرت عنه مواقف وكلمات هذه القوى في جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الوضع في سوريا فنجد ما يلي. روسيا تتهم أوكرانيا بالتورط في سوريا اتهم السفير الروسي لدى الأممالمتحدة فاسيلي نيبينزيا، أوكرانيا بتقديم دعم عسكري، خاصة بالطائرات المسيرة، لمقاتلي الجماعات المسلحة السورية في الهجوم الواسع الذي تشنه على قوات النظام السوري وحلفائه في شمال غربي سوريا. وأضاف: "نشير إلى تحديد هوية مدربين عسكريين أوكرانيين كانوا يدربون مقاتلي هيئة تحرير الشام على العمليات القتالية". سوريا تتهم الغرب وتركيا وإسرائيل أما مندوب سوريا الدائم لدى الأممالمتحدة قصي الضحاك، فقال خلال جلسة مجلس الأمن، إن أطرافا إقليمية ودولية تدعم التنظيمات المسلحة في بلاده. وندد الضحاك باستقبال مجلس الأمن منظمة "الخوذ البيضاء" ويقول إنها مرتبطة بجبهة النصرة. وأضاف: "هناك أمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك للتنظيمات المسلحة". أوكرانيا تحمّل روسياوإيران المسؤولية قالت أوكرانيا، إن روسياوإيران تتحملان مسؤولية «تدهور الوضع» في سوريا، مندّدة ب«الجرائم الشنيعة» التي ترتكبها دمشق وموسكو وطهران التي «لا تجلب إلا الموت والمعاناة والدمار»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. إيران تتهم تركياوأمريكا وإسرائيل وقال مستشار المرشد الأعلى لإيران للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، إن "طهران لم تتوقع أن تقع تركيا في الفخ الذي حفرته لها أمريكا وإسرائيل". تركيا تدعو إلى عملية سياسية وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أن أولوية تركيا تتمثل في الحفاظ على الهدوء والاستقرار على حدودها مع سوريا، مشددًا على أهمية إطلاق عملية سياسية حقيقية في سوريا لإنهاء التوترات المتصاعدة في شمال البلاد. ويبدو أن الأمور آخذة في التصاعد ما لم يتم التوصل لاتفاق سياسي بين القوى الفاعلة في سوريا وعلى رأسها روسياوتركياوإيران، وهو ما تتجه له الأنظار في لقاء الدوحة المرتقب بنهاية هذا الأسبوع لوضع حد للأزمة السورية المتفاقمة.