جسَّد الفصل الأول من مسرحية الربيع العربى، مشاهد إخراج الدول العربية التى تمتلك جيوشا من مسرح توازن القوى مع اسرائيل، أما الفصل الثانى الذى ارتفع عنه الستار فى حلب، فيستهدف إعادة انتكاسة الدول التى بدأت تتعافى. ليس معنى أن تمتلك جيشا قويا ان تحارب به، ولكن أن يعمل لك الآخرون ألف حساب، واستباحت إسرائيل السيادة العربية بشكل غير مسبوق منذ نشأتها، لأن موازين القوى فى صالحها. الاستثناء هو الجيش المصرى الذى حافظ على قوة الردع ليس من أجل الحرب بل تعظيم القدرة على حماية السلام، وسلام بلا قوة تحميه هو ضعف واستسلام. الفصل الأول من مسرحية الربيع العربى، لعبت فيه الجماعات الارهابية أدوار الأشرار فى حفلات الرعب التنكرية لتفكيك الجيوش العربية. وتحول قادة الجيوش من جنرالات يتسلحون بالتقاليد العسكرية، الى أمراء للجماعات الإرهابية، ومن حماية شعوبهم، الى سفاحين يرتكبون أفظع المذابح التى عرفتها البشرية. وتحققت أهداف النزيف العربى بتفكيك الجيوش وتشريد الشعوب، وانفتحت بوابات جهنم على الأمن القومى العربى من جميع الاتجاهات، بالأطماع الداخلية وتدخلات أجنبية، وباندلاع الفتن الدينية والأطماع الشخصية. وانكفأ الأمن القومى العربى على وجهه، ولم تعد إسرائيل هى الخطر المشترك الذى اتفق العرب على محدداته، وصارت كل دولة تبحث عن المخاطر بعيدا عن اسرائيل. كانت إسرائيل هى العدو الأول، والآن أصبح الأعداء كثيرين من داخل البلدان نفسها ومن خارجها، وتاه المفهوم بشدة بعد مجىء التنظيمات الارهابية المسلحةً، ووقعت المنطقة فى أتون الحروب والفتن والأطماع الإقليمية والدولية، وامتدت «منظومة التدمير» تبحث فى كل دولة عن عوامل قوتها، فتضربها فى مقتل. إسرائيل لم تعد الخطر الأكبر للأمن القومى العربي، ولا تهدد كثيرا من الدول العربية التى كانت تعاديها فى الماضي، رغم الحرب المجنونة فى غزة ورفضها حل القضية الفلسطينية التى كانت توحد العرب تحت رايتها. وأُسدل الستار على الفصل الأول على مشاهد الاجتياح الإسرائيلى لغزة وجنوب لبنان وضرب إيران واليمن، ووضع يافطة بالبنط العريض على خريطة المنطقة، مسحوا من عليها كلمة «فلسطين» واستبدالها ب»اسرائيل». ويرتفع الستار الآن عن الفصل الثانى من المسرحية على مشاهد اجتياح هيئة تحرير الشام لحلب، بنفس الأقنعة والملابس التنكرية، وكانت عودتهم المفاجئة هى الصدمة الكبرى بعد أن ظن البعض انه تم القضاء عليهم. انذار مبكر للدول العربية التى بدأت تتنفس الاستقرار بأن الداء الذى اختفى ظاهريا لا يزال تحت الجلد، وان «الربيع العربى» يحاول التسلل من جديد مرتديا نفس الأقنعة والملابس الملطخة بالدماء، ويخبئ بين طياتها نفس أدوات القتل والذبح وإراقة الدماء. إنذار مبكر باستدعاء حالة التأهب القصوى وتكثيف منظومات تفتيش الحرب، وأن يكون أداء الجيش المصرى قدوة ونموذجا، لأن الدول انهارت يوم تفككت جيوشها، وصمدت مصر لأن جيشها ظل عمود الخيمة.