كيف دخلت الثقافة العمالية إلى المصانع؟ وما هو دورها فى توعية العمال والفلاحين؟ يشير العدد 1480 الصادر من مجلة «آخرساعة» قبل نحو 61 عامًا إلى بدء ممارسة هذه الفئات لحقها فى التعليم.. ولكن كيف حدث ذلك؟ التفاصيل فى ذلك التقرير الذى كتبته الكاتبة الصحفية الراحلة حكمت عبدالحكيم، ونعيد نشره بتصرف محدود في السطور التالية: دخل عمال التراحيل المدرسة.. أخذوا يتلقون محاضرات في الأجور وفي الأسرة وفي الحركة النقابية.. بدأوا يستعدون لممارسة حقوقهم مع باقى العمال فى المصانع والفلاحين فى القرى.. وقد خرجت «آخرساعة» فى الأسبوع الماضى وراء التجربة الجديدة، وشهدت تخرج 150 مثقفًا عماليًا سينتشرون فى أرجاء الجمهورية لأداء واجبهم، ونفتح بذلك الأذهان على الوعى الجديد الذى يأخذ طريقه فى كل شبر من أرضنا. بدأت القصة للتجربة الجديدة فى حجرة صغيرة فى نقابة بيع المصنوعات، لكن النقابة احتاجت للحجرة بعد ثلاثة أشهر وتوقفت الفكرة بعض الوقت، ثم يمضى عبدالمنعم عبدالعزيز مدير المركز الثقافى العمالى فى تفاصيلها فيقول: فى يناير 1960 نقلنا مقرنا إلى الاتحاد العام المصرى للعمّال، وفى يوليو من العام نفسه عقد المؤتمر الأول للاتحاد القومى، واقترحت فى لجنة العمل والعمال إنشاء مؤسسة ثقافية للعمّال، وفعلًا صدر قرار جمهورى بإنشاء المؤسسة الثقافية العمالية، وكان الرئيس جمال عبدالناصر وراء تشجيع الفكرة من بدايتها. ◄ هكذا يدرسون الثقافة ودورة المثقفين العماليين ليست هى الدورة الثقافية الأولى للعمال، فالمؤسسة منذ إنشائها قامت بعدة دورات. ويقول أمين عزالدين مدير المؤسسة: إن أول هذه البرامج هو برنامج للتثقيف العام، ويتضمن منهج الدراسة معلومات أساسية عن العمال ومعنى العمل والأجور وتشريع العمل والتأمينات الاجتماعية والنقابة وأثرها فى حياة العامل والمجتمع العربى والقومية العربية والأسرة والمجتمع والثقافة الصحية. والبرنامج الثانى كان للتدريب النقابى ويتألف منهج الدراسة فى هذه الدورات من دراسة تاريخ وتطور الحركة النقابية ومشاكل العضوية وتشريع العمل وظروف العمل والتأمينات والتعاون والقوى العاملة ومشاكلها ومبادئ الاقتصاد والشئون الدولية للعمل والتربية القومية. والدورة الثالثة لتدريب أعضاء مجالس الإدارة من العمال والموظفين ويتألف منهج الدراسة من وصف شامل للاقتصاد القومي وخطة التنمية وأهدافها والسياسة العمالية فى المجتمع الجديد واشتراك العمال فى الإدارة واشتراك العمال فى الأرباح والعمل فى القطاع العام والديموقراطية الصناعية ودور أعضاء مجلس الإدارة فى القيادة وما هى الإدارة ومفهومها ومجلس الإدارة، والأمن الصناعى وأثره فى الكفاية الإنتاجية.. إلخ. والدورة الرابعة عن تدريب المثقفين العرب ونظمت هذه الدورة بالاشتراك مع اتحاد العمال العرب، لتدريب فريق من النقابيين الوافدين من البلاد العربية كمثقفين عماليين، واشترك فى هذه الدورة 21 نقابيًا عربيًا من الأردن والعراق وعدن ولبنان وليبيا وفلسطين. ◄ اقرأ أيضًا | وزير العمل يلتقي بممثلي الإتصال النقابي العمالي بالمحافظات ◄ تخريج عمال مثقفين ويمضى أمين عزالدين قائلًا عن التجربة الجديدة فى محيط العمال: أما هذه الدورة الخاصة بتدريب مثقفين عماليين ينقلون الثقافة إلى كل عامل فى الجمهورية، فأهم الدراسات فيها هو تطور الثقافة العمالية وعرض عام للأساليب المستخدمة فى الثقافة العمالية ودور المثقف العمالى وإدارة وتحويل مراكز الثقافة العمالية واقتصاديات الدول ومستقبل التأمينات الاجتماعية. وفى نهاية الدراسة، قدّم كل دارس مشروعًا لإنشاء مركز ثقافى وأحسن مشروع هو الذى تقدم به صلاح صالح حسنين، ويقضى بإنشاء مركز ثقافى فى منطقة مصر القديمة.. ويقول صاحب البحث: «هذه المنطقة مليئة بعمال المدابغ والمطاحن وعمال المحاجر وبها بعض المصانع التى يعمل فيها فتيات مثل مصنع الشبراويشى، وهؤلاء العمال مستواهم الثقافى منخفض جدًا ويحتاجون إلى توعية ثقافية عمالية، وتوعية عن الصحة وعن التغذية». وسألت صاحب البحث: هل ستلقِن العمال كل هذه الدراسات؟ فقال: «سأستعين بالمستويات الثقافية الموجودة فى الحى.. سأستعين بأساتذة محاضرين، وسيقتصر دورى على إعداد المكان المناسب للمحاضرات وانتداب المحاضرين وجذب العامل المرهق طول النهار فى عمله ليحضر بعد ذلك إلى المركز الثقافى». وسألته: كيف ستجذب العامل إلى هذا المركز؟ فقال: «سيكون فى المركز جهاز تليفزيون وترابيزة بنج بونج، وسأحضر لهم سينما يومين فى الأسبوع، ثم إن العامل سيحصل على شهادة فى نهاية المدة، وأهم عنصر فى المشروع الذى تقدمت به هو كيفية تمويل هذا المشروع، واقترحت أن تدفع اللجان النقابية الموجودة فى المنطقة قرشين عن كل عامل فى الشهر، والمنطقة بها 11 ألف عامل، واقترحت طريقة أخرى للتمويل وهى أن تدفع المؤسسات 1% من النسبة المخصصة للخدمات الاجتماعية، وستكون المحاضرات يومين فقط فى الأسبوع». وصاحب هذا المشروع كان ترتيبه الأول فى نتيجة نهاية الدورة، أما الثانى فيُدعى أحمد إبراهيم، العامل الذى قدّم بحثه عن منطقة الجيزة، وسألته: هل الدراسة النظرية ستجعل منك مثقفًا عماليًا؟ فقال أحمد: أعتقد أننا سنتدرب عمليا فى المراكز التابعة للمؤسسة الثقافية العمالية لفترة شهرين قبل أن ننشئ المراكز الثقافية. وفيما يتعلق برأيه فى الشروط التى تطلبها المؤسسة الثقافية لقبول المثقف العمالى، قال: لا أريد أن توضع شروط للمثقف العمالى، فالشرط الوحيد هو أن يكون من بين العمال أنفسهم حتى لا ينظروا إليه نظرة المدرس الذى يكرهه الكثيرون منهم، ولا تنسوا أن العمال كانوا يهربون من المدرسة فى الصغر، وما زالوا يكرهون جو الدراسة الملزمة. ◄ أول مثقفات عمّاليات ولم يقتصر الأمر فى التجربة الجديدة على العمال فقط، وإنما شمل العاملات أيضًا، وعددهن خمس عاملات سيصبحن أول مثقفات عماليات فى الجمهورية، وهن: علية عزمى، وتعمل بالبنك المركزى، وجهاد الدمرداش وهى جيولوجية فى الشرقية للبترول، وعصمت البرادعى فى مكتب حسابات القطن فى شركة إسكو، وكريمة نيازى رئيسة قسم النساء والولادة بمستشفى الجمعية الخيرية، وزينب بدوى سكرتيرة المدير المالى التجارى بشركة فيليبس. وسألت علية عزمى: ما مفهوم الثقافة العمالية؟ فقالت: «تثقيف أكبر عدد من العمال، وسد حاجة العمال من الثقافة فى منطقة أو شركة، وأهم شىء أن يعرف العامل تطورات بلاده الاجتماعية والسياسية».. وسألتها: كيف ستوصلين هذه الثقافة للعمال؟ فقالت: «أول خطوة أقوم بدراسة للمنطقة قبل إنشاء المركز، ثم أضع برنامجًا تخطيطيًا، ثم اختار موقع المركز فى مكان مناسب وصحى». وقالت جهاد الدمرداش: التأهيل كاف لأنه 24 محاضرة فى نفس الموضوع، لكن أرى أن تتاح لنا فرصة للتجربة العملية، نطبِّق فيها كل ما حصلناه فى المحاضرات النظرية عمليًا. فيما قالت عصمت البرادعى: «البرامج كافية، لكن يجب أن تشمل أكبر عدد ممكن من العمّال، ثم أن التدريب العملى يفيد أكثر من المحاضرات»، بينما قالت زينب بدوى: «الدراسة ينقصها أعمال الجماعات، وهى أن يجتمع كل فريق ويناقش بعضه ويتعرف كل واحد على رأى الآخر». ◄ عمال التراحيل وانتهزت فرصة خروج أمين عزالدين، مدير المؤسسة الثقافية من محاضرته وسألته عن الدورات التى تمت للمثقفين حتى الآن؟ فقال إنها الدورة الثانية أما الدورة الأولى فكانت فى أبريل الماضى، وتخرج فيها 33 مثقفًا يعملون الآن فى الإسكندرية وكفر الدوار وطنطا والمحلة والقاهرة والجيزة والسويس، وأرسلناهم فى مناطق بها مراكز ثقافية لتدعيمها أو لإنشاء مراكز جديدة، وبتخرج الدفعة الحالية سيكون لدينا مثقفون فى كل المحافظات وسننشئ مراكز فى جميع المحافظات أيضا. وتكلم عزالدين بعد ذلك عن وجه آخر للتجربة الجديدة التى امتدت حتى شملت عمال التراحيل فقال: «إننا فى بداية المشروع، ورغم ذلك أرسلنا مثقفًا عماليًا من الدورة الأولى إلى معسكر عمال التراحيل فى الوادى الجديد.. إنهم بدورهم لهم أثرهم فى الصورة العامة للعامل العربى وثقافته». وأضاف: «لدينا مصادر تمويل ثابتة تبلغ 70 ألف جنيه سنويًا من الوزارات المعنية بهذه الناحية ومن اشتراكات النقابات». وسألته: من الذى قام بوضع برنامج الدراسة؟ فقال: الثقافة العمالية لها مستوى دولى ينقسم إلى أربعة أقسام: الأول، دراسة مفهوم ونطاق وتاريخ وأجهزة الثقافة العمالية مقارنة بكل الأجهزة التى تعمل فى الخارج. والثانى: دراسة فى الوسائل والأساليب المستخدمة فى التثقيف وتشمل فنون التدريب. والقسم الثالث يشمل واجبات المثقف العمالى وأهمها كيفية تخطيط البرامج وتنفيذها وإدارة وتحويل وأسس تقديمها. والقسم الرابع يشمل محاضرات عامة تتضمنها البرامج التى يتم تنفيذها. والآن، وبعد مناقشة هذه التجربة الجديدة، نستطيع أن نقول إن هذا أهم مشروع تقوم به مؤسسة الثقافة العمالية، وعن طريقه سوف تصل الثقافة إلى كل عامل فى المصانع، وسوف تصل إلى عمّال التراحيل فى الوادى الجديد، وإلى الفلاحين فى حقولهم، حتى يباشروا دورهم فى الفترة المقبلة. («آخرساعة» 6 مارس 1963)