محمد عز الدين وسط ويلات حرب الإبادة الوحشية التى تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلى الغاشم يوميا على قطاع غزة لأكثر من عام، ظهر اسم الفنانة التشكيلية ورسامة الكرتون الفلسطينية الشابة محاسن الخطيب، ليتحول بين ليلة وضحاها محور حديث مواقع التواصل الاجتماعى، بعدما أصبح ذكراها تجسيدا لفكرة "ترك الأثر" . وذلك عقب استشهادها مطلع هذا الأسبوع إثر قصف استهدف منزل عائلتها في مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة التي تتعرض لعملية إبادة وتطهير عرقي منذ قرابة ثلاثة أسابيع، حيث كانت محاسن قد نشرت لها صورة شخصية عبر حسابها على فيسبوك وأرفقتها بتعليق: "عشان بس أموت تلاقوا صورة إلي". الفنانة محاسن الخطيب لم تكن مجرد فنانة تشكيلية عادية، بل كانت صوتًا للفلسطينيين، وحملت راية المقاومة من خلال فنها، حيث عبّرت بريشتها عن آلام شعبها ومعاناته من ويلات الحرب، وآماله في الحرية والاستقلال. لقد جسدت بحياتها القصيرة مسيرة طويلة من النضال الفني والوطني، وسيظل فنها شاهدًا على فظائع الاحتلال وعلى إرادة الشعب الفلسطيني في البقاء والصمود. محاسن الخطيب من شمالي قطاع غزة وتحديداً من معسكر جباليا الذي يشهد عملية عسكرية إسرائيلية مستمرة منذ قرابة ثلاث أسابيع، اشتهرت برسوماتها التي تجسد واقع الحرب المؤلم، وتمزجه بخيال الفن حيث السلام ومحاولة البقاء والمقاومة ولو بريشة فنان. ذاع صيتها على مواقع التواصل الاجتماعى، حيث كانت أشهر رسوماتها التي تم تداولها على نطاق واسع لطفل يصد بيديه الصغيرتين لهيب النار المشتعلة من حوله جراء القصف الذي بدا كوحش يحاول التهامه، هكذا كانت محاسن تحول واقع الحرب لرسومات كرتونية. وفي ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة وأهله وانقطاع فرص التدريب المباشر، اتجهت محاسن لإعطاء تدريبات اتقان فنون الرسم عن بعد عن طريق الإنترنت، فكان عشّاق هذا الفن حريصون على حضور دوراتها التعليمية للتحول من هواة لمحترفين. صدقة جارية وفاجئت محاسن الجميع بمنشور عبر حسابها الشخصي على فيسبوك قالت فيه إنها تتبرع بمحتوى هذا التدريب العلمي كصدقة جارية على روحها في حال ما قتلت في هذه الحرب.. وتحول هذا المنشور الذي أتاحت فيه مادتها العلمية بالمجان إلى "تريند" على مواقع التواصل الاجتماعي وحصد آلاف المشاركات والمشاهدات والتعليقات. وبالفعل، تحققت نبوءة محاسن. لقد قُتلت في القصف الذي شهده مخيم جباليا ليلة الجمعة الماضية، وأُصيب أفراد عائلتها بحسب ما ذكره أبو كريم الخطيب، خال محاسن، في تصريحات إعلامية، حيث أمضي في الحديث عن ابنة أخته قائلاً: "محاسن الطيبة الخدومة كان لها جمهور خاص بها من محبيها من كافة الشرائح، كل من له علاقة بفن الرسم كان على تواصل معها، لقد كانت تتمتع بمحبة الجميع لأنها كانت تؤمن أن خير طريقة للخلود هي العطاء، كان هذا هو مبدأها في الحياة الذي عاشت عمرها الصغير في محاولة لتطبيقه". وأضاف: "كان العطاء لديها متعة في حد ذاتها لذلك لم نستغرب تصرفها عندما أتاحت مادتها العلمية التي هي مصدر رزقها الوحيد بالمجان لكل من يحتاج إليها". وعن آخر ما قالته له من كلمات قبل وفاتها، قال باكيا: " كانت قريبة جداً لقلبي والتواصل بيننا لم ينقطع أبداً وكانت تخبرني برغبتها في رؤيتي وزوجتي وبناتي فور انتهاء الحرب". واستطرد: "كانت تقول لي: اشتقت يا خال، هذا آخر ما سمعته منها قبل رحيلها في الحادية عشر من مساء ليلة الجمعة عندما قُصف المنزل المجاور لها بالبراميل المتفجرة كتمهيد ميداني لاستهداف مستشفيي كمال عدوان والإندونيسي، ثم قُصفت المنازل المجاورة لهما ما أدى لمقتل 33 مدنياً من سكان هذه المنازل كانت من بينهم محاسن، فضلاً عن إصابة 70 آخرين من بينهم أفراد عائلتها". واختتم الخطيب موجها كلمة لكل من سيستخدم المادة العلمية التي أتاحتها محاسن بالمجان قبل مقتلها قائلا: "اذكروها بالخير واطلبوا لها الرحمة واسلكوا سلوكها في العطاء وفي ترجمة محبتها للناس لأعمال تخلد ذكراكم بعد الرحيل مثلما فعلت". صمود وتحدى وعن صمودها فى جباليا ورفضها مغادرتها رغم الحصار الإسرائيلي والقصف المتواصل، قال وزير الثقافة الفلسطيني السابق عاطف أبو سيف عبر صفحته على فيس بوك: "استشهدت الفنانة التشكيلية محاسن الخطيب، ابنة مخيم جباليا.. محاسن التي آثرت البقاء في الشمال، ظلت حتى اللحظة الأخيرة ترسم لفلسطين وتنشر رسوماتها التي تقارب البقاء والصمود، رغم التعب والوهن، لم تستسلم ولم تتوقف". وأضاف: "رسوماتها، خاصة الكاريكاتير والديجيتال، ظلت طوال عام ورسائلها للعالم الصامت، وهي تقاتل من أجل النجاة". بينما كتب الصحفي الفلسطيني عمر القطاع عبر صفحته على الفيس بوك: "الصديقة العزيزة محاسن الخطيب استشهدت الليلة الماضية بعد مجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في تل الزعتر في مخيم جباليا شمال قطاع غزة". وأضاف: "محاسن تحاصرت في بيتها منذ بداية الحصار الإسرائيلي لشمال قطاع غزة قبل 15 يوما". وتابع: "محاسن ليست رقما، محاسن فنانة ورسامة مبدعة كانت ترسم أهوال الحرب وتنشرها للعالم، محاسن صمدت في الشمال لآخر نفس".. ولفت إلى أن "محاسن كانت حُسن المظهر والتعامل والأخلاق". أحلى ضحكة وأطيب قلب من جانبها، قالت آلاء أبو قاسم، صديقة الرسامة الفلسطينية، في منشور لها عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "محاسن أو سُنسُن زي ما بحب أناديها، فرقتنا المسافات والممر الآمن وما عرفنا نشوف بعض من يوم 7 أكتوبر، ظلت حبيبتي بالشمال صابرة محتسبة راضية بكل شيء، لعند ما استشهدوا اهلي وتصاوبت حاولت توصلي بكل الطرق وتبعت مع الصحفيين سلاماتها، ولما قدرنا نطلع قطر، بعتتلي هدية من الشمال لعندي". وأضافت: "كانت بتفكر بكل اللي بتحبهم، حنونة قلبها عالكل، بارة بأمها وأهلها كثير، طموحة فوق الخيال، صاحبة أحلى ضحكة وأطيب قلب، أشطر رسامة وأحسن أستاذة، ونسي بهالدنيا والله، كأني فقدت أهلي مرة أخرى، الله يرحمك يا حبيبتي". نعى ونعت مؤسسة «رواسي فلسطين» للثقافة والفنون والإعلام الفنانة محاسن الخطيب، في بيان رسمي أكدت فيه أن الخطيب كانت نموذجًا للصمود، ورفضت التهجير والنزوح، رغم المخاطر التي تحيط بها. وجاء في البيان: «الفنانة محاسن الخطيب بقيت صامدة ترفض التهجير والنزوح»، مضيفًا أنها قبل رحيلها، وخلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، تركت أثرًا فنيًا خالدًا من خلال أعمالها الفنية الرقمية التي لامست واقع الفلسطينيين وجراحهم ونضالهم من أجل الحرية. وأوضح البيان أن الفنانة الراحلة شاركت في العديد من المعارض والأنشطة الوطنية التي نظمتها مؤسسة رواسي فلسطين، مشيرًا إلى أن رحيلها يعد فقدانًا كبيرًا للفن الفلسطيني ولصوت مؤثر في إيصال رسالة الشعب الفلسطيني وقضيته من خلال فنها. حزن فلسطينى عربى وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نعَت جماهير فلسطينية وعربية الفنانة محاسن الخطيب التي كانت مدافعة شرسة عن المقاومة الفلسطينية، و وجهت انتقاداتها الحادة للصمت الدولي تجاه الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان غزة. وشهدت مواقع التواصل حملة تضامن كبيرة مع استشهادها، حيث أدان المتابعون تواصل المجازر بحق الفلسطينيين في ظل غياب تحرك دولي فعّال لوقف هذه المأساة المستمرة منذ أكثر من عام. اقرأ أيضا: ارتدى وشاحًا بعلمي فلسطين وتونس.. كاظم الساهر يشعل مسرح قرطاج آخر ما كتبته وكانت الفنانة الشهيدة قد كتبت منشورًا مؤثرًا عبر صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي قبل ساعات من استشهادها، قالت فيه: «أعتقد أن العالم تخاذل كثيرًا لدرجة أنه أصبح لا يرى، وأصبحت الحرب علينا حياة طبيعية لديهم، وأعتقد أن من غادر قطاع غزة، أكمل حياته بصورة طبيعية، وقد تصيبه نخزات من الوجع أحيانًا علينا لكنه يكمل بعدها بشكل عادي. أعتقد أننا اعتدنا على وجعنا، وأصبحت قلوبنا بلا نبض على حالنا، وأعتقد أننا فعلًا مجرد أرقام لا قيمة لنا سوى عند خالقنا». تطهير عرقى وطوال أسبوعين وحتى استشهاد الفنانة الفلسطينية صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلى من جرائم التطهير العرقي، مرتكبا مجازر دامية مروعة أودت بحياة عشرات الفلسطينيين، علاوة على استهداف المستشفيات والطواقم الطبية، حيث شن العدو الغادر قصفا جويا ومدفعيا مكثفا على مخيم جباليا، وبيت لاهيا، ومناطق الصفطاوي، وتل الزعتر، والشيخ زايد، وتلة قليبو شمال قطاع غزة، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء، بينهم أطفال ونساء. ويأتي ذلك بالتزامن مع مواصلة حملة الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال في شمالي القطاع قبل ثلاث أسابيع عبر قصف المنازل ومراكز الإيواء ونسف وتدمير وحرق أحياء سكنية كاملة، إضافة إلى منع إدخال الطعام والمياه إلى المنطقة، ما خلف مئات القتلى والجرحى في ظل تعطل شبه كامل لعمل طواقم الإسعاف والدفاع المدني نتيجة استهدافها من القوات الإسرائيلية أو منعها من تأدية مهامها. وكان الجيش الإسرائيلى قد أعلن فى 6 أكتوبر الجارى بدء اجتياح شمال القطاع، بذريعة منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة، بينما يؤمن الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.