لم يكن الاحتلال الإسرائيلي ليترك بداية عامه الثاني في حربه على غزة من دون أن يلطخ يده بدماء الفلسطينيين بمذابح إجرامية تُرتكب بقرار سياسي وعسكري اتخذه أناس تُلاحقهم المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب، حيث يتقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاشيته المدانة دوليًا بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية. اقرأ أيضًا: القصف الأعنف على شمال غزة منذ 5 أشهر.. الاحتلال يحاصر جباليا ويرتكب مجزرتين شمال غزة ومخيم جباليا هي تلك الأرض التي صنع منها الاحتلال واديًا للحرب والدماء وأرضًا مليئة بأعمال القتال والصراع، ففي بدايات حربه على غزة شنّ هجماته المسلحة مع بدء عملياته البرية هناك، وأعاد الكرة مرة ثانية، ليصل اليوم إلى الاجتياح الثالث فوق رؤوس الأحياء، الذين حوّل عددًا منهم إلى أموات. "عاش المخيم.. وعاشت روح جباليا التي لا تُهزم".. حروفٌ نُحتت على جدران أحد المنازل، التي صارت منكوبة في مخيم جباليا أبانت عن صمود شعبٍ يقاسي كل صنوف العذاب ألوانًا، ورغم ذلك لا يزال أطفاله قبل رجاله مرابطين في الأرض يجابهون العدوان برباطة جأش كالعنقاء التي تنهض من تحت الرماد. وعلى مدار خمسة أيام متتالية أطبق الاحتلال الإسرائيلي حصاره الشامل على شمال قطاع غزة، منذ أن أعلن يوم الأحد الماضي عن بدء عملية عسكرية جديدة في مخيم جباليا، ليرتكب مجازر جديدة بحق السكان الأبرياء، في وقتٍ يتواجد 700 ألف نازح في مناطق شمال القطاع، وفق بيانات رسمية فلسطينية. وهذه هي العملية البرية الثالثة، التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا ومنطقة شمال غزة ككل، في وقتٍ حذرت حكومة غزة من عملية "تطهير عرقي" تُرتكب بحق المدنيين في شمال القطاع. وخلال خمسة أيام مضت من العمليات العسكرية المكتواصلة شمال غزة سقط 125 شهيدًا على الأقل، وفق آخر حصيلة خرجت لشهداء العدوان الجديد شمال القطاع، ما جعل حصيلة ضحايا الحرب في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 تتجاوز حاجز ال42 ألف شهيد. 125 شهيدًا خلال 5 أيام. وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان صدر عنه أمس، "يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي جرائم قتل ضد المدنيين في الشوارع بمحافظة الشمال، وخاصة في مخيم جباليا ويستفرد بالمدنيين وبالأطفال والنساء، في مرحلة متقدمة من سياسة التطهير العرقي ضد شعبنا الفلسطيني ووسط صمت دولي وعالمي تجاه هذه الجرائم". وأضاف المكتب الإعلامي الحكومي: "لقد قتل الاحتلال حتى هذه اللحظة أكثر من 125 شهيدًا في محافظة الشمال وخاصة في مخيم جباليا على مدار خمسة أيام متواصلة من القتل الممنهج والحصار ضد المدنيين وضد الأطفال والنساء خصوصًا، وما زالت عشرات الجثث ملقاة على الأرض في الشوارع، ولم تتمكن سيارات الإسعاف والدفاع المدني من الوصول لهذه الجثث بسبب استهداف الاحتلال لسيارات الإسعاف والدفاع المدني، وكذلك يمنع الوصول لهذه الجثامين". وتابع المكتب الإعلامي الحكومي: "جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جريمة ضد الإنسانية حيث أجبر المدنيين والنازحين على إخلاء بعض مراكز النزوح والإيواء الذين زاد عددهم عن 17 ألف نازح، وذلك بسبب قصفها واستهدافها بشكل مباشر، وكذلك بسبب اقتراب آليات الاحتلال منها تمهيدًا لاقتحامها وممارسة الجرائم فيها، على غرار ما ارتكبه جيش الاحتلال سابقًا من مجازر وإراقة الدماء بكل وحشية". وحذّر المكتب الإعلامي المجتمع الدولي وكل المنظمات الدولية والأممية من أن جيش الاحتلال يمارس جريمة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، وطالبهم جميعًا بالوقف الفوري والسريع لهذه الجرائم ضد الإنسانية، وبملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية تمهيدًا لمحاكمتهم وتقديمهم للعدالة على جرائمهم المتواصلة. صحفي شهيد جديد في جباليا جرائم الاحتلال الإسرائيلي شمال غزة أسقطت أول صحفي شهيد ارتقى خلال العام الثاني من الحرب في غزة، والصحفي رقم 176 الذي استُشهد أثناء الحرب. واستشهد الصحفي محمد الطناني، الذي يعمل مصورًا صحفيًا في قناة الأقصى الفضائية، خلال قصف إسرائيلي وقف في مخيم جباليا، أمس الأربعاء. «أوضاع صعبة جدًا» ويسرد الصحفي الفلسطيني عماد زقوت، المقيم في مناطق شمال غزة، تفاصيل الأوضاع هناك في مناطق شمال غزة، فيقول: "الأضاع في شمال قطاع غزة تحديدًا وفي شمال مخيم جباليا صعبة جدًا.. نتحدث عن عملية عسكرية إسرائيلية تستمر لليوم الخامس على التوالي، وهناك حصار مطبق يتعرض له شمال قطاع غزة من الجهة الشرقية والجهة الغربية، وكذلك المناطق الشمالية". ويضيف زقوت، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، "الاحتلال الإسرائيلي لا يريد أيًا من المواطنين للخروج من مخيم جباليا وشمال القطاع إلى مدينة غزة، وإنما حدد مسارًا واحدًا، وهو من منطقة الترانس في قلب مخيم جباليًا إلى شارع صلاح الدين شرقًا، ومن ثم التوجه إلى جنوب قطاع غزة، ووضع كاميرات ومكبرات صوت في منطقة ما تُسمى بالإدارة المدنية، وتقع إلى الشرق من مخيم جباليا، حتى يتم مراقبة المواطنين الذين يسيرون عبر هذا المسار، ومن ثم اعتقال من يريدون اعتقاله وقتل من يريدون قتله". ويستطرد زقوت قائلًا: "ولكن أؤكد أن أيًا من العائلات الفلسطينية لم تتوجه لهذا المسار، ولم تلتزم بما طلبه الاحتلال الإسرائيلي، وإنما حاولوا التوجه إلى مدينة غزة، ولكن طائرات الاحتلال باغتتهم وأطلقت صوبهم القذائف، واستشهد العشرات في تلك المناطق، وهناك عدد من جثث الشهداء لا تزال ملقاة على الأرض في تلك المناطق، ولا تستطيع سيارة الإسعاف الوصول إليها من شدة إطلاق القذائف من الآليات العسكرية". ويمضي قائلًا: "نتحدث عن وضع خطير جدًا، ومخيم جباليا يتواجد فيه أكثر من 90 ألف مواطن فلسطيني كذلك في منطقة شمال غزة يتواجد ما يقرب من ثلاثمائة ألف مواطن فلسطيني، وهؤلاء المواطنون يعلمون أن هدف العملية العسكرية هو تهجيرهم إلى جنوب قطاع غزة، ومن ثم إلى مصر، لكنهم ثابتون صامدون، ولا يريدون الالتزام بالأوامر الإسرائيلية وهدفهم إفشال المخطط الإسرائيلي بثباتهم وصمودهم". ويؤكد الصحفي الفلسطيني أن الاحتلال على مدار الأيام الخمس وحتى من قبل أن يقوم بهذه العملية لم يدخل المساعدات الإنسانية إلى شمال قطاع غزة. مستشفيات على وشك التوقف ويطال الإجرام الإسرائيلي في مناطق شمال غزة المستشفيات الواقعة هناك، والتي باتت مهددة بالتوقف عن العمل خلال 24 ساعة، وذلك في ظل مجابها أعداد كبيرة من الجرحى سقطوا جراء القصف الإسرائيلي وقتل المدنيين هناك. وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قام بإرجاع الوقود القادم لمستشفيات غزة والشمال للمرة الخامسة على التوالي، مضيفًا أن جميع مستشفيات ومرافق وزارة الصحة مهددة بالتوقف خلال أقل من 24 ساعة. وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي، في بيانٍ صادرٍ عنه، أن جيش الاحتلال بإرجاعه السولار القادم إلى مستشفيات محافظتي غزة وشمال غزة للمرة الخامسة بات يهدد جميع مستشفيات ومرافق وزارة الصحة بالتوقف، مؤكدًا أن ما يتوفر من الوقود لا يكفي لأكثر من 24 ساعة، وأن بعض المرافق رصيدها "صفر". وشدد المكتب الإعلامي قائلًا: "إننا أمام جريمة مكتملة الأركان يُنفذها جيش الاحتلال في إطار تدمير وإسقاط المنظومة الصحية والمستشفيات، وخاصة في محافظتي غزة والشمال، وإن هذه الجريمة تأتي في ظل الواقع المرير الذي يعيشه الواقع الصحي المنهار في المحافظتين خصوصاً مع وجود 700 ألف إنسان فيهما". وحول المستشفيات الموجودة في مناطق شمال غزة، والتي تواجه خطر التوقف، تحدث إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، عن وجود 4 مستشفيات شمال القطاع تقدم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى مهددة بالتوقف عن العمل. وأشار الثوابتة، في تصريحٍ ل"بوابة أخبار اليوم"، إلى وجود ثلاثة مستشفيات رئيسية شمال القطاع هي مستشفى كمال عدوان والمستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة، إلى جانب مستشفى صغير، وهو مستشفى اليمن السعيد، جميعها يواجه خطر التوقف التام حال عدم إمدادها بالوقود. عدوان ثالث بهدف التهجير ومن جهته، يروي الصحفي الفلسطيني إبراهيم مقبل، المتواجد في شمال غزة، كشاهد عيان تفاصيل ما يدور في شمال قطاع غزة. ويقول إبراهيم مقبل، ل"بوابة أخبار اليوم"، "الاحتلال الصهيوني يشن للمرة الثالثة منذ بدء الحرب عدوانًا على محافظة شمال غزة منذ 5 أيام وسط قصف مدفعي وجوي وتوغل بري من المناطق الشرقيةوالغربية للمحافظة". ويضيف مقبل: "الاحتلال يحاول طرد أهالي المحافظة وعددهم يقدر بأكثر من ربع مليون ودفعهم للنزوح إلى الجنوب لكن الأهالي يرفضون ومن يحاول الخروج أو التنقل يتعرض للقنص والقتل". ويتابع قائلً: "الاحتلال يحاصر ما تم إصلاحه من مستشفيات المحافظة ويقصف على مقربة منها وأمهل إداراتها يومًا للإخلاء في وقت تعاني فيه المشافي من نقص في المستهلكات الطبية ونقص في الوقود". وأشار مقبل إلى أن هناك عشرات الآلاف لا زالوا في بيوتهم بالشمال، مؤكدًا أن الكل يصر على البقاء وعدم الاستجابة لمنشورات الاحتلال التي تدعوهم للنزوح إلى الجنوب. ولفت إبراهيم مقبل إلى أنه لم ينزح من الشمال إلى الجنوب ليس سوى عائلتين فقط وتعرضوا للتنكيل من قوات الاحتلال واعتقال الرجال. وأمد إبراهيم مقبل "بوابة أخبار اليوم" بصورة حية من مجزرة مستشفى اليمن السعيد، التي قام خلالها جيش الاحتلال باستهدافات مباشرة للنازحين في مخيم جباليا. شمال غزة بلا اتصال وبعيدًا عن شمال غزة وفي الجنوب، حيث يتواجد الصحفي الفلسطيني منذر الشرافي في مخيمات النزوح هناك، لكن قلبه معلقًا بالشمال حيث يتواجد هناك والداه وأفراد عائلته بعد أن انقطعت الأوصال بينهما أن يجتمعا في مكانٍ واحدٍ حتى ولو في ظروف صعبة في المخيمات بفعل إجرام الاحتلال. ويقول الشرافي، ل"بوابة أخبار اليوم"، "أهلي ما زالوا محاصرين بمخيم جباليا مثلهم مثل باقي المحاصرين"، لافتًا إلى أنهم يعانون من نقص بالماء والغذاء الذي هو بالأصل بالكاد يكون متوفرًا. ويتابع الشرافي: "كل لحظة وكل دقيقة فعليًا أموت خوفًا عليهم وعلى سلامتهم، وللأسف لا نستطيع الاطمئنان عليهم باستمرار بسبب نفاد الشحن في هواتفهم المحمولة وسوء إرسال الاتصال والتغطية"، مضيفًا أنه "هناك تواصل مع عائلته ولكن شبه معدوم بسبب تكرار انقطاع الارسال عندهم وبسبب فراغ شحن هواتفهم. ويؤكد الشرافي أن هناك عشرات المناشدات تصلهم من عائلات محاصرة تحت أنقاض منازلهم بعدما قصفتهم طائرات الاحتلال وحولتها ركامًا على سكانها. هي قصة وطن وقصة شعبٍ في قطاع غزة من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غرب، جميع من فيه يرزخون تحت وطأة عدوان غاشم لا يعرف للإنسانية طريق، ولا يعرف سوى لغة الدم والقتل والتهجير.