■ كتب: مروة حسن حسين رغم استخدام الولاياتالمتحدة الفيتو في مجلس الأمن الدولي في 18 أبريل 2024 لمنع صدور قرار يفتح الباب أمام منح دولة فلسطين العضوية الكاملة فى الأممالمتحدة فإن الجمعية اعتمدت فى 10 مايو قرارًا بأحقية فلسطين لهذه العضوية فى الأممالمتحدة صوتت لصالحه 143 دولة وامتنعت 25 عن التصويت. جاءت خطوة إعادة وضع قضية الدولة على الطاولة بعد أن رفعت عملية طوفان الأقصى شأن القضية التى كادت أن تذوب فى ظل مسار التطبيع واستمرار الاستيطان وقضم الأراضى الفلسطينية وتهويد القدس. وارتبطت أيضًا برغبة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن فى إيجاد مخرج للحرب الإسرائيلية على غزة من خلال طرح مشروع حل سياسى للقضية الفلسطينية قائم على أساس الاعتراف الإسرائيلى بقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولكن ضمن سياق المفاوضات مع الفلسطينيين، مما يعنى أن نتيجة المفاوضات سيحددها الطرف الأقوى وصاحب الأمر الواقع على الأرض، مما قد يُفرغ مصطلح الدولة من مضمونه الحقيقى. أما الآن وفى إطار حالة التشدد التى تجتاح إسرائيل بكل أطيافها السياسية فقد رفضت حكومة الاحتلال أن تتجاوب مع مطلب الإدارة الأمريكية حتى ولو كان هذا المطلب شكليًا ويوفر لها حالة من الاندماج فى المنطقة برعاية أمريكية، بل ويوفر لها مخرجًا من الوضع الحالى فى غزة. وفي خطوة أوروبية لافتة أعلنت أيرلندا وإسبانيا والنرويج رسميًا الاعتراف بدولة فلسطين، فى حين أبدت دول أخرى مثل: سلوفينيا ومالطا اعتزامهما اتخاذ خطوة مماثلة، على نحو يعكس المدى الذى بلغته قضية الشعب الفلسطينى من التعاطف الدولى معها سياسيًا وقانونيًا ودبلوماسيًا. وهو ما اعُتبر ثغرة فى جدار الصد الأوروبى للحقوق الفلسطينية ولو بحدها الأدنى. اعتراف 3 دول أوروبية بالدولة الفلسطينية دون أن تضع فى حسبانها اعتراضات الكيان الإسرائيلى وتحفظات الولاياتالمتحدة وبعض الأطراف الأوروبية، وضعها على الجانب الصحيح من التاريخ، كما أنه مؤشر على بداية تفكك الموقف الأوروبى الداعم لإسرائيل، وهو الذى تمثل أيضًا بمطالبة عدد من هذه الدول بوقف الحرب على غزة، على عكس الموقف الذى تشكل إثر 7 أكتوبر، وأن عدد الدول التى ستعترف بفلسطين مرشح للارتفاع. وكانت السويد الدولة الأوروبية الوحيدة فى الاتحاد الأوروبى التى اعترفت بدولة فلسطين عام 2014، فضلًا عن اعتراف 8 دول أخرى قبل انضمامها إلى الاتحاد. وهذا يعنى أنه خلال فترة قصيرة ستكون 13 دولة أوروبية قد اعترفت بالدولة الفلسطينية من أصل 27 دولة يضمها الاتحاد الأوروبى، وهذا بحد ذاته مكسب مهم لفلسطين وللقضية الفلسطينية، حيث يبلغ الآن العدد الإجمالى للدول التى تعترف بفلسطين 146 دولة من أصل 193 دولة عضوة فى الأممالمتحدة. من بين مجموعة العشرين، تسع دول هى: (الأرجنتين، البرازيل، الصين، الهند، إندونيسيا، روسيا، السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا) اعترفت بفلسطين كدولة، بينما عشر دول (أستراليا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، كوريا الجنوبية، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدة) لم تعترف بها كدولة. مع أن هذه الدول عمومًا تدعم شكلًا من أشكالِ حلّ الدَّولتين للصراع، إلا أنها تتَّخذ موقفًا مفاده أنَّ اعترافها بالدولة الفلسطينية مشروط بالمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. الدافع الأساسى لموافقة عدد متزايد من الدول على الدولة الفلسطينية لا يعود فقط إلى ما جرى فى طوفان الأقصى وما بعده، بل إن هناك رغبة من دول العالم بمعاقبة الكيان على ارتكابه المجازر ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب دون أن يجد رادعًا. ويجسد الاعتراف الثلاثى عددًا من المعطيات والدلالات، فهو يعكس. أولاً: تحولًا نوعيًا فى النظرة الدولية للقضية الفلسطينية، بما يجعلها تتجاوز كونها مجرد نزاع سياسى أو إنسانى، إلى قضية تصفية استعمار بامتياز وفق القانون الدولى. ثانيًا: لن يقتصر الأمر على مجرد الإعلان القانونى بالاعتراف بدولة فلسطين، وإنما ستتخذ الدول الثلاث سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية، التى من شأنها أن تكرس الاعتراف على الأرض، من خلال رفع مستوى تمثيل مكاتبها التمثيلية فى رام الله، وتحويلها إلى سفارات، مع منح البعثات الفلسطينية فى مدريد وأوسلو ودبلن وضعية السفارة الكاملة. ثالثًا: على الرغم من السمة الرمزية للاعتراف الثلاثى، فإنه سيدفع الكيان الإسرائيلى إلى المزيد من العزلة الدولية، التى ارتفع منسوبها فى الأشهر الماضية، جراء توحشه العدوانى على الفلسطينيين وارتكاب جيشه سلسلة من المجازر المروعة، فضلًا عن وضع العراقيل أمام إنفاذ المساعدات الإنسانية لسكان غزة. وهو ما يفاقم من حالة العزلة. ◄ اقرأ أيضًا | قصف إسرائيل| إيران تدعو مجلس الأمن لاتخاذ خطوات فورية ضد تهديدات إسرائيل ثم قرار محكمة العدل الدولية بوقف العدوان على مدينة رفح، واستمرارها فى التحقيق فى ارتكاب الإبادة الجماعية بناء على طلب جنوب أفريقيا، الذى شهد انضمام دول أخرى إليها، وفى الوقت نفسه، بدأت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ودول أخرى فى فرض عقوبات ضد المستوطنين والجماعات اليمينية المتطرفة التى تدعمهم فى أعمال العنف والقتل والاعتداء على الفلسطينيين، مما سيجعل الإسرائيليين يدركون أن بلادهم يتم التعامل معها بشكلٍ متزايد على أنها منبوذة، وستصبح مع الوقت فى عزلة دبلوماسية. وتحاول السلطة من خلال هذا التحرك الاستفادة من الدلالة القانونية للاعتراف، والتى تعنى حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره واختيار نظامه السياسى والاقتصادى والاجتماعى كما نصت عليه مبادئ القانون الدولى وميثاق الأممالمتحدة. وهذا يعنى بالنتيجة أن الشعب الفلسطينى سيرفض التفاوض بشأن هذا الحق، ولكن هذا الأمر لم يمر عبر مجلس الأمن، ولا يُتوقع له ذلك فى ظل الفيتو الأمريكى، وحيث لا توجد للفلسطينيين دولة قائمة على الأرض فإن الأمر سيظل خاضعًا للتفاوض المباشر مع الاحتلال فى ظل اختلال موازين القوى بالمنطقة، مع عدم التقليل من الدلالة الرمزية والسياسية التى لا تعنى تغييرًا على أرض الواقع.