ظلام دامس نعيشه منذ عام 1948، وإن أنصفنا القول فنحن فيه على مدى عدة قرون من الزمان، على مدى النظر إلى الكرة الأرضية لم تسلم منطقتنا وإن شئت تحديدًا شرق أوسطنا من المؤامرات والاستهداف، تكسرت نصال المغول والتتار على دروع حماتها وأيضًا طٌرد منها الصليبيون شر طردة، وما إن يبزغ فجر جديد حتى تتوارى أنواره سريعًا فى محاولات قوى الشر تكسير عظامنا ووأد كل أمل نرجوه. منطقتنا تتوسط العالم ومصرنا تتوسط هذه المنطقة وعلى مدى التاريخ لم نسلم من شرور كل من رأى فى ذاته زعامة يسود بها العالم ويتحكم فيه لمصالحه وسياساته التى تتناقلها أجيال تلو أخرى ولا تحيد عن مخططاتها مهما كانت مسمياتهم؛ سواء أكانوا الهكسوس أم الروم أم الفرس أم الصليبيين أم العثمانيين أم الفرنسيين أم الإنجليز، وأخيرًا الأمريكان فى عصرنا الحالى. بنو صهيون الذين عقدوا مؤتمرهم فى بازل بسويسرا وقرروا إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين عام 1897 لم يكونوا هم الأشخاص الذين أعلنوا قيام الدولة فى مايو 1948 أى بعد 51 عامًا من مؤتمرهم. أين كنا نحن مع علانية الفجور الذى أقروه فى «بازل»؟ ولماذا لم نضع فى الحسبان مواجهة الخطر القادم بعد أكثر من نصف قرن ليصبح حقيقة واقعة وصل عمرها لأكثر من ثلاثة أرباع القرن. هل كنا بلا حول ولا قوة استنادًا إلى أنها أيام يداولها الله بين الناس وشاءت إرادته لحكمة يعلمها ألا تكون لنا مكانتنا التى كانت. تربص بنا الغرب ووأدوا مشروع محمد على وبعده قضوا على أحمد عرابى وقاوموا زعامة سعد زغلول وشعار الاستقلال التام أو الموت الزؤام. جاء عبدالناصر بمشروعه وما أن بزغ نجمه حتى أفل بعملية «اصطياد الديك الرومى» تجسيدًا للكتاب الأشهر «لعبة الأمم». منطقة هى مهد الديانات وقلبها مصر التى تجلى على أرضها الخالق سبحانه، واختار مكانًا فى هذه المنطقة لبيته المحرم، واصطفى من أهلها الرسل والأنبياء أصحاب الدعوة الواحدة والتى فرقها أتباعهم إلى شيع وطوائف. من منظورّى التاريخ والجغرافيا تنتابك الحيرة فيما مس هذه الأمة وجعل عقود ازدهارها لا تقارن بعقود مآسيها واضمحلالها. كنا نأمل ألا نكون من أبناء هذا الزمان الذى طال ليله الدامس إلى حد أن تظن أنه لا نهار بعده. ولولا حفنة من إيمان والظن الحسن لهلك المرء منا حسرة وندامة عندما يصبح ما باليد حيلة. يا رب.