ندى البدوى إقبالٌ كبير تشهده وسائل النقل المُستدام للمسافات القصيرة فى شوارع مصر، وعلى رأسها الدراجات التشاركية، وتأجير السكوتر الكهربائى الذى انتشر استخدامه بين فئات الشباب فى الآونة الأخيرة، لمواجهة الزحام المرورى وتوفير الوقت، فضلاً عن المتعة التى تنطوى عليها تجربة قيادته. العملية التى تُدار من خلال تطبيقات إلكترونية لخدمات النقل التشاركى الذكي، تتعاظم أهميتها لتعزيز منظومة النقل المُستدام، لما لها من أهمية كبيرة فى خفض العبء البيئى لوسائل النقل التقليدي، ما دفع عددا من الشباب لإطلاق مبادرات لرفع الوعى بأهمية وسائل النقل الصديقة للبيئة، ونشر تعليمات السلامة والأمان فى قيادتها. مشهدُ قيادة السكوتر الكهربائى فى شوارعنا بات مألوفًا، مع تزايد أعداد المقبلين على استخدامه فى رحلاتهم القصيرة، وهى ما يُعرف فى أدبيات النقل المستدام برحلات «الميل الأول والأخير»، حيث يشير المفهوم للمسافة التى يقطعها الأفراد من وإلى أقرب وسيلة للنقل الجماعي. انتشار الفكرة على وسائل التواصل الاجتماعى أيضًا زادت من التفات الشباب إليها، حيث يجد كثير منهم فى قيادة السكوتر وسيلة اقتصادية وسهلة للتنقل فى المناطق المزدحمة والأحياء الداخلية للمدن، فضلاً عما تتيحه التطبيقات من إمكانية مشاركة المستخدمين بنسب إسهامهم فى خفض البصمة الكربونية بعد كل رحلة، مقارنة باستخدام السيارات الخاصة، وتعنى الحد من الانبعاثات التى تنتج عن استخدام الوقود الأحفوري. الرغبة فى المغامرة وخوض تجربة جديدة هو ما دفع على الأزهري، لاستخدام السكوتر فى القاهرة، حيث بدأت التجربة بالنسبة إليه كنوع من الترفيه، ليجدها وسيلة فعالة بشكل كبير للتنقل فى حى الزمالك، يتابع: أسكن فى منطقة الرحاب ومقر عملى يقع بالزمالك، كنت أستغرق وقتًا كبيرًا فى رحلتى اليومية، يصل لساعتين إلا ربع فى طريق العودة مع الزحام المرورى فى وقت الذروة، حتى قررت أن أستخدم المترو وساعدنى فى ذلك بشكل كبير اعتمادى على السكوتر الكهربائى بصورة يومية فى المسافات القصيرة، خاصة بعد افتتاح خط المترو الجديد بمنطقة الزمالك، كما أستخدمه بشكل أساسى فى التنقل داخل المنطقة بسلاسة وسهولة. متعة غامرة وترددت نهى محمد قبل إقدامها على قيادة السكوتر الكهربائى بمنطقة المعادي، خشية تعرضها لمضايقات أثناء استخدامها له، لكن حماس صديقاتها ممن خضن التجربة شجعها على ذلك، «شعرت ببعض الغرابة والخوف فى بداية الأمر، لكنه سرعان ما تحوّل إلى متعةٍ غامرة، أن تقف على سكوتر كهربائى وتخترق الشوارع وأنت تشعر بكل ما حولك. الفكرة مازالت جديدة وغير معتادة بشكل كبير فى شوارعنا، لكن الشارع أصبح أكثر تقبلاً لها خلال الفترة الأخيرة، لم أتعرض لمضايقات لكننى أواجه مواقف وتعليقات طريفة من المارة الذين يتساءلون عن السكوتر وكيفية تأجيره وطريقة استخدام التطبيق الإلكتروني». التحدى الذى واجهته يكمن فى ركن السكوتر ببعض المناطق التى تشهد إجراءات أمنية ولا يسمح بتركه فى محيطها، ما يضطرنى أحيانًا للبحث عن مكانٍ بديل لإنهاء رحلتي، لكننى غالبا أجد مواقع ملائمة لربطه بعد انتهاء الاستخدام، من خلال القفل الذكي، حيث لا يشترط أن أتركه فى محطة بعينها وهذا يجعل استخدامه بسيطا، مُشددة على أهمية توخى الحذر عند القيادة خاصة مع المطبات وفى الطرق المنحدرة وغير المستوية، كما يجب الحذر أثناء سقوط الأمطار خلال فصل الشتاء فى الطرق المغمورة بالمياه، مع الحرص على السير بسرعة مناسبة تحسبًا لظروف الطريق، وفى كل الأحوال تتطلب القيادة ممارسة وتمكنا لتجنب المخاطر المحتملة. باركود «لا شىء يُعادل تدفّق الأدرينالين فى عروقك وأنت تقود السكوتر» يصف محمد عبدالعزيز، الطالب بكلية الهندسة تجربته، بعدما عرف عن التطبيق الإلكترونى من أصدقائه. يثمّن سهولة استخدام التطبيق الإلكترونى لبدء وإنهاء رحلات السكوتر، من خلال «الباركود» أو الرمز التعريفى للسكوتر الذى يقوم بتصويره بعد انتهاء الرحلة، ويمكن الدفع عن طريق المحفظة الإلكترونية التى يتم شحنها باستخدام طرق متنوعة للدفع، ليظهر له من خلال التطبيق أقرب سكوتر متاح للاستخدام، والمسافة التى يمكن أن يقطعها فى ضوء ما يتوافر من شحن فى البطارية. تكلفة الرحلة الواحدة تتراوح بين 10 و13 جنيها لمتوسط مسافة كيلومترين، كما يوضح محمد الذى يرى أن تسعيرة الاستخدام اقتصادية، لكنها يمكن أن تُمثل عبئًا ماديًا إذا زادت المسافة، أو عند الاعتماد على السكوتر بشكل يومى للتنقل، فالقفل المُخصص يتم فتحه قبل بدء الرحلة بثلاثة جنيهات، وتُحسب بعد ذلك الدقيقة الواحدة بجنيه. بينما تمثل محدودية النطاقات التى يغطيها السكوتر الكهربائى عائقًا له، حيث تُتاح القيادة فى نطاق محدد يسمى المنطقة الخضراء، «رغم انتشار المنظومة بعدد متزايد من المناطق، فإننى أتمنى أن تغطى أحياءً أكثر فى القاهرة والجيزة، أنا أسكن بمنطقة إمبابة وأستخدم السكوتر بشكل أساسى فى مناطق الدقى والمهندسين وأحيانًا بمحيط جامعة القاهرة التى أدرس بها». السلامة أولًا يؤمن محمد سيف بالأثر الإيجابى لاستخدام وسائل النقل المُستدام فى المسافات القصيرة، كونها خطوة نحو التحوّل لنمط حياة صديق للبيئة، فضلاً عن فاعليتها فى التنقل وتوفير الوقت وإنجاز المشاوير الصغيرة، ما دفعه إلى إطلاق مبادرة لرفع الوعى بأهميتها، ودعم تجربة القيادة الآمنة للسكوتر الكهربائى فى الشوارع، يتابع: من التحديات التى واجهتنى أثناء قياتى للسكوتر، إحكام توازنى عليه، ومن هنا جاءتنى الفكرة، بدأت بنشر بعض تعليمات السلامة على وسائل التواصل الاجتماعى، من خلال صفحة أسستها لرفع الوعى ومساعدة الراغبين فى استخدامه، مع إيضاح الأخطاء التى يمكن تفاديها أثناء القيادة، يجب أن نرفع شعار السلامة أولاً، فرغم أن سرعة السكوتر محدودة للغاية مقارنة بالسيارات، إلا أن قيادته دون حذر تنطوى على مخاطرة بالتأكيد، هذا ما أحاول إيصاله للجمهور من خلال الجولات الميدانية أيضًا. ويشير كمال الصويني، الرئيس التنفيذى لمشروع «رابيت موبيليتي» لخدمات النقل التشاركى الذكي، إلى أن زيادة الإقبال على استخدام السكوتر الكهربائى فى الفترة الماضية، دفعتهم للتوسع فى تطبيق المنظومة بعدد من المحافظات، لتشمل حتى الآن ست محافظات من بينها القاهرة والجيزة والإسكندرية فضلاً عن مدن الدلتا. موضحًا أن البعد البيئى يعد من أهم أسباب اهتمامهم بمنظومة النقل المستدام، فما يزيد على 28% من الانبعاثات الكربونية فى مصر تنتج عن قطاع النقل والمواصلات، «كما وجدنا عند دراستنا لمنظومة النقل أن لدينا فجوة كبيرة فى المواصلات». يتابع: الحكومة تتخذ خطوات فاعلة بالتوسع فى تطوير منظومة النقل المستدام، من وسائل النقل العام وخطوط المترو والمونوريل وغيرها، لكن دائمًا ما كانت هناك فجوة فى تزويد خدمة النقل للمسافات القصيرة الأقل من خمسة كيلومترات، ووجدنا أن 50% من الرحلات التى تُقطع فى مصر سنويًا تُعد من الرحلات القصيرة، وكثير ممن يمتلكون سيارات خاصة لا يستخدمون المترو لأنهم يحتاجون لوسيلة نقل وسيطة، وهنا تبرز أهمية خدمات النقل التشاركى الذكى لرحلات الميل الأول والأخير، وهو ما يتوفر بصورة ملحوظة فى العديد من المدن والعواصم العالمية. لم يكن يتوقع صاحب المشروع الذى حصل على المركز الأول فى المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية، أن يحظى استخدام السكوتر الكهربائى والدراجات بهذا القدر من التفاعل والقبول من الناس كما يُشير، ويقول: «كان لدينا فى بداية الأمر قلق من رد الفعل ومن عوامل الأمان واحتمالات السرقات، بدأنا بشكل تجريبى بقرى سياحية فى الساحل الشمالي، وبمجمعات سكنية مغلقة فى المجتمعات العمرانية الجديدة بالقاهرة، والتجاوب الكبير شجعنا على التوسع فى تغطية مناطق عديدة بالقاهرة والجيزة». إقبال الشباب يتابع: «انطلقنا فى حى الزمالك والمهندسين والدقى، وتوسعنا بالمعادى ومصر الجديدة، كما انطلقنا إلى الإسكندرية وبورسعيد وشرم الشيخ، وبمحافظات الدلتا فى مدن طنطاوالمنصورة، وكانت المفاجأة بالنسبة إلينا أن أعلى معدل رحلات حققناه فى المنصورة، مع زيادة إقبال الشباب وطلاب الجامعات، فخلال العام الماضى وصل عدد المستخدمين لما يزيد على 85 ألف مستخدم، بإجمالى رحلات تزيد على مليون كيلومتر». تقل تكلفة استخدام السكوتر الكهربائى فى المسافات القصيرة عن سيارات الأجرة وتطبيقات النقل بنحو 25% كما يُشير، ما يجعله اقتصاديا بالنسبة للمستخدمين، وتعتمد المنظومة على تطبيق إلكترونى يقوم المستخدم بتحميله، لإدارة استخدام السكوتر والدراجات الكهربائية، حيث تساعدنا التكنولوجيا بشكل كبير فى التحكم الكامل من خلال غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة، لرصد نقاط السكوتر ومراقبتها من خلال GPS، بخلاف فرق الدعم على الأرض التى تعمل على منظومة الصيانة والشحن وإعادة التوزيع وفقًا لأوقات الذروة فى استخدام العملاء والتى تختلف من مكان إلى آخر. وأغلب المناطق التى تغطيها المنظومة تقع فى الشوارع الداخلية للأحياء، كما يوضح كمال الصويني، حيث تكون سرعة السيارات محدودة، وهو ما يحد من عوامل الخطر عند قيادة السكوتر الذى تصل سرعته إلى 25 كيلومترًا فى الساعة، أما عن عملية الشحن الكهربائى فتستغرق 4 إلى 5 ساعات، وتغطى استخدام السكوتر الكهربائى لمسافة 20 كيلومترًا. هناك بالطبع نسبة محسوبة من السرقات والتخريب تحدث للسكوترات بحكم وجودها فى الشارع، لكننا أقل من النسبة العالمية التى يصل هامشها فى أوروبا وأمريكا إلى 8% سنويًا من إجمالى السكوترات المتوفرة فى الشوارع. خفض انبعاثات الكربون ويوضح الصوينى أن تطوير التكنولوجيا الخاصة بالتطبيق مكنهم من حساب نسب خفض البصمة الكربونية: «كنا معنيين بشكل كبير بمشاركة المستخدمين بنسب إسهامهم فى خفض انبعاثات الكربون بعد كل رحلة، فمتوسط الرحلة التى تستغرق 10 دقائق توفر حوالى 250 جراما من الكربون، مقارنة بقطعها باستخدام السيارات المعتمدة على الوقود. ونسعى خلال الفترة القادمة للتوسع فى محافظات أخرى، ونعمل بشكل وثيق مع الحكومة التى تُعاوننا فى كثير من الخطوات، خاصة وزارة النقل والأحياء والمحافظات التى بدأت تسهل عملنا بشكل كبير بعد استيعاب الفكرة». أقرأ أيضأ : «برلماني»: القطار الكهربائي السريع ثورة في مجال النقل