تخطف الأنظار دائما بأشكالها المختلفة وألوانها الجذابة، وتختلف نوايا من يحملها هناك من يشتريها ويحملها، سواء للهدايا، أو للعبادة والتسبيح ويحرص البعض الآخر على إظهارها من باب الزينة والوجاهة. ويعد حي الحسين من أكبر معاقل «السبحة» في مصر وكل الدنيا، ويقال إن مصر هي التي علمت العالم «فن السبحة»، فهي مهنة عريقة عرفها المصريون منذ أيام العصر الفاطمي، تحتاج إلى التركيز والذوق الرفيع وتمزج بين الإبداع والفن الإسلامي والتراث العريق، ويزداد الإقبال عليها على مدار العام وخاصة في مواسم العمرة وحيثما تكون سبحة رمضان لولى ومرجان في شهر التسابيح والصيام. وداخل الحواري الضيقة بمنطقة الحسين تظهر روعة صناعة السبح بألوانها الجذابة وأشكالها وأنواعها المختلفة، وفيها التقينا بعم «عوض فتحي « 50 سنة الذي ورث المهنة عن أجداده ووالده، وكما يقول، فقد عمل مع والده في هذه المهنة، خلال الإجازة المدرسية منذ كان عمره 9 سنوات، وعندما أنهى الدراسة الجامعية، تفرغ للعمل معه بالورشة بشكل دائم وأحب المهنة وعشق أدق تفاصيلها، وكما يقول لنا: «أروع أوقاتي عندما أستمع لأغاني الست أم كلثوم وأنا أعمل على تركيب سبحة بالأحجار الكريمة المتميزة بألوانها الجذابة». ويؤكد لنا أن حبه لهذه المهنة يزداد يوما بعد يوم، وخاصة عندما ينتهي من سبحة تخطف أنظار الزائرين فيطلبون منها كميات كبيرة، سواء لتصديرها أو لبيعها للمصريين. ويوضح عوض أن أنواع السبح تختلف، فمنها التي تصنع من خشب الأبانوس والعظم والعاج والكهرمان والمرجان والفيروز واليسر والبلاستيك واللازورد والفضة والبرونز والذهب والأبنوس والكوك، كما يشير إلى أن السبحة ذات اللون الأسود تصنع من اليسر وهى شعب مرجانية تتميز بلونها الأسود الجذاب، وهى من أشهر وأقدم السبح المصرية التي تصنعها الأنامل المصرية بطريقة يدوية. كما أوضح أن الزبائن يتهافتون على السبح التي تصنع من الأحجار الكريمة بسبب بعض المعتقدات والأفكار الموروثة، ومنها حجر الكهرمان الذي يعتقد البعض أنه جالب للحظ، ولذلك يقبل كثيرون على شرائه بأغلى الأثمان، خاصة وأنها سبحة يزيد سعرها بمرور الوقت، أما السبحة المصنوعة من حبات الفيروز الزرقاء فهي لمنع الحسد. كما يتهافت آخرون على السبحة «اليسر» ذات اللون الأسود المميز لاعتقادهم بأنها تجلب الرزق والبركة في العمل، بينما يستخدم البعض السبحة المصنوعة من حجر الكهرمان، باعتبارها جالبة للحظ، ويشير عم «عوض « إلى أن هناك من يشترى السبح غالية الثمن للوجاهة والأناقة، حيث تتفاوت أسعار السبح، وتبدأ من 5 جنيهات وتصل إلى 10 آلاف جنيه للسبحة الواحدة، وأغلاها الزمرد والفيروز الحر والفضة واليسر. ويقول إن للكهرمان أنواعا، فمنه الشجري والحجري ويتميز بألوانه الجذابة فمنه الأحمر والشفاف والأصفر والأبيض، بالإضافة إلى وجود السبحة العقيق والسبحة الخشب التي يتم صنعها من خشب الزيتون أو الكوك، وهو ثمرة جوز الهند ويتم استيرادها كمادة خام من دولة البرازيل. بالإضافة إلى سبح العود التي تصنع من خشب العود ذي الرائحة الذكية والذي يستخدم كبخور ويباع بأغلى الأثمان، أما عن عدد الحبات، فهناك سبح مكونة من 33 حبة وتسمى «الثلث» وأخرى مكونة من 99 حبة وتسمى «الألفية»، ويوجد منها الشكل البيضاوي وهو الشعبي والمتداول والشكل الكروى والأسطواني والبندقى والحمصى أو الشكل المضلع. ويشير عم «عوض « إلى أن السعودية تتصدر قائمة مستوردي السبح اليدوية المصرية والتي لا تستطيع دولة الصين منافستنا فيها لأننا كمصريين نستخدم الأيدي المصرية في صناعة السبح التي تمر بالعديد من المراحل بداية من التقطيع والتخريم والتجهيز وصولا إلى مرحلتي السنفرة والتلميع والتجهيز بالشكل النهائي تمهيدا لتسليمها للتجار للتصدير للخارج، في حين يستخدمون في الصين، الآلات والماكينات الكهربائية في صنع السبح لأنهم يسعون إلى الكم وليس الكيف، ونتفوق عليهم كمصريين، فى الفن والإبداع والإتقان في العمل.