مافعله أهل قرية الكرم من المسلمين، من وجهة نظرهم، هو ثأر لشرف امرأة مسلمة، اعتدى عليه رجل مسيحى. أى أن الدافع لما فعلوه، من وجهة نظرهم، هو الغيرة على الإسلام، فهل مافعلوه يتفق مع الإسلام ؟ بداية الأحداث كانت شائعة حول وجود علاقة بين الرجل المسيحى والمرأة المسلمة ؟ والسؤال : هل يأخذ الإسلام بالشائعات فيما يتعلق بجريمة الزنا ؟ المؤكد : لا. فالإسلام يتعامل مع هذه الجريمة تعاملاً خاصاً، لأنها تتعلق بالأعراض والأنساب، لذلك فإذا كانت كل الجرائم تثبت بشاهدين فإن هذه الجريمة بالتحديد لاتثبت إلا بأربعة شهود، وهؤلاء الشهود لابد أن يكونوا قد رأوا بأعينهم، ولو اعترف ثلاثة بأنهم شاهدوا حالة زنا بين فلان وفلانة لأقيم عليهما حد القذف. لذلك نسأل مرة أخرى : هل الإخوة الذين أحرقوا المنازل وشهروا بامرأة مسيحية، شاهدوا حالة الزنا بأعينهم، أم أنهم فعلوا مافعلوه بناء على شائعة ؟ من المؤكد أن أحداً لم ير شيئاً، وبالتالى فما فعلوه يعتبر رمياً للمحصنات بغير حق، وهذه جريمة يستحق مرتكبها أن يقام عليه حد القذف، ولاتقبل له شهادة، ويسميه الله سبحانه وتعالى بالفاسق. يقول سبحانه فى سورة النور : ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الشيء الثانى : لنفترض أنهم شاهدوا الرجل والمرأة فى حالة زنا، فالمعروف أن عقوبة الزنا شخصية، أى تخص مرتكبيها وحدهما، أما ماحدث فى المنيا فلم يكن كذلك، بل شمل حرق بيت الأسرة المسيحية، وشمل عقاباً لأم المتهم، وهذا وذاك ليس من الإسلام فى شئ. وبناءً عليه فمن فعلوا هذه الجرائم باسم الإسلام لايعرفون الإسلام. وهم أضر عليه بجهلهم وتعصبهم من خصومه. إن ماحدث فى قرية الكرم هو تعصب أعمى، ولابد أن نتذكر أن محافظة المنيا هى المحافظة التى أخرجت عدداً من قيادات التشدد والإرهاب، وأنها أكثر محافظة أحرقت فيها الكنائس والمؤسسات المسيحية بعد 30 يونيو، وأن إحدى قراها « دلجا « حتى الآن مصدر قلاقل واضطرابات، لولائها للإخوان. لكل ماسبق أرى أن الأمر خطير، ويؤكد قصور أجهزة عديدة، أولها وزارة الأوقاف، فلو أنها كانت مسيطرة على المنابر خلال السنوات الطويلة الماضية ما نما هذا الفكر المتشدد ليصل لهذا الحد. وثانيها وزارة التربية والتعليم، فلو أن المواد التى يدرسها الطلاب أكدت طوال سنوات الدراسة على قيمة التسامح الدينى وتقبل الآخر، وقدمت نماذج من الرجال الذين قاموا بأدوار فعالة لتأكيد الوحدة بين المسلمين والمسيحيين، وعرفت الطلاب بقواعد التعامل مع أهل الكتاب، لما كانت هذه الأفكار المتشددة وجدت الفرصة كى تنتشر هذا الانتشار المدمر. وثالث الوزارات المقصرة هى وزارة الثقافة، لأنها وزارة بلا استراتيجية، بل تعمل دائماً على أساس رد الفعل، وأذكر أنى أقنعت حسين مهران رئيس هيئة قصور الثقافة فى التسعينيات بوضع استراتيجية للعمل الثقافى فى الأقاليم، وشكلنا لجنة رفيعة المستوى لهذا الغرض، لكن فاروق حسنى أمر حسين مهران بشكل قاطع بعدم الاستمرار فى هذا الموضوع، واستمرت الوزارة تتعامل بطريقة رد الفعل حتى الآن. وما ينطبق على وزارة الثقافة ينطبق على وزارة الشباب. أما وزارة الإعلام فمسئوليتها عما يحدث أعظم، لأنها لاتهدف لبناء الإنسان، بل تتخبط، ومنذ تعاملت معها الدولة باعتبارها مؤسسة اقتصادية تراجع دورها تراجعا حاداً، ثم أجهز عليها بعد يناير 2011، وصارت القنوات الخاصة هى صاحبة الكلمة العليا فى الإعلام المصرى. لذلك أقول إنه آن الأوان لكى تكون لدينا استراتيجية لبناء الإنسان المصرى، تشارك فى تنفيذها كل هذه الوزارات. ورغم تقديرى للمشروعات الاقتصادية الكبرى التى تتم فى عصر السيسى إلا أنى أرى أن بناء الإنسان المصرى الآن هو التحدى الأكبر.