ساعة ونصف الساعة فى مركز الابداع الفنى مع المبدع الرائع خالد جلال وأبنائه الفنانين الشبان كانت كفيلة بأن أنتقل الى عالم اخر غير هذا العالم الذى نعيشه. طول عمرى أحب المسرح .. وأعتبره أبا الفنون بحق ، فيه يشعر المتفرج بأنه جزء من العرض الفنى ، ومنه يخرج بمتعة واحساس لاتعادلهما متعة ولا إحاسيس . سنوات طويلة لم أدخل فيها أى مسرح ، لم تكن تشدنى أية مسرحية ، قد يكون العيب فى أو فى المسرح .. لكن هذا هو ما حدث بعد أن كنت فى مطلع شبابى أحرص على حضور عروض المسرح القومى والمسرح الحديث ومسرح الطليعة ، كنت مواظبا على عروض توفيق الحكيم أبو المسرح المصرى ونعمان عاشور والفريد فرج وسعد الدين وهبة وصلاح عبد الصبور وغيرهم من عظماء مبدعى المسرح فى مصر. تصورت أن المسرح قد مات وشبع موتا .. حتى تلقيت الدعوة من الفنان المبدع خالد جلال مدير مركز الابداع الفنى لمشاهدة العرض المسرحى " بعد الليل " ،وهو عرض قام بكتابته واخراجه وديكوراته وإضاءته ثم تمثيله مجموعة متميزة من شباب مصر معظمهم يقفون على المسرح لأول مرة ، وكانوا كأنهم ولدوا على هذه الخشبة . بعد الليل الذى نعيشه هناك نهار ننتظره .. وهذا النهار مشرق بقدر ما بداخلنا من أمل وإرادة .. هذا ما خرجت به من هذا العمل الفنى الذى لم يتجاوز الساعة والنصف ساعة لكنه ملئ بألف حكمة وموعظة ودرس. إيه اللى وصلك لكده .. كلمة يمكن أن نسألها لبعضنا أو لأنفسنا ، وقد نسألها أيضا للمجتمع كله . كل تلك التشوهات فينا وفيمن حولنا ، وكل تلك التناقضات التى نمارسها ، وكل تلك الحفر التى وقعنا فيها بارادتنا أو فى غفلة منا .. تجعلنا فعلا نتساءل : إيه اللى وصلنا لكده . المسرحية هى مجموعة من الاسكتشات أو الفقرات المختلفة ولكن يربط بينها خيط واحد رفيع هو حال مصر والمصريين .. أوجاع مصر والمصريين .. أحلام مصر والمصريين .. ما أعجب الحال .. وما أقسى الأوجاع .. وما أروع الأحلام. الفكرة هى أن مصر غارقة فى بحر عميق من التناقضات تجسدها حالة الشاب " راضى " الذى تتلبسه روح شريرة مخادعة يعانى من تهيؤات بأنه أكثر من شخص فى واحد - أو هكذا فهمت - ويسأله من حوله : انت مين .. هو ايه اللى وصلك لكده . وتكون الاجابة من خلال الاسكتشات التى تظهر كل تناقضات المجتمع . فهذه الأسرة التى مات فيها الأب واختلف الأبناء على ماتركه وتخاطفوا كل شىء حتى أثاث المنزل البسيط ، وهذا الأب الذى ترك اسرته بلا رعاية ولا حتى سؤال سبع سنين لتتفسخ الأسرة وتضيع ، وهذا الداعية الذى يملأ الفضائيات بفتاواه المخربة للعقول ويملأ جيوبه بألوف الجنيهات والدنانير .. وهؤلاء الفضائيون الذين ينكدون على الشعب فى برامجهم المخبولة . المسرحية تصور لنا كيف تغيرت مصر .. وضاعت منها البراءة والشهامة والمروءة والكرم والصدق ، ليحل محلها الوصولية والانتهازية والتحرش والكذب والنفاق وضياع الحق .. كل هذا سيموت مع موت الروح الشريرة التى لبستنا. لا تصوروا أن العرض ثقيل الظل ، لكنه بالفعل من أكثر العروض المسرحية خفة ومرح ، وما أكثر المواقف الكوميدية التى تجعلك تضحك من أعماق قلبك ، ولكن الضحك هنا مختلف ، لأن فى الحقيقة تضحك على نفسك ، أشخاص المسرحية هى أنا وأنت وكل الناس ، وكل من كانوا يضحكون وأنا منهم كانوا يضحكون فى الحقيقة على أنفسهم ، ببساطة لأننا الذين فعلنا هذا فى أنفسنا .. نحن أبطال المسرحية . المواقف الكوميدية كثيرة .. لكن أكثر المشاهد التى تفاعل معها الجمهور - وكله من الشباب - هو مشهد المصور الذى أراد أن يلتقط بكاميرته العتيقة صورة لواقعنا الحالى فلم يجد ما يصوره .. ومع صورة أم كلثوم وحليم كان يقول الحب زمان كان كده .. ومع صور طه حسين ومحفوظ والحكيم واحسان يقول : الأدب كان كده .. ومع صورة ناصر يقول : القرار كان كده .. وتتوالى الصور التى تنقلنا الى زمن جميل راح وراحت أيامه بطل المسرحية الأول هو المبدع خالد جلال المؤلف والمخرج ، الديكور بسيط ومعبر .. والاضاءة بالغة الدقة والاحتراف .. والموسيقى متناغمة ومؤثرة .. الملابس لوحة تجريدية تأخذك لتعيش مع الفكرة .. أما الأداء فحدث ولا حرج عن هذه المجموعة من خريجى فريق المواهب التمثيلية .. شباب مبدع بكل بساطة ، ورغم أنهم لم يمثلوا من قبل الا أن كل واحد منهم مشروع فنان قدير وعظيم . شكرا لك يا خالد .. بعد أن أمتعتنا بالقهوة السادة ، عدت لتمتعنا ب" بعد الليل" لتعيدنا الى المسرح من جديد .. وتعيد لنا المسرح ممتعا ورائدا وملهما .. عشت لنا وعاش شبابك الذين ينتظرهم المستقبل كله. ساعة ونصف الساعة فى مركز الابداع الفنى مع المبدع الرائع خالد جلال وأبنائه الفنانين الشبان كانت كفيلة بأن أنتقل الى عالم اخر غير هذا العالم الذى نعيشه. طول عمرى أحب المسرح .. وأعتبره أبا الفنون بحق ، فيه يشعر المتفرج بأنه جزء من العرض الفنى ، ومنه يخرج بمتعة واحساس لاتعادلهما متعة ولا إحاسيس . سنوات طويلة لم أدخل فيها أى مسرح ، لم تكن تشدنى أية مسرحية ، قد يكون العيب فى أو فى المسرح .. لكن هذا هو ما حدث بعد أن كنت فى مطلع شبابى أحرص على حضور عروض المسرح القومى والمسرح الحديث ومسرح الطليعة ، كنت مواظبا على عروض توفيق الحكيم أبو المسرح المصرى ونعمان عاشور والفريد فرج وسعد الدين وهبة وصلاح عبد الصبور وغيرهم من عظماء مبدعى المسرح فى مصر. تصورت أن المسرح قد مات وشبع موتا .. حتى تلقيت الدعوة من الفنان المبدع خالد جلال مدير مركز الابداع الفنى لمشاهدة العرض المسرحى " بعد الليل " ،وهو عرض قام بكتابته واخراجه وديكوراته وإضاءته ثم تمثيله مجموعة متميزة من شباب مصر معظمهم يقفون على المسرح لأول مرة ، وكانوا كأنهم ولدوا على هذه الخشبة . بعد الليل الذى نعيشه هناك نهار ننتظره .. وهذا النهار مشرق بقدر ما بداخلنا من أمل وإرادة .. هذا ما خرجت به من هذا العمل الفنى الذى لم يتجاوز الساعة والنصف ساعة لكنه ملئ بألف حكمة وموعظة ودرس. إيه اللى وصلك لكده .. كلمة يمكن أن نسألها لبعضنا أو لأنفسنا ، وقد نسألها أيضا للمجتمع كله . كل تلك التشوهات فينا وفيمن حولنا ، وكل تلك التناقضات التى نمارسها ، وكل تلك الحفر التى وقعنا فيها بارادتنا أو فى غفلة منا .. تجعلنا فعلا نتساءل : إيه اللى وصلنا لكده . المسرحية هى مجموعة من الاسكتشات أو الفقرات المختلفة ولكن يربط بينها خيط واحد رفيع هو حال مصر والمصريين .. أوجاع مصر والمصريين .. أحلام مصر والمصريين .. ما أعجب الحال .. وما أقسى الأوجاع .. وما أروع الأحلام. الفكرة هى أن مصر غارقة فى بحر عميق من التناقضات تجسدها حالة الشاب " راضى " الذى تتلبسه روح شريرة مخادعة يعانى من تهيؤات بأنه أكثر من شخص فى واحد - أو هكذا فهمت - ويسأله من حوله : انت مين .. هو ايه اللى وصلك لكده . وتكون الاجابة من خلال الاسكتشات التى تظهر كل تناقضات المجتمع . فهذه الأسرة التى مات فيها الأب واختلف الأبناء على ماتركه وتخاطفوا كل شىء حتى أثاث المنزل البسيط ، وهذا الأب الذى ترك اسرته بلا رعاية ولا حتى سؤال سبع سنين لتتفسخ الأسرة وتضيع ، وهذا الداعية الذى يملأ الفضائيات بفتاواه المخربة للعقول ويملأ جيوبه بألوف الجنيهات والدنانير .. وهؤلاء الفضائيون الذين ينكدون على الشعب فى برامجهم المخبولة . المسرحية تصور لنا كيف تغيرت مصر .. وضاعت منها البراءة والشهامة والمروءة والكرم والصدق ، ليحل محلها الوصولية والانتهازية والتحرش والكذب والنفاق وضياع الحق .. كل هذا سيموت مع موت الروح الشريرة التى لبستنا. لا تصوروا أن العرض ثقيل الظل ، لكنه بالفعل من أكثر العروض المسرحية خفة ومرح ، وما أكثر المواقف الكوميدية التى تجعلك تضحك من أعماق قلبك ، ولكن الضحك هنا مختلف ، لأن فى الحقيقة تضحك على نفسك ، أشخاص المسرحية هى أنا وأنت وكل الناس ، وكل من كانوا يضحكون وأنا منهم كانوا يضحكون فى الحقيقة على أنفسهم ، ببساطة لأننا الذين فعلنا هذا فى أنفسنا .. نحن أبطال المسرحية . المواقف الكوميدية كثيرة .. لكن أكثر المشاهد التى تفاعل معها الجمهور - وكله من الشباب - هو مشهد المصور الذى أراد أن يلتقط بكاميرته العتيقة صورة لواقعنا الحالى فلم يجد ما يصوره .. ومع صورة أم كلثوم وحليم كان يقول الحب زمان كان كده .. ومع صور طه حسين ومحفوظ والحكيم واحسان يقول : الأدب كان كده .. ومع صورة ناصر يقول : القرار كان كده .. وتتوالى الصور التى تنقلنا الى زمن جميل راح وراحت أيامه بطل المسرحية الأول هو المبدع خالد جلال المؤلف والمخرج ، الديكور بسيط ومعبر .. والاضاءة بالغة الدقة والاحتراف .. والموسيقى متناغمة ومؤثرة .. الملابس لوحة تجريدية تأخذك لتعيش مع الفكرة .. أما الأداء فحدث ولا حرج عن هذه المجموعة من خريجى فريق المواهب التمثيلية .. شباب مبدع بكل بساطة ، ورغم أنهم لم يمثلوا من قبل الا أن كل واحد منهم مشروع فنان قدير وعظيم . شكرا لك يا خالد .. بعد أن أمتعتنا بالقهوة السادة ، عدت لتمتعنا ب" بعد الليل" لتعيدنا الى المسرح من جديد .. وتعيد لنا المسرح ممتعا ورائدا وملهما .. عشت لنا وعاش شبابك الذين ينتظرهم المستقبل كله.