أن تذهب إلي صالات بناء وكمال الأجسام "الجيمانزيم" أملاً في تطبيق مقولة "العقل السليم في الجسم السليم"، فتكون النتيجة لا عقلاً تنمي ولا جسداً تم بناؤه. وكل ما تحصده مجرد أفكار إرهابية، فأهلا بك في بعض صالات "الجيم" التي يستغلها إرهابيون لتجنيد الشباب وضمهم إلي الجماعات التكفيرية، وإرسال بعضهم إلى القتال مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سورياوالعراق. استغلال جماعات الإسلام السياسي لصالات "الجيم" لنشر أفكارها معروف في أوساط الإسلاميين، وهو ما كشفه صراحة اللواء عادل عزب، الشاهد في قضية "التخابر" المتهم فيها قادة جماعة "الإخوان" الإرهابية، عندما عرض أمام محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بأكاديمية الشرطة، وثيقة تثبت تجنيد الجماعة للشباب المتردد علي صالات "الجيم"، وتدريبهم داخلها تمهيداً لإدخالهم إلي قطاع غزة، بما يطرح تساؤلات حول مدي استخدام جماعة "الإخوان" لسلاح "الجيم" في تجنيد الشباب واستخدامهم في أعمال العنف التي تشهدها البلاد مؤخرًا، ما يثير الجدل بشأن تحول الصالات الرياضية إلي مُورد رئيسي للجماعات الجهادية. وتعد قصة الشاب إسلام يكن الذي غادر مصر للالتحاق بصفوف داعش الأشهر في هذا المجال، عندما بدأ رحلة تغييراته الفكرية من داخل "الجيم"، قبل أن يعتنق الأفكار الأكثر تطرفا وتشددا ويقرر الذهاب إلي سوريا للالتحاق بصفوف "داعش"، وهناك قدم عبر موقع "يوتيوب" برنامجاً لتعليم "مجاهدي الدولة الإسلامية" كيفية الحفاظ علي لياقتهم البدنية باستخدام العناصر الطبيعية باستخدام جذع شجرة، في غياب معدات صالات الحديد. بدوره، روي أحمد. ج ل"آخر ساعة" قصة التحاق ابن عمه "هادي محمد" بصفوف داعش عبر "الجيم"، قائلاً إن هادي المعروف بتنقله بين شتي المذاهب والأفكار دخل إحدى قاعات "الجيم" بمنطقة "عرب المعادي"، وهناك تعرف علي مجموعة من السلفيين المتشددين الذين استطاعوا استقطابه للانضمام إلي جماعات تكفيرية قبل أن يسافر إلي تركيا بحجة توفير مواد إنسانية وطبية للاجئين السوريين هناك، وعندما وصل إلي تركيا انتقل إلي الداخل السوري وانضم إلي صفوف "داعش" وأرسل لوالديه يخبرهما بعدم نيته العودة إلي مصر مجدداً. وأكد أحمد أن ابن عمه في الثالثة والثلاثين من عمره وانضم إلي جماعة داعش منذ منتصف سنة 2013 قبل الإطاحة بمحمد مرسي، لأنه كان يكفره وجماعته "الإخوان" لأنهم ممن اعتنقوا الديموقراطية، وأن هذه الأفكار تلقاها علي يد أحد شباب السلفيين الذي التقاه داخل صالة "الجيم"، وكان مدير الصالة لا يمانع في نشاط هذا الشاب في الدعوة لأفكاره المتطرفة ما دفع العديد من الشباب إلي مغادرة هذه الصالة بلا عودة. ويحكي "صلاح. ب" ل"آخر ساعة" تجربته في صالات "الجيم" قائلاَ: "تعرفت علي إحدى الصالات بحي شبرا وهي موجودة في شقة سكنية، ومن يمر أمام المنزل لا يدرك أن بالداخل صالة "جيم"، وما دفعني للقبول بالانضمام إليها هو تدني سعر الاشتراك الشهري، الذي لم يتجاوز 30 جنيها، لكنني اكتشفت بعد ذلك أن تدني السعر مقدمة لبعض النشاطات الغريبة المتعلقة بإشراف شيخ بأحد المساجد السلفية القريبة علي الصالة، وحرصه علي زيارتها بين كل حين وآخر، مع دعوته للمترددين علي "الجيم" بالانضمام إلي دروسه في المسجد القريب ما دفعني للمغادرة لما عرف عن هذا الشيخ من أفكار متطرفة وتحريضه علي المسيحيين بشكل مستمر. في السياق، قال كابتن محمد عماد، مسؤول التدريب في إحدى صالات الجيم بمصر الجديدة، ل"آخر ساعة" إن هناك من الأنشطة المخالفة بصالات الجيم غير المرخصة بل والمرخصة فيما يتعلق بترويج المنشطات والمكملات الغذائية غير المرخصة، لكن استخدام صالات "الجيم" كمراكز لتدريب بعض العناصر الإخوانية والسلفية، يقتصر علي الصالات المتواجدة في الأحياء الشعبية، وتلك المقامة في مناطق عشوائية يتواجد بها أنصار تلك الجماعات بكثافة، حيث يفرضون قانونهم الخاص بمنع غير المنتمين إلي هذه الصالات التي تتحول إلي أوكار إرهابية، مضيفاً: لابد من تفعيل المراقبة الحكومية علي جميع أنشطة هذه الصالات وغلق المخالف منها". ومن المعروف أن صالات "الجيم" تنتشر بكثرة في المناطق العشوائية والشعبية تحت بير السلم وفي حجرات ضيقة لا تتوفر بها اشتراطات صحية وبيئية آمنة في غيبة الرقابة والوعي وهو ما يؤدي لتفاقم مشكلة الرقابة، في ظل تقارير رسمية تتحدث عن أن ما لا يقل عن90% من صالات "الجيم" غير مرخصة وأن المسجل في اتحاد كمال الأجسام لا يتجاوز 1500 صالة معظمها في أحياء راقية وأماكن يسهل الوصول إليها، بينما قال مصدر بالاتحاد ل"آخر ساعة" إن فكرة الرقابة علي صالات "الجيم" التي تمارس نشاطات داعمة لجماعات متشددة مثله مثل من يتاجر في المنشطات غير المرخصة لابد من مواجهته من خلال تفعيل السلطة الرقابية للاتحاد الذي لا يملك قانونا إلا متابعة نشاط المراكز المرخصة فقط، أما المراكز الأخرى فمهمة مطاردتها من اختصاص الشرطة. من جهته، أكد العقيد خالد عكاشة، الخبير الأمني، ل"آخر ساعة"، أن الأزمة الحقيقية في وجود مئات الصالات المخصصة لألعاب الحديد دون ترخيص وفي أماكن شعبية لا يمكن الوصول إليها بسهولة ما يجعلها بعيدة عن المراقبة الأمنية والمجتمعية، مضيفاً: "ليس من المنطقي أن تعين الشرطة ضابطا علي كل صالة جيم لمراقبة نشاط المترددين عليه، لكن لابد من تفعيل الجهات المشرفة علي مثل هذا النشاط من أعمالها الرقابية، ولكننا نطالب بمعرفة الجهة التي تخضع لها مثل هذه الصالات هل هي وزارة الصحة أم وزارة الشباب والرياضة". وأشار عكاشة إلي أنه لا بديل عن تفعيل القانون لمتابعة مثل هذه الصالات المخالفة والتي تسمح بوجود نشاط مريب سواء عبر السماح لجماعات متشددة فكرية بالاجتماع داخل تلك الصالات، أو بترويج الممنوعات من المنشطات، وذهب إلي أن الحل الوحيد هو إغلاق جميع الصالات غير المرخصة، مع العمل علي تسجيل أسماء جميع المترددين علي صالات "الجيم" حتى يسهل تتبع من يثبت تورطه منهم في أعمال إرهابية بعد ذلك. علي مستوي تحليل الظاهرة اجتماعياً، أكد الدكتور علي ليلة، أستاذ علم الاجتماع بجامعة "عين شمس"، أن الجماعات الإسلامية تعتبر التدريبات البدنية شرطا من شروط الالتحاق بها، لأنهم يرفعون شعار العقل السليم في الجسد السليم، وهم يركزون في معاملة أتباعهم علي مفهوم التربية الشاملة، التي تعني تربية الجسد وتغذية العقل بالأفكار الجهادية، ومعروف أن رياضة رفع الأثقال رياضة لا تستوجب الكثير من الأداء العقلي والذهني، لذلك هي أنسب للعقلية المنغلقة التي يتميز بها أنصار التيارات المتشددة. وأضاف ليلة، أن التدريبات العسكرية التي تظهر علي حركات كوادر الجماعات المسلحة في سيناء يكشف بوضوح أن هناك سابق تجربة، مشدداً علي أن العوامل الاجتماعية تلعب دورا في عملية استقطاب الشباب في صالات الجيم، فعظم الشباب الذين يذهبون إلي صالات الجيم دون العشرين، ممن يغلب عليهم الاندفاع والمثالية الفكرية ما يجعل عملية تجنيدهم للانضمام إلي جماعات إسلامية تقاتل في العراقوسوريا ذات بريق، في إطار بحث كل من هؤلاء الشباب عن ذاته والقيام بمغامرة تخلد اسمه بغض النظر عن مدي إيمانه بهذا الفكر، الذي يأتي للأسف بعد تورط الشاب مع هذه الجماعات.