"جريمة سيدز" تدق ناقوس الخطر.. ماذا قال خبراء القانون عن أبشع جريمة بحق التلاميذ؟    الهيئة الوطنية للانتخابات: نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين    المؤتمر الدولي لتكنولوجيا المياه يناقش اقتصاديات مشروعات التحلية    عودة النصر للسيارات.. انطلاقة صناعية جديدة تقودها الربحية والتطوير الشامل    المستشار الألماني يستبعد عودة روسيا إلى مجموعة الثماني في الوقت الحالي    إعلام إسرائيلي: سلاح الجو استخدم 8 صواريخ في الهجوم على الضاحية الجنوبية    وكيل صلاح مصدق ينذر الزمالك بسبب مستحقات اللاعب المتأخرة    إحالة المتهم في قضية "مهندس كرموز" للطب النفسي وتأجيل المحاكمة إلى 28 ديسمبر    ضبط سائق ميكروباص خالف الحمولة القانونية بعد تداول فيديو بالفيوم    محافظ سوهاج يفتتح الملتقى العلمي الرابع لأطلس المأثورات الشعبية المصرية    شيرين عبد الوهاب ترد على شائعات اعتزالها: هفضل أغني لحد ما أموت    الصحة العالمية تكرم الزميلة أمل علام لفوزها بجائزة AMR Media    ضبط تشكيل عصابي متخصص فى سرقة الهواتف المحمولة بالإسكندرية    تأجيل محاكمة 17 متهما بخلية العجوزة    الجونة يتقدم على الاتحاد السكندري بهدف في الشوط الأول    يعمل من 5 صباحًا ل1 صباحًا .. تعرف على محطات وأسعار الأتوبيس الترددي    "تصميم وتشييد وتقييم الفاعلية البيولوجية لمشتقات جديدة من البنزايميدازول" رسالة دكتوراه بجامعة بنى سويف    لفصل بعضهم.. زامير يستدعي ضباطا كانوا على رأس عملهم ب7 أكتوبر    تشكيل إنتر ميلان ضد ميلان المتوقع في قمة الدوري الإيطالي    ب80 لوحة فنية.. ثقافة جنوب سيناء تفتتح معرض الفنون التشكيلية    بأمر النائب العام.. متابعة حالة الطفلة حور ضحية التنمر    وزير الصحة يبحث مع «جنرال إلكتريك» توطين صناعة الأجهزة الطبية    البابا تواضروس: نعمل معًا من أجل تمجيد اسم المسيح.. والكنيسة تختتم احتفالات 17 قرنًا على مجمع نيقية    "القاهرة الإخبارية": الغارة الإسرائيلية ببيروت أسفرت عن عدد كبير من الضحايا شهداء ومصابين    رئيس جامعة أسيوط يهنئ طلاب ذوي الهمم لحصولهم على 22 ميدالية    إنشاء محطة لتموين قاطرات قناة السويس بالغاز الطبيعي المسال    مركز المناخ بالزراعة يحذر من أمطار تصل لحد السيول يومي الأحد والاثنين    وكيل صحة سوهاج يكلّف لجنة مشتركة من الطب العلاجي بالمرور على مستشفى طما    أغنية إيطالية عن "توت عنخ آمون" تشعل المنصات وتعيد وهج الحضارة المصرية للعالم    الشروط والمستندات.. وظائف مشروع الضبعة النووي برواتب تصل ل45 ألف جنيه    إبراهيم بن جبرين: برنامج شركاء الأندية بكأس الرياضات الإلكترونية حقق نموا حقيقيا لنادي تويستد مايندز    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    وزارة الصحة: لقاح الأنفلونزا هام لكبار السن لحمايتهم من العدوى    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    تزايد القلق داخل ليفربول بعد السقوط أمام نوتنجهام فورست بثلاثية نظيفة    «الموسيقيين» على صفيح ساخن .. ملف «الإسكان» في قلب العاصفة والأزمة تصل للنيابة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    قصف إسرائيلي يستهدف سيارة في عيتا الشعب جنوبي لبنان    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    ترامب يستعرض قوته وتايلور جرين تظهر ضعفه.. خلاف يفجر أزمة فى الحزب الجمهورى    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال دار الإفتاء بمرور 130 عامًا على تأسيسها    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    كيف تتعامل «هيئة الانتخابات» مع المخالفات؟    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقبية التعذيب الليبية


بقلم- فراس كيلاني، صحفي في بي بي سي العربية
كان سبب زيارتي لمقر مليشيا سرايا السويحلي هو للسؤال عن أوضاع صحفيَين بريطانييَن اعتقلا في فبراير شباط 2012 قرب مصراتة ونقلا إلى طرابلس، بعد أن أخبرني دبلوماسي يعمل في السفارة البريطانية أنه قابلهما في مقر هذه المليشيا.
لم أتوقع للحظة أن جواب قائد السرايا فرج السويحلي قد يكون على هذا النحو، معطوفاً على تحذير وتهديد. فالرجل أنكر القصة من أساسها قائلاً إنه سيمنع بي بي سي من العمل في ليبيا على الإطلاق إن قمت بنشر كلمة واحدة تنتقد المليشيا التي يرأسها أو تتهمها باعتقال الصحفيين.
نجح فرج السويحلي في إخافتي ودفعي للقلق وضرورة مغادرة مقره سريعاً، فسلوك الرجل وحتى هيئته تكادان تشبهان إلى حد كبير ذاك المقدم من كتائب القذافي الذي أمر باعتقالي وتعذيبي قبل نحو عام في طرابلس، حين كنت أغطي أخبار الثورة الليبية ضد حكم العقيد معمر القذافي لصالح بي بي سي.
بحسابات الزمن، كان قد مر عام بالتمام والكمال، لكن بحسابات الجراح التي خلفتها تلك التجربة، تبدو اللحظة حاضرة بقوة، خصوصاً لدى زيارتي لمكان اعتقالي السري القريب نسبياً من مقر سرايا السويحلي، والذي أمضيت فيه ليلة كاملة شهدت فيها الكثير من أنواع التعذيب والاهانة على يد أفراد من كتيبة خميس معمر القذافي، في مركز اعتقال خلف مقر قيادة الكتيبة جنوب طرابلس، والذي يبدو أشبه بمزرعة منه بمقر اعتقال.
لم يتغير المكان كثيراً، ذات السور والباب الحديدي، يفتح على بضعة هكتارات من الارض الزراعية التي تحتوي غرفتين لاستراحة الحرس، ومستودع قديم وبعض السيارات العسكرية.
رائحة الدم واللحم البشري لا تزال تفوح من داخل المستودع ، فهنا ارتكبت واحدة من أبشع الانتهاكات خلال فترة الثورة الليبية. ففي الثالث والعشرين من أغسطس عام 2011، وحين دخلت معركة طرابلس مرحلتها النهائية بعد سيطرة الثوار على مقر إقامة معمر القذافي في باب العزيزية وسط العاصمة، تعرض نحو مئة وخمسين سجيناً كانوا في هذه المزرعة التي تعرف ب"خلة الفرجان" لعملية إعدام جماعي، حين القى الحراس قنابل يدوية داخل المستودع، ثم أطلقوا النار على من بقي حياً. من أسعفهم الحظ، وكانوا نحو خمسين شخصاً، استطاعوا الهرب. أما من قضى، فقد أحُرقت جثته في محاولة لإخفاء أدلة الجريمة.
كانت بعض البقايا البشرية لا تزال موجودة في المستودع حين عدت لزيارته بعد عدة أشهر على الحادث الذي لم يجر أي تحقيق رسمي بشأنه من قبل السلطات الليبية حتى اليوم.
وكان السؤال الذي يلح علي حينها، هل كنت لأنجو مع من نجا من هذه المجزرة أم سأقضي مع من قضى في هذا المكان الموحش.
يختصر ما جرى في مركز اعتقال "خلة الفرجان" ما كان يمكن أن يواجهه أي ليبي طيلة فترة حكم الجماهيرية الذي استمر لأربعة عقود، وهو، بالنسبة للكثيرين، احد الاسباب الرئيسية التي كانت وراء اندلاع ثورة السابع عشر من مدينة بنغازي.
فالحراك حين بدأ كان في الاساس رداً على تاريخ مرير من الانتهاكات التي تعرض لها الليبيون طيلة أربعين عاماً ونيف، اعتقالات وتعذيب واختفاء قسري وحروب قضى فيها الآلاف من دون أن يعبأ المسؤولون حتى بإبلاغ ذويهم. لكن سقوط نظام الجماهيرية الذي إنتهى بمقتل معمر القذافي لم يضع حداً لقصص الانتهاكات، وإن كانت معكوسة هذه المرة، لانها اتخذت صيغة ثأر لا يزال مستمراً وتتهم مليشيات مسلحة كتلك التي يقودها فرج السويحلي بممارسته.
هذا هو الأمر الذي حاولت التحقق منه في زيارتي الاخيرة لليبيا، خصوصاً تلك الانتهاكات التي تؤكد منظمات حقوقية أنها تشمل محسوبين على النظام السابق من بلدة تاورغاء المجاورة لمدينة مصراتة.
في طرابلس كان أول ما ينبغي زيارته للتأكد من هذه المزاعم هو مركز إقامة اللاجئين التاورغيين في مخيم جنزور الذي كان قد تعرض لهجوم في الاسبوع الاول من فبراير شباط اسفر عن مقتل سبعة أشخاص.
في هذا المكان الذي يضم أكثر من ثلاثمائة عائلة، لا يكاد يخلو بيت من قصة مفجعة، يقال إن ابشعها ما يزال مستمراً. يؤكد من التقيتهم هنا أن مسلحي مصراتة هم من هاجموا المخيم، وأنهم لا يستطيعون مغادرة المكان خوفاً من اعتقالهم وقتلهم تحت التعذيب.
أحد الشبان الذين رفض الكشف عن هويته أبلغنا أنه فر من السجن بعد أن احيل إلى المستشفى. بدا جلده مسلوخاً في بعض مناطق جسده نتيجة ربطه وسحبه بسيارة من قبل مسلحي مصراتة الذين ألقوا القبض عليه قرب بني وليد.
جميع سكان المخيم من الليبين سمر البشرة، وهم أحفاد عبيد سابقين تحرروا قبل اربعة عقود ولطالما تعرضوا للتمييز. ويتهمهم سكان مصراتة، وخاصة الشباب والرجال، منهم الذين تطوعوا مع كتيبة خميس القذافي، بأنهم اغتصبوا النساء خلال حصار المدينة الذي استمر أكثر من أربعة أشهر. وهو السبب الذي دفعهم للثأر منهم، كما يقال، وعدم السماح لهم بالعودة إلى بلدتهم التي هجروها بعد هزيمة قوات القذافي، بل وابعد من ذلك أحراق غالبية منازل البلدة ونهبها بالكامل.
لكن التاورغيين ينكرون صحة هذه الاتهامات، ويردون بأن الثورة أعادت إحياء جذور التمييز العنصري ضد الليبيين سمر البشرة وبالتحديد لدى أهل مصراتة.
وتبدو عملية إثبات حدوث الاغتصاب شبه مستحيلة في مجتمع قبلي شرقي مسلم كما هو الحال في مصراتة، ولكن ذلك لا يعني بالتأكيد أن الاغتصاب لم يقع. منظمة هيومان رايتس ووتش لم تتمكن سوى من توثيق خمس عشرة حالة اغتصاب في كل أنحاء البلاد طيلة فترة الثورة الليبية، لكن ليس في مصراتة.
التاورغيون ممن التقيتهم، وبينهم من أدلى باعترافات مصورة بأنهم أقدموا على اغتصاب نساء مصراتة، أنكروا أن يكونوا قد أقدموا على تلك الافعال، وقالوا بأن كل الاعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب.
يقول ميلاد الاشيكح، نائب قائد جحفل "تاورغاء"، المعتقل في أحد سجون "أمن الجيش الوطني" في مصراتة، إنه لم يسمع بأي أوامر باغتصاب النساء في مصراتة إلا بعد أن اعتقل في نهاية المعارك، وأن أياً من هذه الحالات لم تجر تحت قيادته.
لكن المفجع في الامر أن تقارير المنظمات الحقوقية تؤكد استمرار مليشيات من مصراتة بملاحقة التاورغيين في أنحاء البلاد وقتلهم بعد تعذيبهم بسبب هذه الاتهامات، كما اشارت الكثير من التقارير إلى وفاة معتقلين في سجون مصراتة الرسمية.
ولا ينكر بعض مسؤولي المدينة ممن رفضو الكشف عن هويتهم حدوث مثل هذه الانتهاكات بحق التاورغيين، خصوصاً في الايام الاولى لسقوط نظام القذافي على ما يقولون، لكنهم يؤكدون توقفها اليوم.
وتوضح مقبرة جماعية تدعى "فندق جنات"، أعدت في مصراتة لقتلى كتائب القذافي ومن تطوع معهم، وجود أكثر من ستمائة وخمسين قبراً يعود جزء غير معروف منها لتاورغيين قتلوا بعد انتهاء العمليات القتالية.
ويقول ناشطون حقوقيون ليبيون من المدينة إن المقبرة لا تزال مشرعة لاستقبال المزيد من الجثث.
ورغم مرور أشهر على سقوط نظام القذافي، لم يعتقل أي شخص من هذه الميليشيات بتهمة الاعتداء أو تعذيب او قتل أيٍ من المحسوبين على النظام السابق.
ويرفض فرج السويحلي التعليق بعد ان سألته بشأن اتهامات تشمل المليشيا التي يقودها بأنها ضالعة في ارتكاب انتهاكات خطيرة ، بل ويشير إلى أنه لا يسمح على الاطلاق لأي كان بتوجيه أي اتهام لأحد أفراد كتيبته.
ويبدو أن ثمة تحد كبير أمام السلطات الليبية اليوم لإثبات قدرتها على محاسبة هذه الميليشيات أمام سلطة مدنية.
فمع جيش يضم الآلاف تحت أمرته، يعتبر فرج السويحلي نفسه حارس الثورة، رغم أنه وافراد كتيبته متهمون بأنهم يعملون خارج أي سلطة أو قانون.
وفي هذه النقطة بالتحديد لا يبدو أن ثمة فوارق جوهرية بين ممارسات هذه المليشيات وممارسات كتائب القذافي وأجهزة الامنية طيلة أربعة عقود، خصوصاً وأن المجلس الانتقالي والحكومة المؤقتة يبدوان عاجزين عن ضبط ممارسات هذه المليشيات، أو حتى مجرد التحقيق فيها، تماماً كما حصل فيما يتعلق بالهجوم على مخيم جنزور ومقتل سبعة من سكانه.
وليس من المبالغة في شيء القول بأنه لن يكون باستطاعة طرفي الصراع إنجاز مصالحة تاريخية دون التوصل لتفاهم بشأن بشاعة ما جرى وما ترتب عليه لاحقاً.
فالجراح التي خلفها حكم القذافي وتلك التي ارتكبت خلال الثورة وبعدها لا تزال تنزف، ومعرضة للالتهاب مجدداً، بل وربما التعفن، خصوصاً وأن مخلفات المرحلة السابقة ليست بالأمر الهين على الإطلاق.
فالثورة أنهت ديكتاتورية مزمنة، لكن البديل لا يزال غامضاً جداً، ومن يملك مفاتيح الحسم حتى اللحظة هي تلك المليشيات المسلحة الشبيهة بسرايا السويحلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.