أنا أريد ما يريده الشعب وأرضى بما يحكم به وإيماني أننا مع المخلصين من أبناء هذا الشعب وهم كثيرون وكثيرون نستطيع أن نوفر للشعب إرادته ومشيئته الحقيقية. هذه هي كلمات الرئيس الراحل أنور السادات والتي تعبر عن أن قرارات الشعب المصري هي أوامر للسلطة الحاكمة دون النظر إلى أي ضغوط خارجية، ولكن بعض الدول تتصور أنه يمكن أن تفرض إرادتها على الشعب المصري. ففي الآونة الأخيرة أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن إنقاص معونتها إلى مصر لرفضها ما يحدث من تغيرات سياسية، وهو ما يعد تدخل سافر في الشئون الداخلية المصرية، ولكن كيف بدأت المعونة ولماذا تتوقع واشنطن أن تكون أهميتها بالغة لدرجة تجعل السلطات تخضع لها. ووفي بداية البحث وجدنا دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط حول المعونة الأمريكية في عام 1998 بعنوان "المعونة الأمريكية لمصر بناء شراكة للقرن 21"، وشرحت الدراسة كيف بدأت المعونة الأمريكية لمصر عقب حرب أكتوبر 1973، بما يقدر ب2.1 مليار دولار سنويا قد تقل حسب الظروف الاقتصادية بدون قصد أو تعمد. وتم تخصيص 1.3 مليار دولار كمعونة عسكرية، وتقسم 815 ألف دولار على كافة الأوجه الاقتصادية. ومع القرار الأمريكي لخفض تلك المعونة على خلفية الأحداث السياسية في مصر بأعقاب ثورة ال30 من يونيو وعزل الجيش للرئيس محمد مرسي، بررت الولاياتالمتحدة تلك الخطوة بأنها جاءت للمحافظة على حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر والتي تأهل الولاياتالمتحدة في عودتها إلى مسارها الصحيح تظهر العديد من التساؤلات حول مدى تأثر الاقتصاد المصري بتلك الخطوة. يرى المستشار الاقتصادي لمفوضية العلاقات الأوروبية د. صلاح جودة أن القوات المسلحة قادرة على الاستغناء عن المعونة الأمريكية بالكامل ولكن عن طريق إتباع عدد من الآليات ومنها تحرير القرار المصري السياسي والعسكري من الهيمنة الأمريكية، والاعتماد على تنوع مصادر السلاح للجيش المصري والاتجاه إلى شرق أسيا كالصين والهند واليابان. ويضيف جودة بأن امتلاك القوات المسلحة لأحدث ما في العصر من تكنولوجيا وسلاح وليس ما توافق عليه أمريكا فقط لتكون خلف إسرائيل بخطوات من أهم تلك الآليات، وكذلك الاتجاه إلى الاعتماد على المجهود الذاتي وتشغيل الهيئة العربية للتصنيع والمصانع الحربية لإنتاج السلاح وقطع الغيار بالتعاون مع روسيا والصين وإيران وباكستان والهند واليابان. وأكد جودة على أن دخول مصر لمنطقة تصنيع السلاح وتصديره بالإضافة إلى زيادة كفاءة البحث العلمي لمصر حتى تتمكن من الاستفادة من القيمة المضافة كما تفعل بعض الدول المحيطة وخاصة إسرائيل سيساعد على التخلص من المعونة. فيما يرى المستشار السابق لصندوق النقد الدولي د.فخري الفقي أن خفض المعونة الأمريكية عن مصر عبارة عن لعبة موازنات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والكونجرس الذي أوقف تمرير موازنة الدولة. و يضيف الفقي بأن مديونيات الولاياتالمتحدة الأمريكة مرتفعة جداً وتصدع أمريكا في صدارة الدول المدينة، ومع رغبة أوباما في تمرير الموازنة التي تحمل مشروعه الأول للرعاية الصحية، فطالب الكونجرس بخفض بند المساعدات المقدمة لدول الشرق الأوسط ومنها مصر من أجل تمرير الموازنة. وأشار الفقي إلى أن خزانة الولاياتالمتحدةالأمريكية بها من الأموال ما يكفي حتى ال16 من أكتوبر، والتي لن يكن بها أي دولار في ال17 من أكتوبر مما قد يمرر مشروع خفض المعونة المقدمة لمصر رسمياً كما حدث في عام 1995 في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك. وأكد الفقي على أن خفض المعونة العسكرية المقدرة ب1.55 مليار دولار سخلق خلل في منظومة الصواريخ المصرية وعملية التسليح للجيش المصري مما يتوجب على القوات المسلحة بالبحث على سبل جديدة ومتنوعة للتسليح بالإضافة إلى توفير الأموال السائلة التي ستساعد على شراء الأسلحة. بينما أشار الفقي إلى أن قطع المعونة الأمريكية بالكامل سيخلق حالة من التأثر على الاقتصاد وخاصة الشركات التي تستفيد من الضمانة التي تمنحها الحكومة الأمريكية للشركات المصرية مما سيؤدي لتحمل تلك الشركات تكاليف بوليصات التأمين من أجل الواردات. وطالب الفقي الحكومة المصرية برئاسة حازم الببلاوي بضرورة التحكم في عجز الحد الأدني والأقصى للأجور والأرباح من أجل التقليل من مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على النقد والاستثمارات. وتعجب الفقي من خفض الحكومة المصرية للتمثيل الدولي بصندوق النقد الدولي على خلفية مراجعته للأوضاع في مصر والذي سيسمح لعدد من الدول بعينها من توصيل عدد من المعلومات الخاطئة عن الوضع بمصر دون وجود من يوضح الصورة الحقيقية. وقال الخبير في الشئون الإفريقية د.أيمن شبانة إن المعونة الأمريكية إذا تم منعها فأنها لن تؤثر على الاقتصاد المصري في شيء، وموضحاً بأن المعونة يتم الحصول عليها بصيغة تعاقدات مع الشركات الأمريكية وليس كمبلغ مالي. وأضاف شبانة أن أمريكا أعلنت هذا القرار لحفظ ماء وجهه أمام الدول الغربية، مؤكدا أن زيارة واحدة من الفريق أول عبد الفتاح السيسي كفيلة بتراجع واشنطن عن رأيها. وأكد شبانة على أن دلالة منع المعونة أو اقتطاعها عن مصر يشير إلى أن القرارات المصرية نابعة من شعبها وليست إملاءات خارجية. بينما أشار د. فرج عبد الفتاح أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة إلى أن القرار الأمريكي بخفض المعونة الأمريكية عن مصر لن يكون نهائياً ولكنه سيمر بعدد من المراجعات خلال الفترة القادمة لأنها بحسب رأية تصب في صالح الولاياتالمتحدة أكثر من مصر. وقلل عبد الفتاح من تأثير قرار خفض المعونة أو قطعها على الاقتصاد المصري و الذي يعتمد على الموارد الذاتيه أكثر منها على المعونات والمنح بينما المعونة الأمريكية فكانت تعود للولايات المتحدةالأمريكية في صورة شراء أسلحة وصيانتها.