وايكاروس هو بطل الأسطورة الأغريقية القديمة الذي صنع لنفسه جناحين من الشمع و بهما أستطاع التحليق عاليا حتى وصل الي الشمس التي جعلت ريشاته تنصهر فيسقط في البحر. القصة طويلة الهمت العديد من الكتاب. غير أن شاعراً ألمانياً هو" أرنست ياندل" استطاع أن يحكيها في كلمات قليلة تحت عنوان (ايكاروس) و جعلها القصيدة الرئيسية في ديوانه الأول يريد بها ان يتحدث عن الهزيمة المقترنة بالنصر و النجاح المفضي إلى فشل: ايكاروس طار..ايكاروس سقط..ايكاروس يطير عاليا فوق الآخرين. وطوال الوقت كان ياندل يصنع لنفسه أجنحة من شمع الكلمات يريد أن يعلو بها فوق الجميع كما قال عن نفسه: لا أريد أن أكون كما يحلو لكم!. وكان هذا السبب الأساسي وراء سقوطه فريسة للاكتئاب. وكان ياندل صموتاً غير راغب في الثرثرة، كلامه قليل، في أحايين كثيرة كلامه يطفح بالسخرية التي تجلت في قصيدته "حشرجة الموناليزا"_ متهكماً من ابتسامتها! هذه الأبتسامة التي سرقت "دافنشي" لسنوات ليرتفع و لكن بحذره المعهود اذ كانت الكنيسة تتهمه بالهرطقة بسبب رسومه و مخطوطاته التي حلم بتنفيذها لكنه احجم خوفا من ان يشعلون النار تحت قدميه! والسقوط المرادف للنجاح ربما كان في صورة الضياع النفسي للمبدع، الصورة التي تم تلخيصها في خطبة قيلت أثناء توزيع جوائز نوبل و ذلك أثناء منح "أرنست هيمنجواي" جائزته على " العجوز و البحر" سنة 1954 عندما تلا سفير الولاياتالمتحدة بالنيابة، أقصر خطاب في التاريخ ورد فيه "أن يكتب الكاتب بكل ما لديه من جهد، فهذا يعني أن يحكم على نفسه بالعزلة". هيمنجواي كان قد ضاق ذرعاً من تجاهل النقاد له حتى اضطر أن يهتف مرة: أن كتابي عظيم، لذلك قرأته 256 مرة !! وتحول قنوطه إلى يأس عام: "ليس تهديد القنبلة الذرية، في نظر الموهوبين، بأخطر من الشيخوخة ونزيف الدماغ، فليستأنفوا عملهم دون أن يهتموا بما تبقى !". ويضيف في وقت لاحق (1954): "الانسان لا يذكرني بأي شيء". ثم انهى كل حيرته وكل مجده بأن وضع بندقيته أمامه ثم ضغط زنادها بأصبع قدمه وانتحر! قصة ايكاروس تتكرر مراراً، وكما كانت أسطورة سيزيف تتكرر في كل حالة يدحرج أصحابها صخرة الكفاح بأعلى جبل العمر، تنقلب عليهم الآية و يعودون إلى السفح ليبدأ اضحاب العزم منهم من جديد، وكما كانت أسطورة تنتالوس الذي يميل عليه فرع الشجرة فيمد يده يتناول التفاحة ليرتد الفرع بعيدا، وكلما ملأ كفه من ماء النهر ليشرب تسرب الماء من بين اصابعه وجف النهر، فلا يموت جوعاً وعطشا ليستريح بل يعاود الكرة للأبد؛ وكذا نأمل وتخيب آمالنا، نحلم ونستيقظ على كوابيس. ونصنع من شمع الطموح الابيض ريشات النجاح ثم نحرك اجنحة الهمة الي شمس المجد. لكن الحرارة دائما عالية لا تطاق. وما يطير الطير ويرتفع ، إلا كما طار ايكاروس ..ووقع!