ذهبت الى مكتب أستاذى جلال عيسى مدير تحرير الأخبار في التسعينات.. وكان هدفي من الزيارة البحث عن إجابة لسؤال محير عن علاقة الكاتب الكبير موسى صبري بالمطربة ياسمين الخيام، وهل فكر فعلا في الزواج منها.. وماذا كان موقفها؟!! كنت وأنا أجلس في مواجهة الكاتب الكبير جلال عيسى – رحمه الله – قد استحضرت كل اسرار المطربة الشهيرة التي كانت ملء الأسماع والأبصار حيثما كانت تغني.. وحينما اعتزلت الفن.. ففي الحالتين أثارت ضجة كبرى فتحت شهية الرأي العام لمعرفة أسرار هذه الفتاة التي دخلت عالم الفن وهي ابنة كبير وعميد مقرئي القرآن الكريم الشيخ محمود خليل الحصري.. وأصابت الناس دهشة فكيف لابنة هذا الرمز الديني الكبير أن تقف على خشبة المسرح وتصدح بالغناء العاطفي عن الحب والهجر والشوق والهيام!! وكان يصاحب هذه الضجة الكبرى مع دخولها العالم الفنى المثير للكلام واللغط أنها دخلت هذا المجال من أوسع أبوابه وبتوصية خاصة من رئيس الجمهورية الرئيس محمد أنور السادات الذي قام باختبار صوتها بنفسه داخل بيته بالجيزة! وكان الناس يتساءلون عن الاسم الفني الذي ستظهر به المطربة الجديدة وسط هذه الضجة، فاسمها الحقيقي "إفراج محمود خليل" وهو بهذه التركيبة لن يصلح للكتابة على الأفيشات ولن يحفظه الناس بسهولة، بل ربما يكون سببا في فشل صاحبته مهما كانت حلاوة صوتها!..و لهذا اختار لها الرئيس الراحل أنور السادات اسمها الجديد بعد مباركة زوجته السيدة جيهان السادات.. وبالفعل خرج الاسم الجديد الى النور، وبدأ الناس يعرفون أن ابنة الشيخ الحصري صار اسمها "ياسمين الخيام" دون ان يعلموا من الذى اختار لها هذا الاسم! وقبل أن تهدأ ضجة ظهور ياسمين الخيام فاجأ الكاتب الكبير مصطفى أمين قراء "فكرة" التي يكتبها يوميا في الصفحة الأخيرة بالأخبار بهجوم حاد على المطربة الجديدة.. وكانت كلمات مقاله مثل طلقات مدفع رشاش ضغط صاحبه على الزناد بلا توقف.. ولأن "فكرة" مصطفى أمين كان يقرأها ملايين القراء كل صباح فقد أغضب المقال جميع الأطراف، الرئيس وزوجته والمطربة الجديدة والذين هللوا لها في جميع وسائل الإعلام، فقد كشف مصطفى أمين حقائق لم تكن معروفة وفهم القراء من مقاله المثير أن هناك مؤامرة ضد كوكب الشرق أم كلثوم، وأن هناك محاولات لتقديم مطربة جديدة ترعاها كل أجهزة الدولة لتنافس أم كلثوم وتحد من شعبيتها الجارفة!!.. وقال مصطفى أمين في نهاية مقاله أنه لا يمكن صناعة أم كلثوم جديدة بقرار رئاسي!!.. ولأن شائعة مدوية كانت منتشرة بين الناس في هذا الوقت وتحكي عن أزمة وقعت بين جيهان السادات وأم كلثوم فقد تعاطف الناس مع مقال مصطفى أمين، بينما حرصت جيهان السادات على أن تحكي للرأي العام قصة ظهور ياسمين الخيام، وكأنها تريد أن ترد على مقال مصطفى أمين وتثبت أنها لم تتعمد على الإطلاق محاربة كوكب الشرق وإنما هي تحمست فقط لصوت غنائي جديد سوف تلتف حوله الجماهير!.. قالت جيهان بالحرف الواحد: - ياسمين كانت موظفة بمجلس الشعب، وفي إحدى المرات كانت برفقة حرم رئيس وزراء الأردن أثناء زيارتها لي في استراحة القناطر، وفوجئت بحرم رئيس الوزراء الاردنى تخبرني أن الموظفة المرافقة لها تمتلك صوتا جميلا فقد سمعتها وهي تدندن أثناء الرحلة.. وعلى الفور أرسلت استدعي هذه الفتاة وطلبت منها أن تغني أمامي.. وكانت مفاجأة أنني اكتشفت قوة وحلاوة صوتها فدعوتها لزيارتي في المنزل.. وطلبت منها أن يكون في صحبتها والدها المقرئ الشهير محمود خليل الحصري!. هذا ما قالته جيهان السادات للكاتب المعروف مصطفى بكري، لكن ماذا حدث في بيت الرئيس حينما ذهبت الفتاة ووالدها؟!.. نترك ياسمين الخيام هذه المرة تروي بنفسها قصة هذه الزيارة بالحرف الواحد – أيضا -!.. تقول: ** كان الرئيس يقف في بلكونته التي تطل على حديقة فسيحة.. ويبدو أنه كان ينتظرنا فعلا.. ورحب بنا بحفاوة، فقد كانت لوالدي معزة خاصة لديه.. واتجهنا الى الداخل، وما أن جلسنا حتى فاجأنا الرئيس بقوله إن السيدة حرمه أبلغته أن للشيخ الحصري ابنة صوتها أكثر من رائع.. ثم قال الرئيس أنه يريد أن يتأكد بنفسه من هذه المعلومة!!.. ولما أجاب والدي بأن صوتي رائع في قراءة القرآن قاطعه السادات بأنه يريد أن يسمعني وأنا أغني!.. وأمام طلب الرئيس أخفيت وجهي عن والدي وبدأت أغني فلم يكن والدي قد استمع لي قط وأنا أغني.. طلب السادات مني أن أغني لأسمهان وأم كلثوم وكان يطرب مع كل أغنية ويرتفع صوته قائلا: "الله.. الله.. الله" بينما كنت أنا أتحاشى النظر الى أبي حتى لا أرتبك وأتلعثم ويصيبني الخوف!.. أما السيدة جيهان فكانت تروح وتجئ وهي مرفوعة الرأس وكأنها تريد أن تقول للسادات: ": . صدقتني!!".. لازلت أجلس أمام الأستاذ جلال عيسى مدير تحرير الأخبار.. ولا زال شريط الاسرار يتدفق وتتلاحق مشاهده أمام عيني.. لقد انطلقت ياسمين الخيام بسرعة الصاروخ وتبناها الكاتب الكبير موسى صبري مجاملة للرئيس وحرمه وفتح لها كل صفحات جريدة الأخبار وقلده آخرون ممن أرادوا المشاركة فى الزفة الاعلامية وتقديم المطربة الجديدة كقنبلة فنية في وسائل الإعلام! الإذاعة تكرر أغنياتها فى جميع المحطات.. التليفزيون ينتهز الفرص والمناسبات لتقديم أغنياتها من خلال جهد واضح فى الإخراج.. الصحف تتابع أخبارها، وتنشر صورها، وتجعل من تغيير اسمها بعد حذف اسم والدها المرحوم محمود خليل الحصرى، من باقى اسمها.. وجعلت الصحف منها قضية تشغل بها الناس، وتثير فضولهم.. ثم أصبحت "ياسمين الخيام" القاسم المشترك فى جميع الحفلات التى تنقلها الإذاعة والتليفزيون على الهواء.. ومرة أخرى جعلت الصحف من اتجاه "ياسمين الخيام" من الغناء الدينى الى العاطفى قضية جديدة من خلال الأخبار العديدة التى تنشر حول هذا الاتجاه الجديد.. ولم تكن ياسمين الخيام تستطيع أن تجند بمفردها كل وسائل الإعلام. وحدث ان حضرت حديثا خاصا لمصطفى أمين كان يهاجم فيه فكرة تقاعد الفنانين ببلوغهم سن الستين كموظفى مصلحة المجاري(!).. وقال للحضور فى مكتبه جملة لا انساها ابدا : - ".. ومن بخت أم كلثوم أنها ماتت قبل أن يظهر هذا الاتجاه، ويصدر قرارا بإحالتها الى المعاش لبلوغها السن القانونية، وتعيين ياسمين الخيام كوكب الشرق بدلا منها!". .. لكن ياسمين الخيام تفاجئ الجميع بعد سنوات قليلة بقرار اعتزالها الفن وتعلن على الملأ أنها لن تقدم إلا الأغنيات الدينية، وتبدأ صورها بالحجاب تحل تدريجيا بدلا من صورها الأولى التي كانت تكشف عن شعرها ووجهها.. إلا أن أزمة كبرى تتفجر فجأة على صفحات الجرائد ويعود اسم ياسمين الخيام بقوة الى الأضواء فقد بدأت جريدة الوفد التي كان يرأس تحريرها في هذا الوقت الصحفي الكبير مصطفى شردي تلمح الى أن خبرا سعيدا قد يربط بين الكاتب المعروف موسى صبري وياسمين الخيام!.. وحدث هرج ومرج كبير وضرب الناس كفا بكف وهم يبحثون عن أصل الخبر وإن كان حقيقة أم شائعة.. وحدثت مواجهة مرعبة بين موسى صبري ومصطفى شردي في إحدى حفلات الزفاف التي حضرها الاثنان.. ونترك موسى صبري يروي بالحرف الواحد قصة هذه المواجهة، يقول: - .."" ثم بدأوا يغمزون عن علاقة لي مع المطربة ياسمين الخيام والهدف الرخيص الخسيس معروف، فهي ابنة المرحوم الشيخ محمود خليل الحصري عميد القراء المصريين!.. وربما كان ذلك هو الخبر الوحيد الذي آلمني مما دفع الكاتب عبدالرحمن الشرقاوي للاتصال بدافع من ضميره بالباشا فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد فوعد بتكذيب الخبر.. لكنه لم يفعل!.. واتصلت به ياسمين الخيام ليكذب الخبر.. لكنه لم يفعل أيضا فأمضت أياما وليال تبكي هذا التشهير بسمعتها وهي ابنة الشيخ الكبير.. وحدث خلال ذلك أن دعاني ابراهيم سعدة الى حفل لأحد أقاربه، ورأيت مصطفى شردي على مائدة مجاورة فقررت أن أضربه، وصممت على ذلك، لولا تدخل الزملاء!! كانت المشاهد والاسرار المثيرة تتلاحق فى ذهنى حتى سألت أستاذي جلال عيسى قائلا: الآن مات السادات.. ومصطفى شردي.. وموسى صبري.. وبقيت حقيقة واحدة هي التي جئت الى مكتبك من أجل معرفتها فقد تعلمنا منكم أن الصحفي يجب أن يبحث عن الحقيقة وألا يكتفي بما يسمعه وإلا أصبح مثل أي قارئ! اسأل ما شئت؟! علمت أنك كنت تحمل رسالة من موسى صبري الى ياسمين الخيام بعيدا عن كل ما نشر، والقيل والقال، فماذا كان مضمون هذه الرسالة؟! صمت جلال عيسى لحظات، وأدركت أنه توقع أن أسأله في أية مواضيع، إلا هذا السؤال، ولما كان قد وعدني بأن يرد بصراحته المعهودة هز رأسه ثم تنهد وقال: لم أكن هذا الوسيط، وإنما صحفي آخر حمل رسالة يطلب فيها موسى صبري أن يعرف رأي ياسمين الخيام من فكرة زواجه منها.. كانت الرسالة شفوية.. ورد ياسمين الخيام شفويا أيضا حينما رفضت الفكرة .. شكلا وموضوعا.... .. وردت ياسمين _ كما يروى هذا الوسيط _ بأن موسي صبري مسيحي، فكيف يفكر في الارتباط بها؟!. فتركها الوسيط وقابل موسي صبري ثم عاد ينقل إليها على لسان صديقه موسي.. أنه أسلم في الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سنوات.. ومعه بطاقة تؤكد إسلامه.. ولهذا لم يستغرب أمر زواجه من ياسمين الخيام.. إلا أن المطربة الكبيرة رفضت العرض جملة وتفصيلا.. واصابتها موجات متلاحقة من الغضب! يقول الاستاذ جلال عيسى : * ويبدو أن هذا الخبر هو الذي تسرب الى جريدة الوفد فراحت تنسج منه الحكايات!! وأخيرا اختارت ياسمين أن ترجع الى سابق عهدها وانهمرت من عينيها دموع الندم على تجربة قاسية لم تكن هي التي سعت إليها!.. ارتدت الحجاب مرة أخرى واعتكفت في مسجد والدها بمدينة السادس من أكتوبر، ودأبت على حضور مجالس العلم.. ومضت من صفحة بيضاء الى صفحات أخرى أكثر بياضا.. وصارت ترفض بقوة أي حديث عن تلك الفترة التي شطبتها من حياتها تماما!.. وصار منزلها هدفا لكل الفنانات المعتزلات والراغبات فى فتح صفحة جديدة مع الله !!