موعد تغيير الساعة للتوقيت الشتوي 2025 في مصر وكيفية ضبطها    هل بدأ عهد التوافق بين الفصائل الفلسطينية؟.. عماد الدين حسين يجيب    الزمالك يوضح حجم إصابة نجميه    رئيس الوزراء الماليزي يلتقي المفتي في كوالالمبور ويشيد بدور مصر في نصرة قضايا الأمة    أسعار اللحوم مساء اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    رغم زيادة الوقود.. الزراعة تؤكد استقرار أسعار اللحوم وتتعهد بمواجهة الغلاء    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات ختام الأسبوع على ارتفاع جماعي لمؤشراتها    وزارة النقل: ميناء أكتوبر الجاف يوفر فتح بيان جمركى والكشف والمعاينة بنفس الوقت    رئيس أفريكسيم: أصول البنك تضاعفت 6 مرات فى 10 سنوات لتتخطى 40 مليار دولار    الكنيسة الكاثوليكية تشارك في أعمال المؤتمر الدولي السادس لمجلس الكنائس العالمي    الشهابى: نجاح مؤتمر شرم الشيخ واستقبال الرئيس السيسى فى أوروبا يجسدان ثقة العالم فى دور مصر    مسئولون اسرائيليون يشككون فى قدرة قواتهم على تدمير أنفاق غزة    مسؤول روسي: إمكانية التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة لا تزال قائمة    ضمن مبادرة "صحح مفاهيمك".. ندوة علمية حول الأمانة طريق النجاح بأوقاف الفيوم    السباحة تواصل التألق.. 13 ميدالية و4 كؤوس لمصر في بطولة أفريقيا للمياه المفتوحة    مواعيد مباريات الجولة 12 من الدوري المصري والقنوات الناقلة    محمد الغزاوي: عمومية الأهلي تضرب المثل في الوعي والانتماء    إيقافات وغرامات بالجملة على الأهلي، عقوبات الجولة ال11 للدوري المصري    السيطرة على حريق ب3 منازل بعد اشتعال أشجار النخيل بجوار كوبرى بنجا بسوهاج    بعد جريمة الصاروخ الكهربائى.. سر الأكياس السوداء خلف كارفور الإسماعيلية.. فيديو    جمارك مطار أسيوط تحبط محاولة تهريب كمية من مستحضرات التجميل    النجوم وأبناؤهم يخطفون الأضواء على السجادة الحمراء لحفل ختام مهرجان الجونة    المتحف المصرى الكبير.. جسر حضارى يربط بين ماض عريق ومستقبل طموح    طلال ناجي: كل الشكر لمصر العظيمة لجهودها لوقف إطلاق النار بغزة    لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت.. أزهرى يجيب عن حكم قبول الهدايا.. فيديو    إنجاز دولى.. انضمام الدكتور عصام الطوخي لمجلس إدارة مؤسسة طب العيون العالمية    ضبط تشكيل عصابي للترويج للأعمال المنافية للآداب بالمنيا    ضبط طن لانشون غير مطابق للمواصفات بمدينة قها    رئيس نادي المنصورة: لن أتنازل عن حلم الصعود إلى الدوري الممتاز    القاهرة الإخبارية تكشف: ضم الاحتلال للضفة الغربية قائم رغم نفى واشنطن    وزارة الرى تعلن أسباب ارتفاع منسوب النيل وتؤكد: الاستمرار فى إزالة التعديات    لأصحاب الإيجار القديم.. الأوراق المطلوبة للحصول على شقة من الإسكان البديل    ضبط 3997 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    إنقاذ حياة شاب تعرض لحادث واستئصال ورم بجدار البطن لسيدة بمستشفى الإبراهيمية بالشرقية    محافظة الجيزة تخصص شاشات عرض كبرى بالميادين لمتابعة افتتاح المتحف المصري الكبير    مين الفنجري ومين اللي بيحسبها بالقرش؟.. كيف يختلف الإنفاق على الشراء بين الأبراج؟    تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين تعلن عن مرشحيها في انتخابات مجلس النواب 2025    مريضة تهدد طبيبة نساء بالسحق.. أطباء بني سويف توضح ملابسات الواقعة "تفاصيل"    ليفربول قد يخسر مهاجمه أمام برينتفورد    ساندويتش السمك المشوي.. وصفة المسلسلات التركية (طريقة تحضيرها)    "حماس" تسلّم جثتي إسرائيليين مساء اليوم    واشنطن تحدد مسار المرحلة الثانية من خطة ترامب لغزة وسط تحفظات عربية وإسرائيلية    وزير الدفاع والفريق أحمد خليفة يلتقيان رئيس أركان القوات البرية الباكستانية    تفاصيل حالة ابتسام زايد بعد إصابتها القوية ببطولة العالم للدراجات    آس: رافينيا خارج الكلاسيكو ومدة غيابه تمتد لشهر    وزارة الصحة تعلن محاور المؤتمر العالمي للسكان والتنمية البشرية    عالم أزهري: أكثر اسمين من أسماء الله الحسنى تكرارًا في القرآن هما الرحمن والرحيم    جذوره تعود لآل البيت.. من هو إبراهيم الدسوقي بعد تعليق الدراسة أسبوعًا بسبب مولده؟    إصابة شاب في تصادم سيارة بسور استراحة محافظ مطروح    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. وحكم الاستماع إليها من الهاتف    سر ساعة الإجابة يوم الجمعة وفضل الدعاء في هذا الوقت المبارك    أفضل الأدعية والأذكار المستحبة في يوم الجمعة وفضائل هذا اليوم المبارك    متابعة المشروعات وتنظيم المواقف والبنية التحتية.. أبرز أنشطة التنمية المحلية الأسبوعية    «ديمية السباع».. حين تتحدث حجارة الفيوم بلغة الإغريق والرومان    هل تم دعوة محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يحسم الجدل    حملات مكثفة لرفع إشغالات المقاهي والكافيهات بشارع جزيرة العرب بالمهندسين    قيادي بتيار الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني: 3 ركائز أساسية لضمان نجاح اتفاق وقف النار    هنادي مهنا: «أوسكار عودة الماموث» يصعب تصنيفه وصورناه خلال 3 سنوات بنفس الملابس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيفية المصالحة الوطنية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 13 - 07 - 2013

المصالحة ومفهوم المصالحة الوطنية فهو شيء آخر فكرياً وعملياً فانه شكل من أشكال الاتفاق الذي يحصل بين طرفين أو أكثر متحاربين أو متنازعين أو متعاديين لأسباب كثيرة وليس بين أطراف مختلفة في الرأي والرؤي كما أسلفنا.
فقد تكون المصالحة بين طرفين فيهما طرف منتصر وآخر مهزوم في مثل هذه المصالحة جرت العادة أن يفرض المنتصر شروطه ويمليها على الطرف المهزوم بالقوة والقسر، ولكن مثل هذه المصالحة لا تكون حلاً جذرياً ودائما ونهائياً للأزمات، بل يبقى الطرف المهزوم بسبب جرح كرامته وإهانة كبريائه جراء هذا الشكل من المصالحة يتحين الفرص ويتربص للانقضاض على هذا الصلح أو المصالحة، وخير مثال على ذلك الصلح الذي فرض على ألمانيا وحلفائها أثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى من قبل بريطانيا وفرنسا وحلفائهما. حيث بقيت ألمانيا المهزومة والمجروحة الكرامة والمهانة في كبريائها تغلي بالثأر والانتقام من الأعداء وتنتظر الفرصة المناسبة إلى أن تحقق لها ذلك في عهد النازية، وكانت النتيجة مرعبة ومدمرة وكارثية على البشرية والعالم كله بنتائجها، تلك كانت الحرب العالمية الثانية التي دفعت البشرية ثمناً غالياً لها حيث قدمت أكثر من خمسين مليون ضحية ومئات المليارات من الدولارات ومئات الملايين من اليتامى والثكالى والأرامل وغيرها من الأمور والجرائم التي حصلت والتي يندى لها جبين البشرية ويقف التاريخ الإنساني مطأطأ الرأس خجلاً أمام ما حصل من البشاعة وما تلاها في الحرب الأمريكية اليابانية التي انتهت باستخدام أبشع أنواع الأسلحة وأكثرها دماراً وفتكاً وهو السلاح الذري
. والذي كان بحق على الأقل من وجهة نظرنا الشخصية سلاح السلام الذي أجبر قادة العالم العقلاء والطغاة من محبي الحروب أن يعيدوا النظر في طريقة تعاملهم مع الحياة الإنسانية لإيجاد صيغ سلمية بديلة للتعايش السلمي معاً بين أعداء الأمس في عالم جديد تسوده المحبة والأخوة الإنسانية والمصالح المشتركة المتبادلة على قدر من العدل والمساواة بين الشعوب. ولسنا نريد إثارة عواطف عوائل الضحايا ، بشعور من المسؤولية الوطنية لما يشكل ذالك من خطورة عمى مستقبل شعبنا وبلادنا وعمى مسار العمومية السياسية وهناك أبعاد أخرى للمصالحة تتعلق بالعلاقة بين الشرطة والمجتمع لرأب الصدع الذي حدث في العلاقة بينهما وأدى إلى اضطراب أمني لا يمكن للبلاد أن تتجاوز المرحلة الانتقالية دون معالجته. كما أن الاقتصاد المصري يواجه مشكلات حادة وخيارات مؤلمة، الأمر الذي يكسب المصالحة بين المستثمرين ورجال المال والأعمال والمجتمع أولوية متقدمة، لا سيما بعد كشف النقاب عن تجاوزات لصالحهم في عهد النظام السابق. لذا، فإن هناك جوانب عديدة للمصالحة الوطنية في مصر. رفع الدعاوى القضائية، بحيث يرفع أفراد في المجتمع دعاوى على المتهمين في جرائم معينة، عبر إفساح المجال أمام ضحايا الاعتداءات لإسماع أصواتهم، وإدلاء واعتراف بعض المسئولين عن ارتكابهم وقائع محددة أمام الرأي العام، بما يؤدي إلى إعادة بناء الثقة بين المواطنين وبعضهم، وبين المواطنين ومؤسسات الدولة، الأمر الذي يعزز من قيمة رأس المال الاجتماعي الذي نفتقده في البلاد العربية؛ بهدف استعادة حقوق وكرامة الضحايا، واسترداد ثقة الجمهور في سيادة القانون، بما يُتيح فرصة هامة لتوطيد دعائم مصداقية النظام القضائي الذي لم يكن يعمل على نحو سليم فيما مضى.
إن تجارب المصالحة الوطنية على الصعيد العالمي تشير إلى أنه ليس هناك شكل واحد باستطاعته تحقيق المصالحة الوطنية في دولة ما، وأن السياق الخاص بكل واقعة أو حادثة أو أزمة أو ثورة يختلف عن السياق الآخر. نتيجة لذلك؛ من الأفضل اختيار وسائل متعددة أو مختلطة تصور المضمون الذي ترمي إليه تلك المصالحة، عبر المزج بين إظهار الاهتمام بالضحايا مثل المحاكمات الجنائية ولجان الحقيقة من جانب، والتفكير في إجراءات التعويض من جانب آخر، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون إجراءات التعويض موجهة نحو المستقبل بدلا من أن تكون موجهة نحو الماضي، بمعنى أن ترفع هذه التعويضات من مستوى حياة الضحايا بأقصى قدر ممكن، مع الاعتراف والقبول في الوقت نفسه بأن الترضية الكاملة مستحيلة، وهو ما يجعل المصالحة الوطنية داخل دول الإقليم تواجه تحديات الخلافات الداخلية جزء أساسي من تجارب الشعوب، فلحظات تكوين الهوية القومية ونشوء التشكل الوطني المتطور باتجاه دولة قومية تشهد خلافات ونزاعات تصل حد حمل السلاح والاقتتال والحرب الأهلية لأن ثمة أفكاراً تعتمل في كل اتجاه تحاول مقاربة الشكل الأمثل للدولة الناشئة أو لطريقة إدارتها. وتجارب الشعوب تكشف بسهولة عن أن هذا قد يكون صحياً وربما من فطرة البشر. وعلى الجميع تقديم مبادراته نحو إيجاد الحلول والمساهمة في عملية المصالحة الوطنية، خاصة وأن مسألة تقديم المبادرات ساعدت الكثير من الدول والمجتمعات في إنجاح مصالحتها، وتضميد جراحاها، ومداواة الآلام ونقل البلد والمجتمع إلى مرحلة جديدة من السلام والوئام والحب بين كافة مكونات المجتمع. وفوق كل ذلك يجب أن نجعل الإعلام يقوم بدوره على اكمل وجه، فالإعلام الحُرّ والمستقل هو دوما ما يؤثر ايجابا على حل كافة المشاكل. وعلى ضوء هذا، علينا الاعتراف بالدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في عملية المصالحة الوطنية، فالاتصال هو الآلية التي تساعد في تطوير العلاقات الإنسانية، كما أن اجهزة الإعلام تلعب الدور الأساسي في تشكيل الصور الذهنية ونقلها عبر الزمان والمكان، وتكوين صورة الآخر وبالعكس. وذلك لأنها الأداة التي يتم عبرها نقل المعلومات والأفكار والمواقف المختلفة، وهي التي تعيد صياغة عقول وقلوب الناس. يلعب الإعلام أيضاً دورا كبيرا في نقل المجتمعات إلى مواقف اكثر تقدما، تنفتح فيه الأبواب وتبدأ عملية حوار اجتماعي واسع لمداواة الجروح وتجاوز مشاعر الألم، ثم تهيئة الأرض والناس لتجربة سياسية واجتماعية جديدة.
وعلينا أن نضع ثقتنا في الإعلام لأنه اداة أساسية في بناء مجتمعات ما بعد النزاعات. وسيكون من الجيد إن كانت جهود الإعلام تسير جنبا إلى جنب مع جهود ومبادرات الإصلاح السياسي لتجسير الهوة بين مكونات المجتمع وتطوير النقاش السياسي بين كافة مكونات المجتمع. ومن المعلوم أن بناء الثقة والمصالحة الوطنية، يعني ضرورة ايجاد القواسم المشتركة والثقة، واذا لم يضع الناس ثفتهم في الإعلام ويؤمنوا بمصداقيته فلن يثقوا ببعضهم البعض، لذلك تصبح المصداقية في الأداء واقتناع الناس بها شرطاً لازماً لثقة الناس في الإعلام وفي بعضهم البعض. وفي اعتقادي لكي يلعب الإعلام دورا مهما في عملية المصالحة الوطنية، فهو يحتاج لإيجاد إطار عمل وبيئة ممارسة مناسبة تمكنه من دعم المحيط العام في مجتمعات ما بعد النزاعات والديمقراطيات الجديدة.
إن الشعوب الإسلامية تمر بمرحلة جديدة في تاريخها المعاصر، فقد أذن الله لها بالنهوض والتخلص من الاستبداد والنظم الجيرية الدكتاتورية، وبدأت نقطة الانطلاق في تونس الحبيبة العزيزة التي أذاقها نظام "بن علي" سوء العذاب، فعمل على تجفيف منابع الهدى والإيمان والتُقى وأوقع البلاد في الفقر والذل والبطالة والضنك؛ فكانت البداية من هذا الشعب المتحضر المتمدن وقد نال أهل مكة عفواً عاماً برغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، ورغم قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة، ينتظرون حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "ماذا تظنون أني فاعل بكم؟" فقالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: "لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرحِمِينَ" [يوسف: 92] وفي رواية: فاذهبوا فأنتم الطلقاء. وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي وأصبحت الأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها إلى جانب ذلك الصفح الجميل، كان هناك الحزم الأصيل الذي لابد أن تتصف به القيادة الحكيمة الرشيدة، ولذلك استثنى قرار العفو الشامل بضعة عشر رجلاً أمر بقتلهم وإن وجدوا معلقين بأستار الكعبة لأنه عظمت جرائمهم في حق الله ورسوله وحق الإسلام، ولما كان يخشاه منهم من إثارة الفتنة بين الناس بعد الفتح، ومن هؤلاء من قتل ومنهم من جاء مسلماً تائباً فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحسن إسلامه. إن الخبرة التاريخية من فتح مكة تؤكد الفرق الواضح بين العفو والمصالحة من جهة، وبين العدالة الحاسمة لفتح كافة الملفات السابقة وملاحقة كل الجزيئات مما يشغل الوطن بأسره لسنوات أو عقود لا أحد يقدّر نهايتها، ثم إلى متى سنواصل تطبيق تلك العدالة بدون أي تحول تجاه الانتقام والتوسع في القصاص، مما يعود بنا من جديد لنقطة البداية، فيصبح الظالم مظلوماً يطالب هو بتطبيق العدالة الحاكمة على من كان مظلوماً وضحية بالأمس القريب. كان العفو في فتح مكة انطلاقة جديدة للإسلام والمسلمين ودعوتهم بين العالمين.
وماذا لو استسلم المسلمون لمشاعرهم البشرية الراغبة بأقل تقدير في تنزيل العدل الحاسم الذي تفصّل فيه التهم وتجمع فيه الأدلة ويصبح للقضاء كلمته الأخيرة، وغالباً ما يضيق مجال الصفح بعد أن تنكأ الجراحات من جديد، وبالتأكيد فإن تطبيق هذا العدل الحاسم كان سيقضي على شخصيات مهمة شاركت في رسم تاريخ البشرية جمعاء في حركة الفتوحات الإسلامية وتقوية الدولة وإدارة الحكم ونشر العلم. إن امتناع القيادة والأصحاب عن المطالبة بالعدالة الصارمة لغايات أسمى وأهداف أعظم كان الخيار الأصوب من الناحية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والدينية، فمن الناحية السياسية يحفظ العفو الجميل وحدة الأمة السياسية حيث يركز على حركة ما بعد العفو على تصحيح الأخطاء وتقوية الدولة وإشراك الجميع دون إقصاء، وتعميق مفاهيم الشراكة والتعاون والتعايش وتثقيف وتنشئة الأجيال عليه. وأما من جهة الأمن فإن العدل الحاسم قد يقود إلى رفض بعض من سيمسهم هذا العدل بسبب مخاوف من نتائجه التي قد تكون سلباً للحياة أو الأموال والنفوذ وهو ما لن يقبله الكثير ممن كان مع النظام سابقاً.
وأما الاعتبارات الاجتماعية، فإن العفو العام يزيد بلا شك من تآلف مكونات ووشائج المجتمع المتنوعة ثقافياً ولغوياً وعرقياً ودينياً في حال اختلاف الأديان. وهذا مقصد بعيد المدى يجب التفكير فيه بدلاً من الإصرار على طريقة تنتهي إلى التنافر وتمزق مكونات المجتمع وإعادة تخندقها خوفاً من الانتقام باسم العدالة. وأخيراً لا آخراً فإن العفو يصنع خبرة تاريخية تتأسس عليها ثقافة الأجيال، الأمر الذي يوحد ضمير الوطن ويزيد من مساحات التعايش والقبول بالاختلاف وتتعمق ثقافة تقديم المصلحة العامة على الخاصة، والممتدة على الآنية المؤقتة. إننا في وطننا اليوم بحاجة إلى أن نتماسك ونتغافر، لنؤسس ونمهد لخبرة العدل في إحقاق الحقوق والقسط في مراعاة المشاعر والعفو والتسامح لفتح شموس الآمال وصروح البناء التي ستتحول إلى مناهج للتعليم وموجهات للفكر، ومحددات للثقافة وإطار لبناء دستور الدولة التي لا يقوم على الإقصاء والانتقام واللمز، كما هو واقع الحال في بعض الدساتير التي تغلبت نزعة الانتقام على واضعيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.