هل يمكن ان تجد إسرائيل نفسها أمام تقرير جولدستون آخر يدينها ويكشف الوحشية التي تتعامل بها مع العزل المدنيين سوا كانوا فلسطينيين أو أتراكا أو من أي جنسية لمجرد انهم قرروا التصدي للظلم المستمر الذي تمارسه علي قطاع غزة.. فها هو مجلس حقوق الإنسان ينأي بنفسه عن مجلس الأمن الدولي ويصدر قرارا شجاعا بتشكيل لجنة تحقيق دولية في المذبحة التي ارتكبتها اسرائيل ضد نشطاء قافلة اسطول الحرية التي كانت متوجهة إلي القطاع.. لجنة التحقيق الدولية بالذات هي ما تصدت له الولاياتالمتحدة بكل قوة في مجلس الأمن لكنها لم تنجح في تكرار الأمر في مجلس حقوق الإنسان لأنها لا تمتلك في هذا المجلس سلاحها السري وهو الفيتو.. وربما ما دفع الولاياتالمتحدة إلي التصدي بشدة إلي فكرة التحقيق الدولي علي غرار ما فعله القاضي الجنوب افريقي ريتشارد جولدستون في تحقيق مماثل عن العدوان الاسرائيلي علي غزة العام الماضي والذي انتهي إلي اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.. لكن المجموعتين العربية والإسلامية اللتين تقدمتا بالمشروع الذي ينص علي التحقيق الدولي تمسكتا بطرحه للتصويت بعد أن فشل التوافق عليه بين الدول الأعضاء. وفي النهاية تم التوصل إلي القرار الذي صدر بموافقة 23 من أعضاء المجلس البالغ عددهم 74 عضوا والذي شمل أيضا ادانة للعمل الإسرائيلي ووصفه بالمشين واعترضت الولاياتالمتحدة وإيطاليا وهولندا علي القرار وامتنعت 9 من الدول الأوروبية والافريقية والآسيوية عن التصويت ولم تدل ثلاث دول افريقية أخري بأصواتها وطالب القرار بالمحاسبة الكاملة وإجراء تحقيقات دولية مستقلة ذات مصداقية في هذه الهجمات. ويقوم رئيس مجلس حقوق الإنسان ومعه الدبلوماسي البلجيكي اليكس فان ميوين الذي كانت بلاده ضمن أربعة بلدان من أعضاء الاتحاد الأوروبي امتنعت عن التصويت باختيار أعضاء فريق التحقيق الدولي. مناقشات المجلس شهدت كما كبيرا من الشد والجذب بين الأطراف المختلفة بل إن وضع موضوع الهجوم الإسرائيلي علي اسطول الحرية علي جدول اعمال المجلس سبب اضطرابا كبيرا وارتباكا وتحولات في المواقف بين الفتور والسخونة.. بل أدي أيضا إلي إحداث زعزعة في مواقف العديد من الدول التي استخدمت هذه المرة لهجة أخري تختلف عن الخطاب الذي اعتادت علي ترديده عند إجراء أي نقاش في المجلس يتعلق بإسرائيل أو بالأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. بل ان المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي التي اتسم تدخلها بالفتور في بداية أزمة الهجوم حول تداعيات الحادث عندما اكتفت بمجرد التعبير عن القلق والصدمة قالت في بداية المناقشات في خطاب تمت قراءته نيابة عنها اننا ندين بدون لبس ما يبدو انه استخدام غير متكافئ للقوة، مشيرة إلي وقوع الحادث في المياه الدولية ودعت بيلاي وهي قاضية سابقة للأمم المتحدة في جرائم الحرب إسرائيل إلي رفع حصارها علي غزة قائلة انها تحرم مليونا ونصف المليون مدني من حقوقهم الأساسية في الغذاء والمياه والمأوي. وقد وصف السفير سعد الفرارجي ممثل جامعة الدول العربية في المجلس اسرائيل في كلمته بأنها دولة مارقة تمارس الإرهاب والقرصنة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وطالب المجتمع الدولي باتخاذ الإجراءات اللازمة لردعها.. وقال ان العدوان الإسرائيلي هو جريمة حرب وقرصنة في البحر المتوسط وانتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة وانتهاك للمادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وانتهاك لاتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار الذي يكفل الملاحة في المياه الدولية ويكفل الحق للدول في تسيير السفن التي تحمل أعلامها وانتهاك لاتفاقية السلامة البحرية والقضاء علي القرصنة لعام 8891 والتي تنص علي محاكمة وعقاب كل من يقوم بجريمة ضد السفن والملاحة الدولية. السفير الاسرائيلي حاول منذ البداية عرقلة عرض الموضوع أمام مجلس حقوق الإنسان الذي كان يجري جلسة عادية لمناقشة قضايا حقوق الإنسان في عدد من الدول لكن جاء موضوع القافلة فتحول المجلس إلي جلسة طارئة. السفيرة الأمريكية أعربت في تدخلها عن الانزعاج من استئناف العنف والأسف للقتلي والجرحي في الحادث الذي وقع للبواخر أمام سواحل غزة.. وقالت اننا بصدد توضيح تفاصيل الحادث ونتوقع القيام بتحقيق جدي وشفاف ونحث الحكومة الإسرائيلية علي القيام بالتحقيق في اسرع وقت وفيما اكتفت السفيرة الأمريكية بالتعبير عن الأسف لاستمرار سكان قطاع غزة في المعاناة.. ونوهت إلي ان استمرار الأوضاع هناك علي ما هي عليه ليس في صالح أي طرف من الأطراف لكنها شددت علي ان هناك آليات موجودة لنقل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وهي آليات غير مستقرة وهي التي يجب استخدامها لصالح جميع سكان غزة. وقالت: إن تدخل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الجماهيرية في العمل الإنساني قد يعقد ذلك وأن استمرار تهريب الأسلحة قد يقوض الإجراءات الأمنية والتنمية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي مقابل الموقف الأمريكي والإسرائيلي لم تتردد العديد من الدول الغربية في إدانة الاعتداء وفي الكلمة التي ألقتها اسبانيا باسم الاتحاد الأوروبي تمت إدانة استخدام القوة الذي أدي إلي وفاة ما لا يقل عن عشرة مدنيين.. وهو ما أعادت تأكيده معظم البلدان الأوروبية عندما تحدثت باسمها.. ورغم ذلك لم ترغب دول الاتحاد في الذهاب إلي حد الموافقة علي إجراء تحقيق دولي.. بينما ذهبت بعض الدول الغربية إلي أبعد من ذلك علي غرار السويد التي شدد ممثلها علي حق اسرائيل في تعزيز أمنها لكنه أوضح علي الفور بأن هذه العملية تمت في انتهاك واضح للقانون الدولي .