أظن أن عمرو موسي ليس هو الوحيد الذي شعر بالغثيان لتأجيل مناقشة وإقرار تقرير جولدستون في المجلس العالمي لحقوق الإنسان، الأغلب الأعم من الفلسطينيين والعرب شعروا بذلك، ولكني اعتقد أنهم شعروا أكثر بغصة في الحلق. فقد هبت كل من الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالهجوم علي التقرير رافضة إياه لمجرد أن هذا التقرير يتهم الإسرائيليين بارتكاب جرائم حرب خلال العدوان الوحشي الذي قام به الإسرائيليون ضد أهالي غزة قبل نهاية العام الماضي، واستمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، وهي جرائم شاهدها العالم كله علي شاشات التليفزيون، وشاهدها كل من قام بزيارة غزة بعد وقف العدوان، وكنت واحدا منهم، وهي توجع القلب وتدمي العين. ومع ذلك كان هناك من يؤيد هذا التقرير من بين أعضاء المجلس ويصر علي أن يصدر المجلس قرارا يصدق عليه ويدين إسرائيل حتي لا يمضي الإسرائيليون قدما في جرائم الحرب التي مازالوا يرتكبونها ضد الفلسطينيين وبدون شن حرب شاملة علي الفلسطينيين مثلما يحدث الآن في النزع الجبري للأراضي والمباني من الفلسطينيين وطردهم خارجها، ومثلما يحدث أيضا في التهجم علي المقدسات الإسلامية في القدس. ولذلك.. كانت الصدمة كبيرة في تأجيل مناقشة هذا التقرير والتصديق عليه حتي شهر مارس المقبل، وقد عبر عمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية عن هذه الصدمة حينما اعتبره قرارا خطيرا وشديد السلبية، وتفريطاً غير مسبوق، ويقتضي وقفة. وبغض النظر عما أثير ومازال يثار حول مسئولية السلطة الفلسطينية في أمر هذا التأجيل، فإن نتيجة التأجيل سوف ترتب بالفعل نتائج سلبية وشديدة الخطورة، لأن الإسرائيليين سوف يفهمون من هذا التأجيل أن الحصانة الممنوحة لهم أمريكيا ودوليا لارتكاب جرائم بشعة في حق الفلسطينيين مازالت مستمرة ولن ينزعها منهم أحد، وبالتالي سوف يتمادون في ارتكاب مزيد من هذه الجرائم في حق الشعب الفلسطيني. والمبررات التي قيلت لتمرير هذا التأجيل لتقرير جولدستون ليست مقبولة عقليا، فما معني أن التأجيل ضروري لتهيئة المناخ لاستئناف مفاوضات السلام، وعدم عرقلة الجهود الأمريكية في هذا الصدد؟ إن العكس هو الصحيح أن التصديق علي تقرير جولدستون كان سيهيئ المناخ لاستئناف مفاوضات السلام لأنه كان سيوجه رسالة دولية واضحة للإسرائيليين بأن هذه الجرائم مرفوضة، والعالم عازم علي منعهم من تكرارها. ثم لماذا نحن الذين علينا أن نهيئ المناخ لاستئناف السلام، بينما الإسرائيليون معفيون دائما من ذلك، لقد ظل أوباما ومبعوثه ميتشيل يلاحقانهم لتجميد الاستيطان لفترة مؤقتة قبل إطلاق المفاوضات، وحينما رفضوا قرروا إطلاق هذه المفاوضات مع إلزام العرب بالتطبيع الجزئي.. أين التوازن إذن في المواقف التي وعدنا أوباما بأن واشنطن سوف تلتزم بها؟ لذلك.. وبغض النظر عن المتهم الحقيقي في تأجيل مناقشة جولدستون.. ألم يكن من الأجدي مناقشة هذا التقرير والسعي للحصول علي أغلبية ولو ضئيلة للتصديق عليه من قبل مجلس حقوق الإنسان، وفضح مواقف دول كبري تتشدق بصنع السلام في منطقتنا وتفعل عمليا عكس ذلك؟.. حتي لو لم نضمن أغلبية لهذا التقرير للتصديق عليه، كان سيبقي لنا أمام أهل ضحايا جرائم الحرب في غزة أننا حاولنا.. ثم ما الذي نراهن عليه حتي شهر مارس المقبل وجعلنا نقبل أو حتي نسكت علي هذا التأجيل للتقرير، ولا نقاوم ذلك؟!