هل ممكن أن تحيي الأوضاع في غزة والأراضي الفلسطينية.. ما يسمي بعملية السلام؟ وهل تفيق أوروبا من سباتها وموقفها المتراجع من أوضاع هذه المنطقة؟ كل هذه تساؤلات يثيرها العديد من المراقبين بعد الاعتداء الإسرائيلي القاتل علي أسطول الحرية والسلام والمساعدات الانسانية في أعالي البحر وقتلها مالا يقل عن تسعة أشخاص, وإصابتها عشرات آخرين واختفاء البعض ستة لا يعرف ما حدث لهم حتي الآن. عملية أظهرت في رأي البعض من المراقبين مدي صلف وجبروت الإدارة الإسرائيلية التي تمارس إرهاب الدولة بكل معناه بل جرائم حرب.. وفق ما يراه البعض انطلاقا من حقيقة أن الفرنسيين الستة الذين كانوا ضمن أسطول الحرية قد قرروا رفع دعويين أو قضيتين في مرسيليا وفي ضاحية ايفري الباريسية ضد حكومة إسرائيل, وذلك وفق ما صرحت به المحامية ليليان جلوك المحامية المكلفة برفع القضايا ضد جرائم اختطاف, ومصادرة, وعنف مسلح, وتحويل مسار السفينة, وسرقة! والتي أضافت أن هناك قضايا أخري سوف تأتي لاحقا. كما أن أحد الفرنسيين الستة الذين تم طردهم من إسرائيل قد قدم شكوي ضد عدم تحرك السلطات الفرنسية إزاء ما أصابهم, ويقول إنه خلال فترة احتجازه من جانب السلطات الإسرائيلية لم ير سوي مجرد ملحق ثقافي وليس السفير ولا القنصل الفرنسي, بل إن توماس سومر أودفيل عضو الحملة المدنية الدولية لحماية الشعب الفلسطيني يؤكد أنه ما إن تم اتخاذ القرار الإسرائيلي بطرد أعضاء أسطول الحرية, حتي اضطر الفرنسيون للجوء إلي السفير اليوناني كي يتمكنوا من العودة إلي فرنسا عن طريق أثينا. وهنا يتساءل بعض المراقبين عن موقف فرنسا الرسمي من هذه الاعتداءات الإسرائيلية الصارخة علي ناشطين انسانيين راغبين في تخفيف المعاناة والشقاء والبؤس عن سكان فلسطينيين يعانون الأمرين منذ ثلاث سنوات علي أقل تقدير إن لم يكن منذ ستين عاما. قصر الإليزيه أعلن في بيان له أن الرئيس ساركوزي يعرب عن تأثره الشديد للعواقب المأساوية للعملية الإسرائيلية ويدين الاستخدام غير المتناسب للقوة ويطالب بإلقاء كامل الضوء علي ظروف هذه المأساة التي تؤكد الحاجة الملحة لإطلاق عملية السلام. وزير الخارجية برناركوشنير سار في نفس الخط وأعرب عن صدمته العميقة إزاء العواقب المأساوية للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد مبادرة انسانية معروفة منذ أيام. وأكد كوشنير أنه لا يمكن أن يكون هناك أي تبرير لمثل هذا العنف الذي ندينه, وطالب هو أيضا بأن يتم دون تأخير إجراء تحقيق معمق.. حول ظروف هذه المأساة. مضيفا أنه سيتم اتحاذ كل المبادرات اللازمة لتجنب أن تؤدي هذه المأساة إلي تصعيد جديد للعنف. هكذا دون أي حديث عن محاسبة أو معاقبة أو غير ذلك فإسرائيل صديقة الجميع يمكنها أن تفعل ما بدا لها من انتهاكات وخروقات لكل المواثيق والقوانين الدولية والانسانية دون أن تخضع للحساب أو للعقاب بل إن أوروبا وطبعا فرنسا لا تفعلان شيئا سوي المزيد من التدليل والتكريم كما يري مراقبون للموقف والأوضاع, ويدللون علي ذلك بأنه رغم أحداث غزة الدامية والمدمرة التي لم تخلف سوي الخراب والدمار حتي الآن, فإن الاتحاد الأوروبي لم ير ما يفعله سوي رفع مستوي الشراكة مع إسرائيل لدرجة تجعلها أقرب لأن تكون العضو رقم28 للاتحاد الأوروبي. ورغم رفضها لرفع الحصار والقيود ووقف الاستيطان وتنفيذ ما ورد في خارطة الطريق وغيرها من القرارات الدولية, فإن الغرب القوي والديمقراطي لم ير عقابا سوي تكريمها وتشريفها بعضوية منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والاحتفال بها وبرئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو. كوشنير رفض أي حديث عن فرض عقوبات, وقال قبل الحديث عن أي عقوبات يمكن فرضها: يتعين أولا معرفة الوقائع.. وإن كان يضيف أنه لا يتعين أن يكون لإسرائيل حصانة من العقاب!. أي وقائع.. وأي لجنة تحقيق, وتقرير جولدستون ربما يلقي نفس مصير التقرير السابق.. من لجنة إلي لجان ومن تقرير إلي تقارير والواقع المأساوي قائم ويتفاقم وإن كان الكولونيل دزموند ترافيرس عضو لجنة جولدستون يؤكد أن تقرير جولدستون مازال حيا ونشطا وتتأكد أهميته بشكل أكبر نتيجة لأحداث أسطول الحرية, إذ يري الكولونيل ترافيرس أنه لو تم تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير جولدستون لما حدثت تلك العمليات الدامية في عرض البحر, وهو يؤكد في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مجلس الشيوخ الفرنسي بمناسبة عرض خاص لفيلم غزة ستروف أنه بعد عام ونصف العام علي الهجوم الإسرائيلي العدوان علي غزة فإن الخراب مازال يعم القطاع.. مدارس ومستشفيات وبني تحتية زراعية وحكومية.. كل شيء يتم تدميره بينما حماس لم تمس وفق قول ترافيرس الذي يري أن الأسلوب الذي تتبعه إسرائيل اليوم يقوم علي تبرير كل الإجراءات واستخدام القوة والعنف للحفاظ علي أرواح الجنود الإسرائيليين أيا كانت الخسائر في أرواح المدنيين الفلسطينيين خاصة في مناطق يفترض أن يكون بها من يوصفون بالإرهابيين. الواقع.. أن البيان الأكثر إيجابية.. قد صدر عن مجلس الشيوخ الفرنسي.. ومجموعة تقصي الحقائق الدولية المنشقة عن لجنة الشئون الخارجية... برئاسة السيناتورة صونيك سيريزبيه... أدانت بشدة هذا العمل القائم علي خلفية الاستعمار المكثف للضفة الغربية والخنق المنظم لقطاع غزة... والذي يضع إسرائيل علي هامش الديمقراطيات... وفي أجازة بالنسبة لاحترام القانون والقيم. ويؤكد البيان أن المجموعة وإن كانت تساند اقتراح مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق فإنها تخشي أن يلقي مصير النتائج التي توصل إليها تقرير جولدستون؟ هكذا بكل وضوح. ووسط تساؤلات المراقبين عن غياب فرنسا وأوروبا عموما عن أي تحرك ملموس وحقيقي علي الأرض وانتظارها الدائم للتحرك الأمريكي الذي لا يأتي أبدا مع كل ما للرئيس باراك أوباما من إرادة طيبة ونوايا حسنة نظم مجلس الشيوخ ندوة حول الاتحاد الأوروبي.. من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط.. حانت لحظة التحرك.. ومع ذلك هل تتحرك أوروبا, وفرنسا.. ومتي.. وكيف.. وهل تستطيع؟ وهل تريد؟ حفاظا علي الروابط التاريخية والمواقف الديجولية التي يتشدق بها الجميع مواقف عادلة متوازنة حاسمة وفاعلة؟ هذا هو السؤال وهذا هو التحدي.