بعد ثورة 52 يناير تغير كثير من المفاهيم في المجتمع.. مفاهيم اجتماعية واخري سياسية وثالثة اقتصادية.. من ابرز تلك التغيرات وجود اتجاه قوي يطالب بالتوسع في تطبيق المعاملات الاسلامية في البنوك باعتبارها اكثر قدرة علي دفع عجلة التنمية الاقتصادية... ورغم ان الدخول في هذا المجال والتوسع فيه مازال يتم بمبادرات فردية من بعض البنوك، إلا أن ظهور هذا التوجه وانتشاره عالميا وتعالي الأصوات المؤمنة به يطرح عدة تساؤلات: ما الذي يمكن أن تقدمه المعاملات الاسلامية يختلف عما تقدمه البنوك التقليدية ؟ وكيف يمكن أن تلعب دورا في تحقيق التنمية ؟ بسنت فهمي الخبيرة المصرفية تقول: للاسف نحن لم نفهم المعني الصحيح للاقتصاد الاسلامي بعد فما زال كثيرون يعتقدون ان الحديث عن الاقتصاد الاسلامي يتعلق بالفائدة والربا فقط، والحقيقة ان معني الاقتصاد الاسلامي أعمق من ذلك بكثير، فهو يقوم علي الاقتصاد الحقيقي فقط كما انه اقتصاد اخلاقي، لقد جرب العالم النظم المختلفة الرأسمالية والاشتراكية والشيوعية ولم تحقق اي منها العدالة الاجتماعية بدليل المظاهرات التي شهدتها دول العالم المختلفة، والسبب في ذلك ان النظم الاقتصادية التي طبقت تعتمد علي نوعين من الاستثمارات حقيقية تقدم مشروعات فعلية علي ارض الواقع، واخري غير حقيقية أي استثمارات ورقية تقوم علي المضاربات تحقق نموا ولكنها لا تحقق تنمية. وتشرح بسنت الفكرة قائلة: العام المالي 7002/8002 وقبل الازمة المالية العالمية كان حجم الاقتصاد الحقيقي علي مستوي العالم 56 ترليون دولار اما حجم الاقتصاد غير الحقيقي فكان 006 ترليون دولار.. كلها علي الورق مشتقات ومضاربات ليس لها اي مردود في أرض الواقع، بينما الاقتصاد الاسلامي يقوم علي الاقتصاد الحقيقي وبالتالي البنوك الاسلامية لا تمول عمليات علي الورق وانما تتجه لأنشطة فعلية سواء كانت تجارة او زراعة او صناعة وهو ايضا يتميز بكونه اقتصادا اخلاقيا فهو لا يمول مشروعات خمور او مشروعات ضارة بالصحة ، اما النقطة الاعمق في الاقتصاد الاسلامي فتكمن في تأثيره علي السياسة النقدية والسياسة المالية فهو لا يقف عند حدود المعاملات البنكية وانما يمتد لأبعد من ذلك مثلا في حالة الزراعة سنجد ان الزكاة علي الاراضي التي تروي بالمطر أعلي منها علي الاراضي التي تروي بحفر الابار، هنا هو يرسي مبدأ هاما في السياسة المالية يجب ان يؤخذ في الاعتبار عند تحديد الضرائب علي الانشطة المختلفة، ايضا سنجد انه يحارب الاكتناز ويحرمه فوجود 5.4 مليون شقة مغلقة هو احدي صور الاكتناز المرفوضة في الفكر الاقتصادي الاسلامي.. لابد من بيعها أو عرضها للإيجار وبالتالي لوطبق هذا لفكر بفهم ووعي فإن النتيجة التلقائية هي انخفاض الاسعار وحل مشكلة كبيرة يعاني منها المجتمع.. الاقتصاد الاسلامي علم قائم بذاته وله اثاره علي مختلف جوانب الحياة والانشطة الاقتصادية التي تؤدي في النهاية الي التنمية التي تحقق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن البنوك الاسلامية التي تعمل في هذا الاطار هي بنوك لا تمول الا مشاريع حقيقية تشغل افرادا وتحقق دخولا وترفع مستوي المعيشة عقبات في الطريق وتنتقل بسنت فهمي الي العقبات التي تواجهها البنوك الاسلامية فتقول: من أكبر العقبات التي تحد من نشاط هذه البنوك هو عدم معرفة البنك المركزي بأصول عملها، فهذا يعرضها للكثير من المشاكل خاصة في ادارة السيولة سواء كان لديها فائض او نقص، ايضا في عمليات التفتيش فالبنك المركزي يتعامل معها تماما كما يتعامل مع البنوك التقليدية وذلك خطأ كبير لأن لكل منها نظام عمل مختلفا عن الآخر لا يمكن ان يطبق عليهما نفس الأسلوب ولا مجال للمقارنة بين نشاطهما، ونفس الامر ينطبق علي الهيكل التنظيمي للبنك والمعايير المحاسبية. ومن العقبات ايضا عدم وجود هيئة شرعية موحدة تحت إشراف البنك المركزي لتوحيد الرقابة علي نشاط هذه البنوك، ويضاف الي هذا مشكلة أخري وهي نقص العمالة المدربة.. أرجو أن تتمكن الاغلبية في مجلس الشعب من وضع حلول لهذه العقبات، وان تسعي الي فتح السوق لدخول بنوك اسلامية جديدة فذلك سيوفر مليارات للدولة- ثمن رخصة العمل في مصر- كما انه سينقلنا الي نظام اقتصاد حقيقي يقوي مصر ويحقق تنمية فعلية،و ليس مجرد نمو في الناتج القومي يعتمد علي المضاربات.
أسلوب التمويل د. محمد عبد الحليم عمر استاذ المحاسبة والاقتصاد الاسلامي بجامعة الازهر يقول: لو شبهنا الاقتصاد بجسم الانسان سنجد ان النقود فيه اشبه ما تكون بالدم اما البنوك فهي تلعب دور القلب وكلما كان الدم كثيرا والقلب سليما كان الاقتصاد قويا ونحن في مصر نعاني من ضعف في عدد المتعاملين مع الجهاز المصرفي فنسبتهم لا تتجاوز 7٪ من السكان وذلك يرجع لعدة اسباب من أكثرها تأثيرا أن قاعدة عريضة من المجتمع تؤمن بأن المعاملات التقليدية لا تتفق مع الشريعة وبالتالي فهم يعزفون عن التعامل مع البنوك، ومن هنا فإننا لو توسعنا في تقديم خدمات المعاملات الاسلامية فانها ستجذب هذا الجزء من العملاء الي الجهاز المصرفي، وهذا من شأنه ان يحشد المزيد من المدخرات - حتي وان كانت مدخراتهم محدودة - ويساعد في سد الفجوة بين حجم المدخرات و الاستثمار المطلوب والذي تقدره بعض الدراسات ب42٪من الناتج القومي أي ب042 مليار جنيه في حين ان المدخرات لدي الجهاز المصرفي أقل بكثير هذا الفارق نسعي لتعويضه من خلال جذب استثمارات أجنبية ومنح ومساعدات، ومن الواضح أن جميع هذه السبل لم تعد متاحة لنا الان.. أي ان حاجتنا الي حشد مدخراتنا تزايدت بعد الثورة.. اذا انتقلنا الي الجانب الآخر من المعادلة وهو عملية تشغيل الاموال واستثمارها - والحديث لا يزال علي لسان د. محمد عبد الحليم - سنجد ان اعتقاد اعداد كبيرة بعدم مشروعية القروض التقليدية يلعب هو ايضا دورا مهما في ضعف الاقبال علي الاقتراض من البنوك، فهناك شريحة كبيرة من المجتمع تعزف عنه والبنوك تعاني من زيادة في حجم السيولة لديها و تضطر الي توجيه ما لديها من سيولة للاكتتاب في أذون الخزانة أو ايداعه في عمليات الانتر بنك وهي انشطة غير منتجة.. تطبيق نظم اسلامية في التمويل سيجذب شريحة عريضة ممن يعزف عن التعامل بالنظم التقليدية، ليس هذا وحسب فالبنوك التقليدية لديها اسلوب واحد للتمويل وهو الاقراض قد يستهدف انواعا مختلفة وبشروط مختلفة لكنه في نهاية المطاف يكون قرضا .. وأحد عيوب نظام الاقتراض التقليدي أنه إذا تعثر العميل أو توقف عن العمل يتزايد العبء عليه فيصبح يواجه نوعين من المشاكل مشاكل العمل المتوقف ومشاكل القرض الذي يتضاعف نتيجة الفوائد التي تحتسب وتتراكم مع التأخر في السداد، وفي المقابل نجد أن البنوك الاسلامية تملك 7 طرق مختلفة للتمويل ويمكن أن يشتق منها 02 أسلوبا، بعضها يجعل البنك شريكا في مخاطر المشروع مثل المضاربة والمشاركة ومنها ما يكون في صورة مديونية وممكن فسخ العقد فيه كالايجارة حيث ينتهي العقد دون تحميل العميل بأعباء اضافية ... هذا التنوع في اساليب التمويل يزيد قدرتها علي جذب عملاء جدد.
الاستخدام الأفضل وينتقل د. محمد عبد الحليم عمر الي صفة اخري من صفات البنوك الاسلامية قائلا: البنوك الاسلامية بطبيعتها بنوك استثمار وأعمال، لذلك تجدها أكثر حرصا وتدقيقا عند منح التمويل فبينما البنوك التقليدية تهتم بما يضمن لها استرداد أموالها والفائدة علي القرض دون التدقيق في مدي نجاح المشروع -وهو ما تسبب في موجة التعثر التي مازالت البنوك تعاني من اثرها- وحتي بعد صدور قانون البنوك الجديد وتأكيده علي ضرورة متابعة المشروع والتحقق من أن القرض تم صرفه بطريقة صحيحة مازالت هناك فرصة للتحايل علي القانون وعدم الالتزام به، بتقديم دراسات واوراق مغايرة للحقيقة و الاكتفاء بمتابعة صورية، أما البنوك الاسلاميةفإن دخولها كشريك في المشروع تتحمل الخسارة مع من تموله يغلق باب التحايل ولا يدع مجالا للتهاون في متابعة العميل لأن الخسارة ستكون خسارة صريحة للبنك ولن تختفي وراء فوائد وغرامات تأخير، وهي بذلك تضمن تحقيق استخدام افضل لمدخراتنا المحدودة ولا تسمح بإهدارها في مشاريع وهمية او مشاريع غير مجدية، وباختصار فإن المعاملات الاسلامية في البنوك من شأنها حشد مزيد من مدخرات المجتمع وتوجيهها الي مشروعات ناجحة تخلق فرص عمل وتقدم انتاجا حقيقيا يرفع مستوي المعيشة وتزيد ايضا موارد الدولة من خلال الضرائب.. تلك المزايا التي تتمتع بها المعاملات الاسلامية في البنوك لا علاقة لها بفكرة الحلال والحرام فهي خصائص تتمتع بها هذه المعاملات بغض النظر عن التوجه الديني، وهذا ما جعلها تكسب قاعدة كبيرة من العملاء حتي خارج الدول والمجتمعات المسلمة فتجد بنوكا كبري وعالمية مثل مجموعة سيتي بنك و إتش إس بي سي - خارج مصر - تتبناها وتطبقها البعض يطبقها بمسماها صراحة واخرين يطبقونها كنوع من الخدمات الجديدة لعملائهم .نحن في مصر لا نلمس الفرق الكبير الذي يمكن ان تحدثه هذه البنوك لان نسبة تطبيقها محدودة وقليلة وهذا لا يتيح الفرصة لإظهار مزاياها، كذلك فان هذا العدد المحدود الموجود منها يواجه عدة مشاكل اهمها عدم توافر كوادر مصرفية مدربة، وعدم وجود رقابة قوية عليها.. في الدول الاخري التي سبقت لتطبيق النظام الاسلامي في المعاملات البنكية توجد ثلاث درجات من الرقابة رقابة داخلية يومية من خلال مدقق شرعي يتأكد من التزام العاملين بتنفيذ نظام العمل خطوة بخطوة ،ثم رقابة من الهيئة الشرعية للبنك تتأكد من مواءمة منتجات البنك للشريعة وتتابع العمليات البنكية وما قد يطرأ من مشاكل، وأخيرا رقابة من البنك المركزي قانونية وشرعية، تقوم بزيارات تفتيش مفاجئة ودورية للتأكد من أن البنك ملتزم بقواعد العمل الشرعية التي أعلن تطبيقه لها، حتي في الولاياتالمتحدةالأمريكية استعانت الحكومة بمستشار شرعي للرقابة علي بنوك المعاملات الاسلامية لديها...بينما هنا نفتقد الرقابة الشرعية من البنك المركزي فهو يقوم بالرقابة القانونية فقط، و رغم أنه كان يعتزم انشاء وحدة متخصصة للرقابة علي البنوك الاسلامية منذ اربع سنوات تقريبا إلا أن الامر لم يتم ولم يتخذ خطوات في هذا الشأن.