محىى الدىن اللاذقانى من الصعب لأصحاب الذاكرة البصرية نسيان صورة إيمان العبيدي، وهي تندب وتصرخ في فندق رئيسي يتجمع فيه صحافيون أجانب في طرابلس قبل سقوط القذافي: تعالوا شوفوا صوروا.... والبقية معروفة فقد كانت ايمان أول ليبية مغتصبة تجاهر علنا وأمام الكاميرات والمراسلين بما حدث لها علي يد كتائب القذافي، وبغض النظر عما قيل وسيقال عن هذه المرأة الجريئة التي عرفت طريقها لاحقا الي الدوحة، ثم رحلتها قطر الي الولاياتالمتحدة قبل أن يطويها النسيان المؤقت، فقد ظلت هذه المرأة علامة علي مرحلة حرجة من مراحل الثورة الليبية التي لم تجد طريقة ناجعة حتي الآن للتعامل مع ملفات المغتصبات وهن بالمئات ولا مع ملف المشاركة السياسية للمرأة في ليبيا الجديدة، وتلك قضية يضعها الغرب تحت المجهر، ويركز عليها بعد عقود النفط واتفاقيات اعادة البناء. لقد أصدر المجلس الانتقالي الليبي حديثا القانون المعدل لانتخاب المجلس التأسيسي في حزيران »يونيو« القادم مسقطا منه الحصة المخصصة للنساء وكانت قبل التعديل الحالي عشرة بالمئة، وفي التفسيرات قال المعدلون، واشياعهم أن المرأة الليبية ستصبح حصتها أكبر بعد الاسقاط لان القوائم الحزبية المتنافسة ملزمة بضم مرشحات بنسبة النصف.وطبعا يعرف أصحاب الخبرة والدراية بالمجتمعات ذات المرجعية القبلية ان هذا الاقتراح النظري غير مضمون التطبيق، ويؤكد المنتقدون صعوبة الالتزام بهكذا نسبة في مناخ اجتماعي قبلي لم يشهد مشاركة سياسية فاعلة للمرأة لا قبل القذافي ولا بعده، فالقذافي نفسه لم يلمع بعد ابنته عائشة التي ألزم حارساته جميعهن بالتسمي باسمها غير فوزية شلابي التي حملت حقيبة أمانة الاعلام لفترة قصيرة قبل ان تغيب في قبرص في ظروف غامضة. ولابد من الاعتراف بأن موقف المجلس الانتقالي من المرأة صار موضع شك من قبل النساء والفئات الليبرالية منذ سارع الشيخ مصطفي عبدالجليل في أول خطبة له بعد رحيل القذافي الي الاعلان عن العودة الي ممارسة تعدد الزوجات دون قيد او شرط، وهذه نقطة قال مؤيدوه انها ضرورية لتسوية مشاكل الارامل والمغتصبات في بلد فقد خمسين الف شهيد في معركة تحرره من الاستبداد وكان عدد المغتصبات فيه كبيرا في المرحلة التي صار فيها الاغتصاب سلاحا سياسيا قبل أن يكون انتهاكا معزولا، وجريمة فردية. وقد أفحش رجال القذافي ومرتزقته في استخدام هذا السلاح واضعين مدافعهم الذاتية في خدمة زعيمهم الذي اغتصب بلدا كاملا لاكثر من اربعة عقود، فما الاستبداد مهما قيل في تبريراته، وتنويعاته الا عملية اغتصاب سياسي لأمة كاملة، وفي المجتمعات القبلية حيث الشرف بين سيقان النساء يكون هذا السلاح أشد وامضي، وربما تكون مأساة ايمان العبيدي جاءتها بسبب اسم قبيلتها، فقد كان القذافي يريد الانتقام من عبد الفتاح يونس العبيدي صديقه، وزير داخليته الذي انشق عنه منذ بداية الثورة، ولم يجد أفضل من الأمر باغتصاب عبيدية سرا، ثم اخرج ذلك الي العلن بطرق شيطانية كانت معلما بارعا فيها. لقد بلغ من قساوة تلك المرحلة علي الليبيات ان كثيرات منهن طلبن من الاهل التخلص منهن كي لا يصيب القلبيلة عار الاغتصاب، وفي التقارير التي عرضت عن اغتصاب الليبيات وهي كثيرة مقارنة بما تسرب عن هذه الجريمة في سورية يمكن مشاهدة فظائع، فهناك فيديو عرضته قنوات عدة لامرأة اغتصبت من قبل عدة رجال في سيارة، وفيديو آخر لاخري تناوب نهشها خمسة عشر رجلا في الصحراء قبل ان يلقوا بها في طريق مهجور.وقد عرضت »سي ان ان« في تقرير لمراسلتها ساره سيدنر فيديو لامرأة في مصراتة يجري اغتصابها بعصا مكنسة. وربما كان هذا الشريط السبب في تعذيب القذافي بذات الطريقة قبل قتله وفي نهاية التقرير المستند الي تصوير الجريمة بموبايل أحد المغتصبين نسمع أن محمد الحلبوص وهو احد الثوار وليس عضوا في الكتائب طلب تجميع الفيديوهات والقوائم التي تحكي عن الاغتصاب وأسماء المغتصبين والمغتصبات لاعدامها تسترا كما قيل علي الضحايا بدلا من دراستها وتتبعها لاعتقال المجرمين. ومن المؤكد أن هذا ليس حلا فعلاج الجريمة لا يكون بإخفائها عن الانظار تحت اي سبب او مسمي كان، انما بمواجهة نتائجها ودراسة اسبابها، ومن النتائج أطفال المغتصبات الذين بدأوا بالتوافد، وهؤلاء وأمهاتهم مسؤلية النظام الحالي لذا يصبح لزاما علي المجلس الانتقالي مواجهة ملف المغتصبات الليبيات وايجاد حلول سريعة له بشجاعة تليق بالثورة.كما أن عليه ألا يحاول التذاكي في مسألة المشاركة السياسية للنساء، فالمجتمع الليبي الذي اراده القذافي ان يظل قبليا لتسهل السيطرة عليه من قبل شيوخه لن يظل قبليا الي الأبد فالثورات لا تأتي لتحافظ علي العادات والتقاليد إنما لتغييرها باتجاه الافضل، فما صلح للجيل المنكوب بالقذافي لن يصلح لشباب وضع روحه علي راحته وقاتل في سبيل أحلام الحرية والكرامة والمساواة في المجتمع الجديد.