قرار عاجل من الأعلى للجامعات بشأن اختبارات قدرات التربية الفنية والموسيقية    الوفد يبدأ مناقشة قانون الإيجار القديم    وزير الاتصالات: بناء القدرات الرقمية لأكثر من 30 ألف سيدة بمختلف المحافظات عبر مبادرة "قدوة. تك"    تقديم خدمات الكشف والعلاج ل93 حاجا من خلال عيادات بعثة الحج الطبية    آخر موعد لتقديم التظلمات بمبادرة سكن لكل المصريين 5    الجيش الإسرائيلي: 5 فرق تعمل في قطاع غزة للقضاء على المقاومة الفلسطينية    أمريكا.. إعصار مدمر يضرب كنتاكي وميزوري ويخلف أكثر من 20 قتيلا    أول تعليق من رئيس غزل المحلة بعد إلغاء الهبوط في الدوري المصري    علاء عبد العال: بيراميدز فرط في الصدارة.. والأهلي الأقرب لحسم الدوري    جثة ومصاب في سقوط موتوسيكل من أعلى كوبري بمدينة نصر    باحث مصري يحصد الدكتوراه حول توظيف العلاقات العامة الرقمية بالمؤسسات الثقافية العربية    لهذا السبب.. حنان ترك تتصدر تريند جوجل ومواقع التواصل    مهرجان الإسكندرية السينمائي لأفلام البحر المتوسط يعفي ذوي القدرات الخاصة من رسوم التسجيل    . حفيد عبد الحليم يرد على انتقاد موقف عائلة من نشر أسرار العلاقة السرية مع سعاد حسني    القومي للمسرح والموسيقى يحتفل باليوم العالمي للتنوع الثقافي الأربعاء    أحكام الحج والعمرة (1).. علي جمعة يوضح شروط ووجوه أداء العمرة    محافظ القاهرة يكرم 40 طالبًا وطالبة الحاصلين على المراكز الأولى في المسابقة الدينية    جامعة سوهاج تحتفل بتخريج الدفعة 29 من كلية الطب البشري    أنغام تتألق في "ليلة العمر" بالكويت وتستعد لحفل عالمي على مسرح "رويال ألبرت هول" بلندن    أستاذة علوم سياسية: كلمة الرئيس السيسى ببغداد شاملة تتفق مع السياسة الخارجية المصرية    «الضرائب» توضح تفاصيل خضوع المطاعم والكافيهات ل«القيمة المضافة» وتحذر من حملات تحريضية    جهاز تنظيم الاتصالات يناقش أبرز تحديات المستخدمين في عصر الجيل الخامس    أتالانتا يتمسك بماتيو ريتيجي رغم اهتمام ميلان ويوفنتوس    محافظ المنوفية يترأس اللجنة العليا للقيادات لاختيار مدير عام التعليم الفني    استعدادات «تعليم قنا» لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    "جلسة جديدة".. بايرن ميونخ يكشف تطورات المفاوضات مع ساني    منافس الأهلي بالميراس البرازيلي ل«أهل مصر»: لم نتفاوض مع كريستيانو رونالدو    وزير الدفاع الباكستاني: تلقّينا عرضًا هنديًّا للتفاوض حول كشمير والإرهاب.. ولا يمكن تجاهل الدور الدولي    حكم قضائي بحبس صالح جمعة شهرا لعدم سداده نفقة طليقته    إغلاق ميناء الغردقة البحري بسبب سوء الأحوال الجوية    محافظة الجيزة تزيل 3 أدوار مخالفة فى عقار بحى العجوزة    احتفالا بذكرى مجمع نيقية.. اجتماع ممثلي الكنائس الأرثوذكسية    بدء التصويت في الانتخابات التشريعية بالبرتغال    فصل التيار الكهربائي عن 5 مناطق بالعريش غدًا.. تعرف عليها    تواضع رغم النجاح| 4 أبراج لا تغريها الأضواء وتسعى للإنجاز بصمت    بداية من اليوم.. السكة الحديد تتيح حجز تذاكر قطارات عيد الأضحى 2025    رئيس جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية يتفقد سير امتحانات نهاية العام -صور    ما العيوب التي تمنع صحة الأضحية؟ الأزهر للفتوى يجيب    حكم قراءة الفاتحة وأول البقرة بعد ختم القرآن؟.. علي جمعة يوضح    محافظ المنوفية: رفع كفاءة كورنيش شبين الكوم ورصف مدخل المدينة    هل الكركم ضار بالكلى؟    ترحيل المهاجرين لسوريا وأفغانستان.. محادثات وزيري داخليتي النمسا وفرنسا غدا    الداخلية تواصل تيسير الإجراءات للحصول على خدمات الجوازات والهجرة    «مأزق جديد».. بيراميدز يدرس عدم خوض مباراة سيراميكا ويلوح بالتصعيد    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع لسرقته    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    التعليم العالي: قافلة طبية من المركز القومى للبحوث تخدم 3200 مريض فى 6 أكتوبر    وفاة بالسرطان.. ماقصة "تيفو" جماهير كريستال بالاس الخالدة منذ 14 عامًا؟    حماس: الإدارة الأمريكية تتحمل مسئولية المجازر الإسرائيلية بغزة    هل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية يفتتح الوحدة الصحية بالشيخ زايد بمدينة جمصة    التريلا دخلت في الميكروباص.. إصابة 13 شخصًا في حادث تصادم بالمنوفية    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 973 ألفا و730 فردا    النائب عبد السلام الجبلى يطالب بزيادة حجم الاستثمارات الزراعية فى خطة التنمية الاقتصادية للعام المالي الجديد    مصرع شخصين وإصابة 19 آخرين إثر اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين    «الرعاية الصحية» تعلن اعتماد مجمع السويس الطبي وفق معايير GAHAR    مصطفى عسل يهزم علي فرج ويتوج ببطولة العالم للإسكواش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختراق بالفوضي أقل تكلفة
نشر في أخبار اليوم يوم 09 - 12 - 2011

د. فوزى فهمى صحيح ذلك القول المتداول بأن البرابرة لم يدحروا روما، بل تعفنت من داخلها، وصحيح أيضا ان ملامح ذلك الخطر الداهم، تتجلي عناصره في أفق أي مجتمع، حين يفقد الناس ثقتهم بثقافتهم، وبمؤسساتهم التي تمارس الاستبعاد الاجتماعي، والاقصاء السياسي، وتستحوذ جماعات السلطة بصلاحياتها الواسعة علي الاحتكارات، وتنتزع الأموال، وتنخرط في الأعمال المحظورة، فيتقوض رصيد الثقة ومعايير التبادل التي تمثل رأس المال الاجتماعي الشاحذ لطاقات المجتمع نحو الفعالية والانتاج والتقدم، وتتفكك كفاءة الاقتصاد، ويسود العجز دوائر قدراته، وتتراكم الاختلالات، وتتعدد مشقات حياة الناس، خاصة حين يغيب الاشراق الذي ينير منظومة الحقوق الإنسانية، نتيجة تفاقم جموح صراعات النخبة علي السلطة، لكن الصحيح كذلك ان الخطر الأكبر أن تصبح تلك الأوضاع مألوفة لمجتمعها، ومقبولة في ضوء تسويغات مضللة، بوصفها سياسة عامة للعيش محتومة، عندئذ يعجز المجتمع عن ارتقاء التقدم. وإذا كان للتفاؤل أن يتنبأ بأن هذه الأوضاع سوف تخلق ثوارا عليها، فإن الأمريتطلب من الثوار الانفتاح من داخل مشروعهم وخارجه، علي ادراك أن ممارسة السلطة دون مسئولية أو ضمان كفاءة، يعيد انتاج تلك الأوضاع، فيتكرر تدويرها بلا حدود، دون قدرة حقيقية علي صنع التقدم. ولأن الثورة ليست هي التكرار، فإن علي الثوار الوعي بأن ثمة تحديات خارجية وداخلية، تتصدي لإنجاز مفهوم التقدم، بتخطيطها لمستقبل، هو في حقيقته ماض محروم من قوي التقدم. ان الزمن قد غير مفهوم القوة وكيفية استخدامها في عالمنا المعاصر، فبرزت أهمية ساحات الأوضاع الداخلية للدول، بوصفها قد غدت ساحات حرب بالوكالة، دون حاجة إلي جحافل عسكرية، اذ صار الاختراق بديلا، حيث تدار هذه الحرب بالمآزق، والأفخاخ، والالتباسات، وإشعال الصراعات، والاستعداءات، ارباكا لبنية مركب »الدولة والمجتمع« سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، وذلك من جانب قوي خارجية، تنطلق من حسابات قناعات مصالحها وتحالفاتها، أو من تقديرها لمنظومات التهديدات لأمنها، أو لمواجهة أية تهديدات طارئة، تتجلي في امكانية بعض الدول الاستحواذ علي آلات هجوم تماثل ما تمتلكه تلك القوي الخارجية، أو امكانية انخراط بعض الدول في مسار تقدم يؤهلها لاستحقاقاتها، بعد طول اقصاء، وتعدد حيله المضللة، انطلاقا من أن التقدم انحصاريا وحصريا يخص تلك القوي وحدها، اذ المسموح به لتلك الدول أن تمارس المشاركة في استهلاك بعض منتجات التقدم، وليس السعي إلي صناعته.
أصبحت بوابة التقدم بالنسبة إلي الشرق الأوسط رهينة قيود تلك القوي المهيمنة ومحظوراتها. وفي كتابه »الفوضي التي نظموها«، الصادر عام 7002، للكاتب »جوينديار« أستاذ العلوم العسكرية وتاريخ الشرق الأوسط بجامعة اكسفورد، والأكاديمية العسكرية الملكية بلندن أورد معللا أسباب تلك الهيمنة بأن »النفط وإسرائيل. جعلا شئون المنطقة مصدر اهتمام كبير للولايات المتحدة، التي تبدت قوة مهيمنة منذ الستينيات وحتي الآن، ولم يكن بالامكان السماح بحدوث تغيير جذري بالمنطقة، اذ يعوق ذلك تدفق النفط؛ لذا بقيت مجمدة سياسيا واجتماعيا طوال أجيال، لكن الدول الكبري المنتجة للنفط بالمنطقة، راحت تعتمد اليوم علي العوائد الواردة من صادراتها النفطية، في اطعام سكانها الآخذين بالتزايد، أي انها مرغمة علي بيع كل برميل تستطيع استخراجه، إلي سوق عالمية واحدة، تضع الأسعار للبائع والشاري معا«. ويستطرد الكاتب ليذكر تبريرات القوة المهيمنة لقيودها، مستنطقا حالها بقوله: مادام النفط يستمر في التدفق، فلا يهمنا من يحكم تلك الدول، أما المنطقة بكاملها باستثناء مخزونها النفطي فليست ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية لبقية العالم. اذن، لم لا تجلسون وتحاولون الاستمتاع بالفرجة؟«. ان صناع الفوضي ومصدريها إلي المنطقة بالاختراق، يوجهون الدعوة إلي الاستمتاع بالفرجة عبر الشاشات، علي مجتمع يحترب فيه الكل ضد الكل، حيث تراق دماء أبنائه بأيديهم، أو بالمرتزقة المأجورين، في حين لا يراق لصناع الفوضي دم، بوصف الاختراق بالفوضي أقل تكلفة من تحريك الجيوش للحرب المعلنة، بل تأتينا تضليلاتهم التي علي شاكلة قول أحد قادتهم العسكريين بأن كل عمل عظيم يمر بأطوار فوضوية خلال عملية صنعه، اذ كتلة الصلصال يمكن أن تصبح منحوتة فنية، وبقعة الطلاء يمكن أن تتحول إلي رسوم ملهمة، ويسترسل القائد العسكري مشبها أمثلته تلك ببناء المجتمع من خلال الفوضي. انها الحيل المتهافتة التي ترتكز علي عقد المقارنات الفاسدة، لتستلب المشهد باختطاف وقائعه وحقائقه، وتغلفها بتبريرات التكاذب المفضوح لتضخا امتدادا للهيمنة. صحيح ان استخدام العنف يقع عند نهاية علاقات التشارك بين أفراد المجتمع، وصحيح انه كلما تزايد اختراق الأفكار المشتركة لمجتمع، تتوالد الفوضي التي تحرض علي العنف، لكن ليس صحيحا ان الفوضي تنتج الأفكار المشتركة في مجتمع، وإنما تنتج التفتت، والتشرذم، وسقوط الهوية، وضياع المصير.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.