إن خصوصية مكان المجتمع المصري الحاضن لمواطنيه من مسلمين ومسيحيين, ليست شعارات هشة نرفعها, وليست مأزقا خانقا ينبغي التخلص منه, وإنما هي حقيقة تاريخية اجتماعية, وإنجاز بشري صاغه استعداد نفسي وأخلاقي وثقافي مصري, أفسح المجال لبناء علاقة سوية وسليمة بينهما علي مدي تاريخ هذا الوطن. وقد اقترنت هذه العلاقة بالفصل بين دائرتين من دوائر الحياة, هما دائرة الحياة العامة التي تحكمها القوانين والمؤسسات التي تنظم علاقات جميع الأفراد بعضهم بعضا علي أرض هذا الوطن, ودائرة الحياة الخاصة التي تحكمها الحريات والحقوق في اختلاف الاختيارات, والانتماءات الدينية, ولم يصنف أصحابها بأقلية أو أكثرية تفرز مشكلات تتطلب تسويات أو محاصصات في الحقوق, وذلك لأصالة انصهار الوجود التاريخي والثقافي للمصريين, بوصفه محددا أساسيا وحصريا للهوية المصرية التي خولت لكفاءات من أقباط مصريين أن تتقلد صلاحيات سلطة رئيس مجلس الوزراء, أو منصب الوزير, وغيرهما, بهذا الفصل بين الدائرتين صاغ المجتمع المصري تاريخ تعايشه, وتاريخ نضاله الوطني داخليا وخارجيا بمواطنيه من مسلمين ومسيحيين, محققا وحدته وحريته واستقراره, علي الرغم من محاولات الدس بالتحريضات المستترة, والتضليلات العلنية الفجة التي نورد منها مثالا متجليا في الحملة المسعورة التي شنتها الصحافة الغربية ضد الرئيس الراحل عبدالناصر عام1954 بأنه المسيح الدجال المتحالف مع الشيوعية الدولية, لإحياء الهيمنة الإسلامية, ومحو كل وجود غير مسلم في الشرق, ومصادرة أموال الأقليات, ثم في عام2010 يأتي التقرير الأمريكي عن الحالة الدينية في مصر نموذجا علي التحريض, والاحتقان الطائفي, والتعصب, وبالتلاعب المخزي بحقوق الإنسان, ومحاولة أمركة الدستور المصري. في ضوء متغيرات موازين القوي الدولية, ومستجدات أهدافها, وتبدل خريطة مصالحها الاقتصادية والسياسية, اتخذت هذه القوي من تأجيج العدواة بين الأديان, وإثارة صراع الهويات إرهابا ضمنيا للسيطرة, أنتجته عقلية التمركز الغربي التي أنهت تاريخ الإنسان بما حققته, وفقا لتصورات فوكوياما, وصاغت أطروحة الصدام بين الحضارات بدلا من الحوار بينهما, وفقا لتصورات هينتنجتون, وعلي الحقيقة فقد شكل استقرار المجتمع المصري حاجزا ممتنعا علي كل اختراق أمام أصحاب الدعاوي والمشروعات المضادة لمصالح هذا الوطن, الذين مارسوا ألاعيبهم العارية, وضغوطاتهم بالوصاية المضللة, وكل ما يملكونه من أوراق القرصنة للتأثير في مصير هذا الوطن, وفشلت حملاتهم أمام الخطوط الحمراء التي أعلنتها القيادة السياسية المصرية بحسم ضد علاقات السيطرة والاستتباع, وفي مواجهة أي مساس باستقلال الوطن الذي سالت دماء أبنائه من مسلمين ومسيحيين دفاعا عن ترابه, وحفاظا علي هويته, لكنهم في مواجهة فشلهم سكنهم هدف تفكيك وحدة هذا الوطن من داخله, وذلك من خلال تغيير الأساس الفكري لوحدة المجتمع المصري, بتحريض الانتماءات الدينيةوتسييسها, وحثها باتجاه المواجهة بين المسلمين والمسيحيين عبر صدامات داخلية تمزق المجتمع, بحيث تندفع هذه الصدامات وتمتد إلي الطوائف الدينية المذهبية, تكريسا لاحتقان سياسي يفتت الدولة إلي عصب جديدة تنقسم إلي محميات منفصلة, تحقق لها إمكان السيطرة وفرض نفوذها علي مقدرات هذا الوطن. إن ذلك التقصي للحقائق يكشف عن أن الإرهاب الطائفي الذي جري علي أرض هذا الوطن ليس وليد تاريخ التعايش الآمن المشترك المرتكز إلي تاريخ متجذر مجتمعيا بموروث ثقافي مشترك, إنه إرهاب ليس من أبجديات النسق الثقافي المصري الذي لا يعرف الإقصاء والاستئصال, وإنما هي حرب خارجية معلنة تستهدف زعزعة معالم الذاكرة المصرية وثوابتها الراسخة, حرب غايتها تأجيج الاحتقان, والتمترس, والتخندق الطائفي بالتحريض المتبني لممارسات العنف وأعمال الإرهاب الأعمي لمصلحة قوي خارجية متسلطة, تستخدم عبر ما يوصف ب خصخصة الصراع, شركات عسكرية خاصة للقيام بمهام العنف والإرهاب, عن طريق عملائها الذين تجندهم من أصحاب العقليات المتطرفة, المشحونة بالغلو, وتدفعهم إلي تنفيذ عملياتها حتي يتبدي الأمر تضليلا أنه صراع داخلي, إذ تستهدف هذه القوي الخارجية بذلك أن تفتح خطوطا تفضي إلي انعطافات تحيل علاقة المصريين بعقائدهم وهويتهم إلي مأزق, تؤدي إلي تراجعات وتحولات في توجهات السياسة المصرية الوطنية, صحيح أن الشعب المصري قد التف حول حقيقة وحدته, مكابدا الألم, والخسائر في أرواح أبنائه, متصديا لتلك الاستباحة وتلفيقاتها, فخرجت الجماهير المصرية من مسيحيين ومسلمين إلي الشوارع, رافعة أعلام معانقة الهلال للصليب, رمزا لحس انتمائها, ووعيها بتضحياتها المتبادلة دفاعا عن هذا الوطن, وصحيح أن الدستور المصري حمي وحدة المصريين, بإقراره المواطنة أساسا لنظامه الجمهوري, لكن الصحيح كذلك أن التاريخ لا تجري أحداثه من وراء ظهورنا, وأن نتائجه تقع مسئوليتها علي كاهلنا جميعا, لذا لابد من الانتباه الجماعي لذلك الإرهاب الشرس, ولابد من تشريعات قانونية تواجه محاولات الدس والتحريض التي تتجلي في ممارسات التمييز الديني والطائفي, بوصفه جرما يعاقب عليه القانون.