الكنائس الأرثوذكسية تحتفل بمرور 1700 سنة على مجمع نيقية- صور    أول تعليق من ترامب على إصابة جو بايدن بالسرطان.. ماذا قال؟    شهيد و13 مصابا ومفقودين في غارة إسرائيلية على خان يونس    إصابة شخصين في حادث تصادم على طريق مصر إسكندرية الزراعي بطوخ    جنوب أفريقيا تتوج بأمم أفريقيا تحت 20 عامًا على حساب المغرب    موعد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    شيكابالا يتقدم ببلاغ رسمي ضد مرتضى منصور: اتهامات بالسب والقذف عبر الإنترنت (تفاصيل)    أسطورة مانشستر يونايتد: صلاح يمتلك شخصية كبيرة..وكنت خائفا من رحيله عن ليفربول    تعادل إنتر ونابولي يشعل صراع اللقب ويؤجل الحسم إلى الجولة الأخيرة من الدوري الإيطالي    مصرع شابين غرقا أثناء الاستحمام داخل ترعة بقنا صور    لجنة الحج تعلن عن تيسيرات لحجاج بيت الله الحرام    تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى 2025 فى مدن ومحافظات الجمهورية    نجل الفنان عبدالرحمن أبو زهرة يشكر السيسي بعد اتصاله بوالده    رجل الأعمال ماهر فودة يحضر العرض الخاص ل"المشروع X" بصحبة خالد صلاح وشريهان أبو الحسن    هل توجد زكاة على المال المدخر للحج؟.. عضوة الأزهر للفتوى تجيب    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    تبدأ ظهرًا.. جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 الترم الثاني في محافظة كفر الشيخ    24 ساعة حذرة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «اتخذوا استعدادتكم»    لويس مارتان بريفوست يفاجئ الحضور بمعانقته شقيقه البابا لاوون الرابع عشر خلال قداس التنصيب    رسميًا.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وATM وإنستاباي بعد قرار المركزي الأخير    في أول زيارة رسمية لمصر.. كبير مستشاري الرئيس الأمريكي يزور المتحف المصري الكبير    القومى للاتصالات يعلن شراكة جديدة لتأهيل كوادر مصرفية رقمية على أحدث التقنيات    البابا لاوون الرابع عشر: العقيدة ليست عائقًا أمام الحوار بل أساس له    قرار تعيين أكاديمية «منتقبة» يثير جدلا.. من هي الدكتورة نصرة أيوب؟    مجمع السويس الطبي.. أول منشأة صحية معتمدة دوليًا بالمحافظة    حزب "مستقبل وطن" بسوهاج ينظم قافلة طبية مجانية بالبلابيش شملت الكشف والعلاج ل1630 مواطناً    رئيس لبنان: هل السلاح الفلسطيني الموجود بأحد المخيمات على أراضينا قادر على تحرير فلسطين؟    وزير الرياضة يشهد تتويج جنوب أفريقيا بكأس الأمم الإفريقية للشباب    بتول عرفة تدعم كارول سماحة بعد وفاة زوجها: «علمتيني يعنى ايه إنسان مسؤول»    أحمد العوضي يثير الجدل بصورة «شبيهه»: «اتخطفت سيكا.. شبيه جامد ده!»    «سأقاضيكم وأخطأت إني جيت».. القصة الكاملة لانفعال مصطفى الفقي على مذيع العربية    أكرم القصاص: نتنياهو لم ينجح فى تحويل غزة لمكان غير صالح للحياة    دراما في بارما.. نابولي يصطدم بالقائم والفار ويؤجل الحسم للجولة الأخيرة    ملخص وأهداف مباراة إشبيلية ضد ريال مدريد في الدوري الإسباني    ننشر مواصفات امتحان مادة الرياضيات للصف الخامس الابتدائي الترم الثاني 2025    من أجل علاقة مُحرمة مع طفل... كيف أنهت "نورهان" حياة والدتها في بورسعيد؟    الشرطة الألمانية تبحث عن رجل أصاب 5 أشخاص بآلة حادة أمام حانة    بحضور رئيس الجامعة، الباحث «أحمد بركات أحمد موسى» يحصل على رسالة الدكتوراه من إعلام الأزهر    رئيس الأركان الإسرائيلي: لن نعود إلى ما قبل 7 أكتوبر    وزير المالية الكندي: معظم الرسوم الجمركية على الولايات المتحدة "لا تزال قائمة"    إطلالات ساحرة.. لنجوم الفن على السجادة الحمراء لفيلم "المشروع X"    الأهلي ضد الزمالك.. مباراة فاصلة أم التأهل لنهائي دوري السلة    تعيين 269 معيدًا في احتفال جامعة سوهاج بتخريج الدفعة 29 بكلية الطب    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الإثنين 19 مايو 2025    أسعار الذهب اليوم الإثنين 19 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    المستشار القانوني للمستأجرين: هناك 3.5 ملايين أسرة معرضة للخروج من منازلهم    مشروب طبيعي دافئ سهل التحضير يساعد أبناءك على المذاكرة    هل الرضاعة الطبيعية تنقص الوزن؟- خبيرة تغذية تجيب    دراسة تقليل التكدس في العيادات الخارجية بالقليوبية    البابا لاون الثالث عشر يصدر قرارًا بإعادة تأسيس الكرسي البطريركي المرقسي للأقباط الكاثوليك    محامٍ: المستأجر هو الطرف الأكثر حاجة لصدور القانون الجديد.. وهذا المطلوب من النواب    أمين الفتوى: يجوز للمرأة الحج دون محرم.. لكن بشرط    ما لا يجوز في الأضحية: 18 عيبًا احذر منها قبل الشراء في عيد الأضحى    9 وزارات تدعم الدورة الرابعة لمؤتمر CAISEC'25 للأمن السيبراني    تعليم الشيوخ تستكمل مناقشة مقترح تطوير التعليم الإلكتروني في مصر    رئيس «تعليم الشيوخ» يقترح خصم 200 جنيه من كل طالب سنويًا لإنشاء مدارس جديدة    أشرف العربى: تحسن ملموس فى مستوى التنمية فى مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكافحة للتعصب أم نبذ للتدين؟
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 02 - 2010

السجال الدائر فى مصر بعد مقتلة الأقباط فى نجع حمادى تبنى فى البداية دعوة لمكافحة التعصب، وأطلق فى النهاية حملة لمكافحة التدين.
(1)
الفكرة ليست جديدة تماما، فالخطاب الذى يخلط بين التعصب والتطرف من ناحية وبين التدين من ناحية ثانية ليس وليد هذه الأيام، وإنما تردد بشكل مقتضب وغير مباشر خلال العقدين الماضيين. على الأقل فالنظام التونسى تبناه بصورة غير مباشرة حين رفع شعار «تجفيف الينابيع»، الذى انطلق من الادعاء بأن التدين هو البيئة الحاضنة للتطرف والتربية المنتجة له. وادعى أن التصدى للأصل كفيل بالخلاص من مختلف الشرور التى تفرعت عنه، هكذا فى خلط ساذج أو خبيث بين التديُن الصحيح الذى يرسى أساس النهوض بالمجتمع، وبين التدين المغلوط والمغشوش الذى يخاصم المجتمع ويعلن الحرب عليه.
هذه الفكرة عبر عنها ذات مرة تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية الذى تصدره مؤسسة الأهرام، ثم ترددت بعد ذلك فى كتابات عدة، أشرت إلى بعضها فى الأسبوع الماضى، خصوصا من قال إن ظاهرة التدين فى مصر تصاعدت وبلغت مرحلة الخطر، واعتبر ذلك مما يعزز ثقافة التخلف. ومثله من صوبوا سهامهم نحو نفس الهدف بدعوى الاستسلام لغيبوبة الماضى، والغرق فى محيط الخرافة، والتصدى للظلامية الزاحفة... إلخ، إلى غير ذلك من الإشارات المبطنة والعبارات الغامضة. أما الجديد هذه المرة فهو الجرأة على طرح الفكرة، والتخلى عن الأقنعة التى تم التخفى وراءها، ومن ثم الجهر بالدعوة من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
إن أخطر ما فى هذه الدعوة أنها لا تستهدف فقط إقصاء الدين وعزله عن المجال العام، وإنما أنها تضرب فى مقتل هوية المجتمع الذى قام تاريخيا على الاعتزاز بالإسلام والعروبة. وإزاء الذى أصاب العروبة من تشوهات وتصدعات، فإن توجيه السهام إلى الانتماء الإسلامى يصبح فى حقيقة الأمر دعوة إلى الانتحار الحضارى والتخلى عن آخر حصون الهوية، إلى جانب كونه مفاصلة مع العالم الإسلامى وتفريطا فى محيط الأمة الاستراتيجى.
إن دفاعنا الحقيقى هو عن القيمة والهوية، وليس عن أى ممارسات تصدر عن اتباع الدين، خصوصا إساءات المتعصبين أو حماقات الجاهلين أو أفعال المتطرفين والإرهابيين. ورغم أن تلك ملاحظة تبدو بديهية عند ذوى العقول الراجحة والحس السليم، إلا أنها غير ذلك تماما عند أولئك النفر من المتصيدين والمتحاملين. ذلك أنهم يعمدون إلى التقاط بعض تلك الممارسات ويتكئون عليها فى دعاواهم. وبدلا من المطالبة بتصويبها ووقفها أو محاسبة المسئولين عنها فإنهم يحاكمون التدين ذاته، ويدعون إلى نبذه وحصاره وطمس مظاهره فى المجتمع.
بقيت عندى ملاحظة أكررها فى هذا التمهيد، وهى أن الذين يشنون تلك الحملة يمثلون قشرة معزولة ومحدودة ظهرت على سطح المجتمع، فى مناخ سلبى دأب على أن يستخلص من الناس أسوأ ما فيهم. ولولا المواقع التى مكنوا منها والتطور الحاصل فى وسائل الاتصال الذى أتاح لكل من هب ودب أن يصل إلى أسماع الناس، لظلوا مجرد أصوات نشاز لا حضور لها ولا صدى.
(2)
أشرت فى الأسبوع الماضى إلى مقترحات إلغاء تدريس الدين فى المدارس، ومنع الصلاة فى أماكن العمل ومنع أى نشاط اجتماعى أو خيرى تقوم به المؤسسات الدينية وحظر نشر فتاوى الفقهاء فى وسائل الإعلام الرسمية، إلى غير ذلك من مقترحات محو الدين وحصاره. وأضيف هذه المرة نصين يصوران مدى الحساسية التى تولدت لدى البعض من مجرد ذكر الدين أو الالتزام ببعض مظاهره.
النص الأول نشره «الأهرام» فى 26/1 تحت عنوان «كرة القدم والدين: خلطة الكابتن شحاتة». وهو بمثابة تعليق احتجاجى على تصريح نقل على لسان مدرب المنتخب المصرى لكرة القدم قال فيه أنه يسعى دائما لأن يكون اللاعبون الذين يرتدون «فانلة» مصر على علاقة طيبة بربهم، وهو كلام يمكن أن ينطبق على المسلمين وغير المسلمين، لأن الطرفين يمكن أن يكونا على علاقة طيبة بربهم. وحين وقعت عليه لأول مرة فهمت أن المقصود به حرصه على تحلى اللاعبين بالاستقامة وتحليهم بالأخلاق الطيبة وبعدهم عن الرذائل. إلا أن الكاتب استفزه كلام الكابتن شحاتة، ولم تعجبه الدعوة التى اعتبرها خلطا خطرا بين الدين والرياضة. (كاتب آخر ذكر فى تعليق له أن الفكرة أصابته بالفزع!). وبنى صاحبنا احتجاجه الغاضب على أساس توهمه أن الكابتن شحاتة قدم المعايير الدينية على المعايير الفنية الموضوعية، كأن الرجل شكل فريقه من مجموعة الدراويش، واعتبر ذلك «طامة كبرى» ودعوة إلى فتنة الشباب، لظنه أنه «يوجه إليهم رسالة خاطئة وخطيرة تفيد أن بإمكانهم الاستغناء بالطقوس الدينية الشكلية عن المقومات الحقيقية التى ينبغى أن يتحلوا بها فى حياتهم العلمية». وبعدما قلبت المسألة على هذا النحو قال الكاتب إن الرجل «ربما لا يقدر حجم الأذى الذى يمكن أن يترتب على خلط الرياضة بالدين، والاستهانة بالمعايير الفنية والموضوعية فى لحظة يتوقف فيها مستقبل أمتنا على استيفاء هذه المعايير فى كل مجال».!
فى اليوم التالى مباشرة (27/1) نشر الأهرام تعليقا مدهشا لأحد محرريه تحت عنوان البى. بى. سى ترتدى الحجاب، وجاء النص تعقيبا على ظهور إحدى المذيعات المسلمات بالحجاب على شاشة تليفزيون ال«بى. بى. سي» الذى يبث باللغة العربية. وهو ما استفز الكاتب الذى عبر عن غضبه واحتجاجه فى قوله «لما كانت بريطانيا دولة مدنية علمانية ينص دستورها على حرية العقيدة والكلمة. فإن التوجه الجديد لا يتفق مع العلمانية. والأهم من ذلك أن ارتداء الفتاة للحجاب ليس انحيازا للإسلام ولا احتراما للمسلمين بل انحيازا لقوى التطرف والتشدد والإرهاب».(!!)
وفى موضع آخر قال إن«القناة ارتدت الحجاب لتشارك فى الصراع بجانب القوى المتشددة والإرهابية». وختم التعليق بقوله إن النص القرآنى لا يفرض الحجاب على المسلمات. مضيفا ان هذا الفهم عبر عنه بوضوح الشيخ محمد عبده فى فتاواه المتعلقة بالحجاب. النصان من نماذج الكلام الغريب الذى يلوث الإدراك فى مصر هذه الأيام، من حيث إنه مسكون بالنفور من حضور التدين أو مظاهره. والنص الأخير تفوق فى بؤسه ليس فقط على مستوى الموقف وإنما على المستوى المعرفى أيضا. فصاحبنا لم يحتمل ظهور مذيعة واحدة بالحجاب واعتبر أن القناة كلها تحجبت، واتهمها بمساندة التشدد والإرهاب¡ هكذا مرة واحدة، وذكر أن الدستور البريطانى ينص على كذا وكذا، وهو لا يعلم أن بريطانيا ليس لها دستور مكتوب، وادعى أن الإمام محمد عبده له فتوى بخصوص الحجاب تدعم رأيه، وهذه كذبة أخرى، لأن كلام الإمام حجة عليه ينحاز إلى الرأى القائل بأن الوجه والكفين ليسوا عورة، بما يعنى أن كلامه انصب على النقاب وليس الحجاب.
(3)
إذا استطعت أن «تبلع» الكلام السابق، وجاز لنا أن ننتقل إلى الكلام الأكثر جدية فسوف نجد أن حملة إقصاء الدين ركزت على «تنقية» هوية الدولة والمجتمع فى مصر فى آثاره من خلال أمرين أساسيين هما: فك الارتباط بين الدين والدولة وإقامة الدولة المدنية. وفى الوقت ذاته إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة هى المصدر الأساسى للتشريع. ولى عليها عدة ملاحظات ألخصها فيما يلى:
* إن هذا التفكيك لهوية الدولة المصرية يتزامن مع السجال الحاصل فى فرنسا، وإن مضى فى اتجاه معاكس له. فمصر يتراجع دورها عربيا، ويعبأ الرأى العام فيها ضد الانتماء العربى، وفى ذات الوقت يجرى فك الارتباط بينهما وبين الإسلام، بحيث تنفك عراها واحدة تلو الأخرى. أما فى فرنسا فالسعى حثيث لتثبيت أقدام الجمهورية والعلمانية والتقاليد الفرنسية، والتخلص مع كل ما يظن أنه يعترض هذا الطريق، بمعنى أننا ننخلع من مقومات الانتماء فى حين أنهم يعززونه ويثبتونه بمختلف السبل.
* إن المشكلة الحقيقية التى نواجهها ليست فى تدخل الدين فى شئون الدولة، ولكنها فى هيمنة الدولة على شئون الدين، واستخدام منابره وآلياته لخدمة سياساتها وتبريرها. ومن ثم فالمطلب الدقيق هو رفع يد الدولة عن الدين وليس العكس. وسجل الدولة مع المؤسسة الدينية معروف (فتوى تأييد إقامة الجدار العازل ليست بعيدة عن الأذهان) ثم إن تدخل الدولة فى تقييد الأوقاف حرم المجتمع من باب واسع للتنمية أسهم فى نهضة تركيا الحديثة.
* ثمة سؤالان كبيران تطرحهما هذه الدعوة هما: ما هى الخطوات النهضوية أو الإنجازات السياسية والمجتمعية التى شرعت فيها السلطة المصرية وعطلتها المادة الثانية من الدستور؟ ثم هل هذه المادة هى التى تحول دون إقامة المجتمع المدنى، وهل من شأن حذفها أن يستعيد المجتمع حيويته؟
* لا توجد هناك صلة بين الأحداث الطائفية التى حدثت فى نجع حمادى وبين هوية الدولة أو المادة الثانية للدستور. ومخطئ من يظن أن الاحتقان سيزول تلقائيا بعد التأكيد فى الدستور على مدنية الدولة، وإلغاء المادة الثانية، والحاصل فى نيجريا الآن خير دليل على ذلك. إذ إن سقوط مئات القتلى من المسلمين فى الصراعات الطائفية الدائرة هناك، وهى فتنة اكبر، ليس لها علاقة لا بالدولة المدنية ولا بأى مادة فى الدستور.
* إن وجود المادة الثانية فى الدستور يضمن الإسناد الشرعى الإسلامى لجميع الحقوق والمبادئ الواردة فيها، خصوصا ما تعلق منها بالمواطنة والمساواة. وهو المعنى الذى أكدته دراسة المستشار طارق البشرى حول الموضوع، علما بأن النص على دين الدولة فى الدستور كان موضع إجماع النخبة المصرية الممثلة لمختلف فئات المجتمع التى وضعت مشروع الدستور فى عام 1922، فى حين أن ثمة شكوكا قوية فى شرعية ودوافع الذين يتبنون دوافع إلغاء المادة الآن.
* إن اعتبار إقصاء الهوية الدينية شرط لإقامة الدولة المدنية يعد خطأ معرفيا وسياسيا فى نفس الوقت. فالتنمية فى المجتمع الإسلامى على مدار تاريخه حمل عبأها الناس. وكانت الأوقاف هى الركيزة الأولى لها. واعتماد المرجعية الإسلامية لا يؤسس بالضرورة دولة دينية بالمفهوم السائد فى التجربة الغربية، ونفوذ المرشد فى إيران التى يقال إنها دولة دينية لا يقارن بنفوذ أى «بابا» فى تجربة الكنيسة الغربية، ومعارضوه أقوى وأكثر ثباتا من أى معارضين آخرين فى أى دولة «مدنية» فى العالم العربى.
(4)
إن تثبيت الهوية الدينية لأى مجتمع لا يقدح فى مدنيته، وهو ليس بدعة فى زماننا. فملكة إنجلترا رئيسة للكنيسة، والمادة الأولى من دستور اليونان تنص على أن المذهب الرسمى للأمة اليونانية هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، وفى الدنمارك والسويد يشترط فى الملك أن يكون من أتباع المذهب الإنجيلى وملك إسبانيا يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الكاثوليكية. والكاثوليكية فى أمريكا اللاتينية والبوذية فى الشرق الأقصى، ديانتان معتمدتان لدول عدة، لكن ما هو حلال للآخرين حرام فى بلد كمصر عاش فيه الإسلام خمسة عشر قرنا، حتى أصبح يمثل جوهر ثقافته، وديانة 94٪ من سكانه.
إن التعايش الآمن بين مكونات المجتمع له شروطه، التى باستيفائها يسود السلم الأهلى ويتحقق الأمن الوطنى، وتلك الدعوات غير المسئولة من جانب البعض ليست سوى ألغام يبثونها فى طريق السلم والأمن المنشودين لمصر كلها، وليس لفئة دون أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.