رحل عنا وتركنا منذ أيام الفنان الراقي.. الأخلاق.. الهادي.. الوقور.. المحترم.. المبتسم دائما »عمر الحريري«.. وقد رحل عنا في شهر أكتوبر الكثير من رموز الفن والفكر والأدب العظماء.. عميد المسرح والفن العربي يوسف بك وهبي.. عميد الأدب العربي د.طه حسين.. عميد الموسيقي السينمائية الخفيفة علي القلب والسمع.. محمد فوزي!! وعندما قمت بتمثيل دور الموسيقار العظيم محمد فوزي في المسلسل الإذاعي الرمضاني »عوام علي بر الهوي« أو »شحات الغرام« الذي أذيع علي شبكة الشباب والرياضة منذ سنوات حرصت قبل أن أمثل دوري أن ألتقي بكل الشخصيات القريبة من الفنان العبقري في النغم وفي فلسفة أمور الحياة بطريقته.. فعشقي لفوزي كان منذ طفولتي ولكي أفهم شخصية فوزي التي سأقوم بها في الإذاعة حرصت علي أن أجري عدة حوارات مع عدد كبير من الشخصيات التي كانت ملتصقة بالفنان الكبير حتي أستطيع الاقتراب أكثر وأعمق من شخصيته. وكانت زيارتي الأولي لأم الأولاد (هداية) بنت الجيران التي أحبها فوزي وأطلق عليها لقب »وش السعد« وظل يناديها بهذا اللقب حتي وفاته! والتي قدرت جدا اهتمامي وحبي لفوزي وحرصي علي إحياء كنوز ألحانه لكي تتعرف عليها الأجيال الجديدة وذلك من خلال عروض فرقتي الموسيقية والاستعراضية والتي حرصت فيها علي تقديم روائع فوزي المختلفة في كل عروضها سواء في مصر أو في العالم العربي أو في المهرجانات الدولية التي شاركنا فيها في جميع أنحاء العالم! والمستمع بدقة لألحان محمد فوزي يشعر أنها مصنوعة اليوم وليس من خمسين سنة فقد برع فوزي في تقديم كافة الألوان الموسيقية سواء التواشيح والألحان الصوفية والتي عاشها في طفولته في طنطا خاصة أيام مولد السيد البدوي أو في الدويتوهات الرائعة المبتكرة التي قدمها مع ليلي مراد وصباح ونور الهدي وشادية وفايزة أحمد ونازك إلي جانب الحانه الوطنية العديدة (بلدي أحببتك يا بلدي) وطبعا لا نستطيع أن ننسي أن فوزي هو أول من تذكر الطفل في العالم العربي وقدم له أغانيه الرائعة (طلع الفجر ماما زمانها جاية) وأول من خرج بالأغنية العربية إلي الأفاق العالمية من خلال أغانيه الفرانكواراب (يا مصطفي - فطومة - علي بابا) وأول من أنشأ مصنعا للأسطوانات في افريقيا وأسيا وأول من غامر بانتاج فيلمين بالألوان الطبيعية سنة 1950 (الحب في خطر نهاية قصة). ثم كان لي لقاء مع شقيقته من أمه وأبيه (بهيجة) أو هدي سلطان كما سماها أستاذي الكبير مخرج الروائع حسن الإمام وروت لي الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا كيف تم التحاق فوزي بفرقة بديعة مصابني وكيف أعجبت به وفي زيارة خاطفة لأستديو مصر يتعرف فوزي علي عميد الفن العربي يوسف بك وهبي الذي يعطيه فرصته السينمائية الأولي في فيلم »سيف الجلاد« لينطلق بعدها سينمائيا عندما اختاره أحمد بدرخان ليقوم بدور البطولة في فيلم »قبلة في لبنان« أمام سمراء النيل مديحة يسري التي أعجب بها فوزي وظلت نظراتها تداعب خياله وفكره سنوات إلي أن تزوجها عام 1949 وشاركته في بطولة عدد كبير من الأفلام السينمائية المرحة وكون معها ثنائيا سينمائيا ناجحا (فاطمة وماريكا وراشيل بنات حواء نهاية قصة من أين لك هذا معجزة السماء) واستمر زواجهما سبع سنوات أنجب خلالها ابنته الوحيدة وفاء التي توفيت بعد شهور من ولادتها ثم ابنهما عمرو الذي مات في حادث سيارة.. ويوم أن تم الطلاق بين فوزي ومديحة قالت له: »كنا زملاء وأصدقاء قبل الزواج وهنفضل كده برضه يا فوزي بعد الطلاق« وفعلا ظلت مديحة يسري تساند فوزي بكل قوتها في عذابه سواء أيام التأميم أو سنوات مرضه الغامض والذي حير اطباء العالم! واستمرت تسجيلاتي النادرة الخاصة مع كل من كانت لهم صلة بعبقري النغم محمد فوزي وفلسفته الرائعة في تقبل النجاح والفشل والأعاصير والعواصف التي مر بها في حياته بنفس الابتسامة الهادئة التي كانت تميزه دائما حتي في أشد حالات مرضه بل حتي قبل وفاته بلحظات كما روت لي (كريمة) أو (فاتنة المعادي) زوجته الأخيرة والتي تزوجت من فوزي وهي أم لثلاثة أولاد وكان فوزي قد افتتح استديو »صوت القاهرة للصوتيات« في العتبة وذهب فوزي إلي استديو (العتبة) للتسجيلات الصوتية التابع لشركته وفوجئ بضابط جيش يجلس علي مكتبه ويخبره أن الشركة قد تم تأميمها مع قرارات التأميم الشهيرة عام 1961 وأن علي فوزي أن يذهب إلي مكتب آخر صغير في نفس الاستديو بمرتب شهري مائة جنيه وذهب فوزي ليجد أن المكتب المخصص له هو غرفة البوفيه في الشركة واجتمع كل موظفي الاستديو وكل موظفي شركة صوت القاهرة من فنيين وإداريين وقالوا لفوزي: لن نعمل سنرحل معك ورد فوزي والدموع في عينيه: بل سنعمل وأنا معكم لأن المسئول أو الوزير أو المدير حايمشي في يوم من الأيام لكن الشركة أي صوت القاهرة ستبقي وستستمر وستنجح..! ده كان فكر محمد فوزي في إبقاء شركته صوت القاهرة علي قيد الحياة رغم كل العواصف التي تعرض لها وللأسف لم تكن الشركة حريصة عليه كما كان هو حريصا عليها ولم تهتم الشركة بتخليد ذكري مؤسسها وصانعها فبعد أربع سنوات من الاتفاق معه علي تقديم قصة حياته في مسلسل كبير يروي كفاحه وأنغامه بالمشاركة معي وبعد أن حصلت أنا علي حق استغلال جميع أغاني فوزي بصوته وصوت كل من لحن لهم وبعد موافقة كل أطراف أسرته علي السيناريو الرائع الذي كتبه الأستاذ مصطفي جمعة عن حياة عبقري النغم »محمد فوزي« المليئة بالأحداث الدرامية ةقررت شركة صوت القاهرة وأكرر التي أسسها محمد فوزي ألا تعمل مسلسلا غنائيا يخلد اسم مؤسس الشركة وأرسلت لي خطابا من كلمتين تقول فيه انها لن تستمر في المشروع بعد كل سنوات المماطلة والمراوغة معي بحجة عدم وجود سيولة للمشاركة في المسلسل رغم أنها تدرك جيدا أنني قد بدأت التصوير فعلا وأنني حصلت علي حق استغلال أغاني فوزي بصوته وصوت كل من لحن لهم وكانت تستطيع الشركة استغلال هذه الثروة الغنائية لفوزي علي شركة الصوتيات التي تملكها وتستغلها كما تستغل أغاني سيدة الغناء العربي أم كلثوم التي أعطت لفوزي حق استغلال كل أغانيها مدي الحياة من شدة إعجابها وحبها لفوزي وهي الثروة التي تعيش عليها شركة صوت القاهرة الآن! وتوفي فوزي في 02 أكتوبر 1966 وعمره 48 سنة تقريبا نفس السن التي رحل فيها العندليب عبدالحليم حافظ ولهذا السبب استبعدت روحي من القيام بدور فوزي رغم عشقي وتعلقي بهذا الفنان النادر منذ طفولتي ورغم أنني قدمت معظم روائعه الموسيقية في فرقتي الاستعراضية وقد قررت استئناف تصوير المسلسل بالمشاركة مع احدي القنوات علي أن يقوم بدور فوزي وجه جديد لم يسبق له الظهور علي الشاشة حتي علي الجماهير خاصة أنني طبعا سأستغل تسجيلات محمد فوزي بصوته المميز في المسلسل وقد اتخذت هذا القرار وأنا كلي حسرة أن الزمن سرق مني أمنيتي في أن أكون محمد فوزي علي الشاشة ومع ذلك سأتولي تكملة تصوير المسلسل حتي أعطي فوزي عبقري النغم جزءا من حقه الذي لم ينله في حياته ولا بعد رحيله.. محمد فوزي شحات الغرام لن يكون أبداً شحات »الوفاء« الذي حرمته منه الشركة التي أسسها!