عانينا لسنوات طويلة، امتدت لثلاثين عاما مضت، من نظام انتهج ثقافة لحكمه يرسي أسسها علي "إثارة الأزمات"، وجعلها أسلوبا لأداء حكوماته، وإدارة شئون البلاد، وهو ما كان المبرر الأكثر أهمية في صحوة شباب مصر لتفجير ثورته في 25 يناير، للخلاص من سطوة هذا النظام الفاسد الذي لا يري لمستقبل مصر خيرا. ثقافة " إثارة الأزمات" تلك، أريد بها تضليل الشعب، وشغله بما يثار من أزمات، ليظل دائرا في فلك البحث عن حلول للأزمات التي فرضتها عليه الحكومة تلو الأخري، وما أن يصل لحل يتجاوز به تلك الأزمة، حتي يجد نفسه أمام أزمة جديدة تواجهه، ليعود لنقطة البداية مرة أخري!!، وهو المنهج الذي أراده النظام السابق، وفرضه علي مقدرات هذا الشعب، ليغيبه عن النهوض من معاناته، ويجهض به كل مساعيه نحو وضع آليات منهجية علي أساس علمي للتخلص من تلك الأزمات، بالعمل علي تحديد ملامحها ومسمياتها في إطار مشروعات قومية قادرة علي المواجهة، بصياغة الحلول النهائية، وتفعيل آليات تجاوزها، ببناء نظام مؤسسي، يستند علي شفافية، تتخذ من العلم والصدق ووضوح الرؤية منهاجا للأداء، بعيدا عن قرارات وأساليب تصل في عبثيتها إلي حبك المؤامرات، وهو ما جعل معاناتنا أشد.. حين ذلك يمكننا قطع الطريق علي المفسدين، ويمكننا التخلص من فساد الأنظمة الحاكمة بمختلف مستوياتها. إن خطر ثقافة " إثارة الأزمات"، أشد تهديدا لنا في مرحلتنا الآنية التي تعيشها مصر، والواجب الوطني والقومي يحتم علينا الانتباه واليقظة، حتي لا نكون فريسة منهكة القوي، كما أراد بنا من يزرع تلك الأزمات، من دعاتها في الداخل، أو من يدعمها من الخارج، في مؤامرة هي الأعظم الآن، خاصة بعد نجاح ثورة 25 يناير، وتأييد ومشاركة الشعب لها، تحت مظلة حماية شعبية متمثلة في أبنائه من قواته المسلحة، التي تجلت في وعي مجلسه العسكري الذي يؤكد ذلك بسعيه الحثيث نحو تجاوز الأزمات، وتصويب المسارات، وإعادة تلابيب الأمور إلي نصابها الصحيح حتي تكتمل المسيرة نحو بناء مصر الحديثة، كما أراد لها شباب وشعب وجيش ثورة 25 يناير. الآن، وبعد ثورة 25 يناير، وقد تجاوز الشعب المصري أزمته الأكبر، بإقصاء النظام البائد عن طريقه، لم يعد مقبولا العودة للوراء، مهما كانت التحديات التي سنواجهها، ومن الواجب علينا جميعا أن نعي تماما، أن الشعب المصري شعب واحد، دون تفرقة بين أحد، وأن الدين لله والوطن للجميع، وكلنا متساوون في الحقوق وعلينا نفس الواجبات، فحماية مقدرات ومستقبل بلدنا مصر فرض عين علينا كافة، ولابد أن نتجاوز الأزمات التي تحاك بنا مهما كانت، وهذا ما لا يعني التحقيق والتحقق من مثيريها، والوقوف علي مسبباتها، والنتائج التي آلت إليها، وإعمال القانون، والجزاء الرادع للمخطيء، واتخاذ التدابير لعدم تكرار الأزمة، ولنصح ولنتعظ ولنتيقظ للأخطار التي تتهددنا، ولنقطع الطريق علي من يحيكون لنا الأزمات، ولنتكاتف لتحقيق مكاسب ثورتنا، وبناء مستقبل بلدنا.. أليس كذلك؟!