لماذا لانترك الناس لكي يختاروا بأنفسهم النظام الذي يريدونه أن يحكم مصر؟؟ تساؤل استنكاري يومي ينطلق من القاعدة الديمقراطية الشهيرة التي تتحدث عن حكم الشعب بالشعب وللشعب. ولأن الشيطان يكمن في التفاصيل، فالسؤال الأكثر أهمية ربما يتعلق بالظروف التي تمارس خلالها الجماهير الخيار "الديمقراطي" وليس قدرة هذه الجماهير علي التعامل مع الديمقراطية كما زعم رئيس الوزراء الأسبق الدكتور احمد نظيف ذات يوم عندما قال ان الشعب المصري "غير جاهز" للديمقراطية ! وبعيدا عن أي شبهة للتعالي علي الشعب مصدر كل السلطات ، الا أن فكرة الخضوع المطلق والفوري لخيارات الأغلبية قد تكون في بعض الأحيان "كلمة حق يراد بها باطل". فالمشاريع الإستعمارية العديدة لنشر الديمقراطية في الدول المتخلفة ، خاصة في المنطقة العربية والشرق الأوسط ، تأتي دائما بعد تهيئة هذه المجتمعات وتجهيزها لكي ترقص علي نغمات نوع خاص من الديمقراطية تعزفها قوي الهيمنة والاستغلال في هذا العالم لخدمة مصالحها . وبمعني آخر، فإن طرح هذا الخيار الديمقراطي المشبوه يأتي غالباً بعد مرحلة من الترويض يتم خلالها تجويع الشعوب وإفقادها هويتها أو تدميرها اذا دعت الضرورة . هكذا، تصل الجماهير الي مرحلة من اليأس تدفعها الي البحث عن قوة غيبية أو مادية تعتقد أن بوسعها انتشالها من الواقع المؤلم الذي تعيشه والمستقبل المظلم الذي ينتظرها. هكذا ، تتوجه الجماهير الي صناديق الاقتراع وتختار بارادتها من تعتقد أنه يمتلك " سفينة نوح" القادرة علي انقاذها من طوفان الأزمة دون أن يستطيع أحد فتح فمه لسبب بسيط هو أن نتيجة هذه الانتخابات تمثل الخيار "الديمقراطي" وكلمة الشعب التي لانقاش فيها ! بهذه الطريقة، اختار الشعب الألماني الدكتاتور هتلر وحزبه النازي في إنتخابات نزيهة بعد مرحلة أزمات واضطرابات داخل المانيا . وبنفس الطريقة ، جرت الإنتخابات "الديمقراطية" في العراق بعد أن دمره الأمريكيون ليختار " الشعب" نظاما طائفيا لايخدم سوي المصالح الاستعمارية. وتكرر نفس النموذج في أفغانستان بعد الغزو الأمريكي ليختار الشعب نظاما يلعق أحذية الأمريكيين . ولاتعني هذه النماذج الشوهاء أن نكفر بالحرية والديمقراطية بل ضرورة الوعي بمؤامرات قوي الهيمنة التي تحاول استغلال "الانتخابات" كمجرد وسيلة أوكحصان طروادة لغزو المجتمعات من الداخل ولتذهب الديمقراطية الحقيقية الي الجحيم ! والدليل علي ذلك ماقاله أحد مشايخ السلفية في الاسكندرية قبل أيام " لو جاءت صناديق الانتخاب بغير الإسلام فسنرفض نتائجها !وهو ما ينحرف بمعني الديمقراطية الي هاوية إغتصاب السلطة !! هكذا، يتعين النظر الي قضية "الانتخابات" بعد مراحل الأزمات الاقتصادية والعسكرية وحتي الثورات بوعي شديد. فالرأي العام يجب أن يعيش مرحلة لإلتقاط الأنفاس تحت حكم وطني مخلص ومؤقت قبل أن يتوجه الي صناديق الاقتراع وهو ماحدث في بلاد عديدة. إنها أشبه بمرحلة نقاهة تتعافي خلالها الأمة من آثار القهر والطغيان بدلا من تقديم "ورقة التوت" للقوي الدينية " الثيولوجية" أو المادية المفرطة أوحتي الدكتاتورية والتي سيصبح بوسعها أن تزعم أنها جاءت الي السلطة علي أسنة حراب الديمقراطية !