يتفق الكثيرون علي ان استمرار الصراع في الشرق الأوسط هو نتيجة طبيعية لتاريخ من الفرص الضائعة لإحلال السلام. وقد جرت العادة علي تحميل العرب وحدهم مسئولية اهدار هذه الفرص لتظهر إسرائيل في صورة الحمل الوديع والطرف المستعد دائما للسلام! لكن جنرال الإحتياط اوري ساجر الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية له رأي اخر وهو ان إسرائيل اهدرت العديد من الفرص السليمة التي كان يمكن ان تمنع اندلاع حروب كثيرة مع العرب بما في ذلك حرب اكتوبر 1973 التي قتل فيها اكثر من 2500 ضابط وجندي إسرائيلي. ويؤكد ساجر ان عدم تجاوب إسرائيل مع مبادرة السلام الامريكية1971 جعل الحرب هي السبيل الوحيد امام المصريين لتحرير اراضيهم واستعادة حقوقهم. وقد اعتاد الإسرائيليون علي اجراء تحقيقات في هزائمهم العسكرية ولكنهم لم يتوقفوا ابدا عند فشلهم السياسي واضاعتهم لفرص السلام. والدليل علي ذلك هو تشكيل لجنة تحقيق في تقصير القادة الإسرائيلين خلال حرب اكتوبر دون اي محاولة لمحاسبة زعماء إسرائيل اللذين اهدروا كل فرص السلام مع مصر قبل هذه الحرب.ومن ابرز فرص السلام التي اهدرتها اسرائيل الفشل في التوصل الي اتفاق مع سوريا رغم تسوية 80٪ من نقاط الخلاف ورغم موافقة 5 من رؤساء الحكومات الإسرائيلية، من اسحق رابين وحتي ايهود اولمرت وبما فيهم رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، علي مبدأ الإنسحاب الكامل من مرتفعات الجولان السورية الي حدود 4 يونيو 67. ويقول الجنرال ساجر، الذي اشرف علي مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية خلال الفترة من 1990 وحتي 2000 ان مسئولية هذا الفشل تقع علي عاتق إسرائيل كلها من قيادات سياسية وعسكرية واقتصادية وصحافة وشعب- رغم ان التسوية السلمية مع سوريا كانت ستمنع الحروب التي خاضتها اسرائيل في السنوات العشر الماضية خاصة في لبنان وغزة. وقد دفعت إسرائيل ثمناً فادحاً لفرص السلام التي اهدرتها ربما يتجاوز حجم خسائرها في حروبها الفاشلة. والحقيقة ان تصريحات الجنرال الإسرائيلي لمجلة "هلوحيم" اي المقاتل، والتي تصدرها منظمة المعوقين في الجيش الإسرائيلي، تكتسب اهمية خاصة في الوقت الراهن حيث تلوح في الأفق فرصة جديدة للسلام بين الفلسطنيين وإسرائيل من خلال جهود الرئيس الأمريكي باراك اوباما. ولكن المؤسف ان هناك مؤشرات عديدة تشير الي ان الجنرال ساجر مجرد صوت يصرخ في البرية بين الإسرائيليين دون ان يستمع اليه احد. ومرة اخري، يبدو قادة إسرائيل وكأنهم عقدوا العزم علي اهدار هذه الفرصة ايضاً بشتي الوسائل مثل تكثيف الإستيطان وتصعيد القمع واطلاق التهديدات بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا تعيدها للعصر الحجري.! هذا الموقف الإسرائيلي غير المسئول ربما يتطلب صوتاً اعلي من صوت الجنرال ساجر الذي لا يسمعه احد في اسرائيل الآن. والفرصة الوحيدة لكي تصل هذه الرسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو هي ان تتخذ واشنطن موقفاً اكثر حزماً لإتقاذ فرصة السلام التي تلوح في الأفق. وربما تكون الخطوة الأولي في هذا الإتجاه هي ما اعلنه الرئيس اوباما بان امريكا لن تعرقل محاولة العرب لنقل ملف قضيتهم الي الاممالمتحدة اذا لم يتجاوب الإسرائيليون مع جهود السلام الحالية. ولا تعليق علي كلمات اوباما هذه سوي .. افلح ان صدق!