معروف عن الولاياتالمتحدة تحركها، في إطار سياستها الخارجية، بناءً علي أربعة محاور رئيسية، يضع ضوابطها الدستور الأمريكي، بحيث لا تتفوق قوي علي الأخري، لضمان توازن القرارات الاستراتيجية، وخاصة في مجال السياسة الخارجية. تتمثل القوي الأولي، في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في الرئيس الأمريكي، ونائبه، المنتخبين، يتبعهما ويعاونهما مجموعة من الوزراء، يطلق عليهم سكرتارية الدولة لشئون الدفاع أو الخارجية أو الأمن الداخلي، وغيرهم، ولا يوجد فوقهم رئيس لمجلس الوزراء، فتكون بذلك السلطة الأولي في الولاياتالمتحدة للبيت الأبيض. أما القوي، أو السلطة، الثانية فتكون للكونجرس الأمريكي، المكون من مجلس للنواب، ومجلس للشيوخ، جميع أعضائهم منتخبون، من كل الولايات، ويتحدد عددهم طبقاً للوزن النسبي لكل ولاية من الولايات. تسيطر الأغلبية الديمقراطية، حالياً، علي مجلس النواب، بينما الغلبة للجمهوريين في مجلس الشيوخ، وهو الحزب المنتمي له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتتكون السلطة الثالثة من البنتاجون، أي إدارة القوات المسلحة الأمريكية، ويترأسها رئيس الأركان، حيث إن وزير الدفاع، يعتبر عنصراً من أدوات البيت الأبيض، ولا يشترط أن يكون عسكرياً، أما البنتاجون فيديره رئيس الأركان العامة. وأخيراً، السلطة الرابعة، في النظام الأمريكي، وتتمثل في وكالة الاستخبارات المركزية، (»IA)، وهي واحدة من الأجهزة الأمنية، المنوط بها تأمين الولاياتالمتحدة من التهديدات الخارجية، بعكس مكتب التحقيقات الفيدرالي، (FBI)، المسئول عن الأمن الداخلي للولايات المتحدة، وبذلك يصبح لوكالة الاستخبارات المركزية دور كبير في دراسة الظروف الخارجية، وإبداء الرأي في مختلف نواحي الأمن القومي، والاستراتيجية الأمريكية، والسياسات العسكرية، حتي في مجال التسليح، وخطة تطوير النظم الدفاعية للولايات المتحدة. وعندما نقول إن الدستور الأمريكي خلق نوعاً من التوازن بين هذه القوي الأربعة، بحيث لا تجور قوي علي أخري، فأقرب مثال لهذا، ما حدث في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، عندما أرسلت مصر عدداً من طائراتها المقاتلة، للصيانة الدورية بالولاياتالمتحدة، فإذا بالرئيس الأمريكي يصدر قراراً باحتجازها، وعدم عودتها إلي مصر. إلا أن توازن السلطة الذي يمنحه الدستور الأمريكي للبنتاجون، أعطاه الحق بمخالفة قرار الرئيس، والتصريح بعودة الطائرات، مرة أخري، إلي مصر. وتتكرر مثل تلك المواقف، طالما كان الأمر لصالح الاستراتيجية العسكرية، في منطقة الشرق الأوسط، أو غيرها. وبالمثل أيضاً فقد أعطي الدستور الأمريكي بعض السلطات للكونجرس، ضد قرارات الرئيس الأمريكي، كما أعطي، بالطبع، بعض السلطات للرئيس الأمريكي، ضد قرارات الكونجرس. عموماً ما يعنيني، في حديثنا اليوم، هو الكونجرس الأمريكي، صاحب الصوت الأعلي في الولاياتالمتحدة، وفكره نحو مصر، خاصة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وفي البداية، تجدر الإشارة إلي أن العلاقات المصرية الأمريكية، شهدت أسوأ فترات تاريخها، إبان حكم الرئيس السابق، أوباما، ولم يستطع الكونجرس، خلال تلك الفترة، أن يفعل الكثير، للتغيير من سوء العلاقات، ودفعها نحو مسارها الطبيعي. ولقد قمت خلال الأعوام الماضية، بزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية عدة مرات، التقيت خلالها بالعديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي، داخل مبني الكونجرس، المنقسم إلي مبنيين منفصلين، أحدهما لأعضاء الحزب الديمقراطي، والآخر لأعضاء الحزب الجمهوري، كنت أمضي بهما يومين أو ثلاثة، أبدأها في الصباح الباكر، بتناول الإفطار مع أحد الأعضاء، يليه عقد لقاء آخر في منتصف النهار، ثم لقاء ثالث أثناء الغداء، ورابع بعد الظهيرة خلال تناول الشاي، فكان من هؤلاء النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا Mr. Duncan Hunter، والنائب الجمهوري عن ساوث كارولينا Mr. Joe Wilson، والنائب الديمقراطي عن مريلاند Mr. Dutch کuppersberger، والنائبة الجمهورية عن ولاية تكساس Mrs. Kay Granger. وخلال زياراتي لمدة أربعة أعوام متتالية، ولقاءاتي مع عدد كبير من الأعضاء، من مختلف التوجهات السياسية، شهدت تغيراً ملحوظاً في فهم المتغيرات، التي مرت بها مصر، علي المستويين الداخلي والخارجي، خاصة أن المتغيرات الأخيرة علي الساحة، في منطقة الشرق الأوسط، قد أعادت لمصر مكانتها الطبيعية، ودورها المحوري، كحجر الزاوية، علي مستوي أفريقيا والشرق الأوسط، وساعد علي ذلك، التخبط الذي تعيشه تركيا، حالياً، ورغم كونها عضواً في حلف الناتو، إلا أن سياسات إردوجان، الداخلية والخارجية، جعلت الولاياتالمتحدة تصرف النظر عن الارتكاز عليها في تنفيذ سياساتها الخارجية في المنطقة. كما أظهرت معظم هذه اللقاءات أن مصر خرجت قوية من أحداث، ما يطلق عليه، »الربيع العربي»، وبدأت بالإصلاحات الاقتصادية، وتطوير البنية الأساسية، وتشجيع الاستثمار، وعلي المستوي الخارجي، فقد بدأت مصر تأخذ خطاً متوازناً مع معظم الدول الأوروبية، والعربية، والأفريقية، عززه مشاركة الرئيس السيسي في كافة المحافل الدولية، ومن أهمها مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، وإدارة سيادته للمؤتمر العربي الأوروبي، بمدينة شرم الشيخ، والذي استطاع خلاله، بكل براعة، توضيح الدور المصري في المستقبل لقيادة المنطقة والتعاون مع أوروبا. ولكي أكون منصفاً، فلازال البعض منهم يتحدث عن حقوق الإنسان في مصر، وحرية الإعلام، في حين يقر البعض بنجاح مصر في تخطي ما كان يطلق عليه أزمة حقوق الأقباط، التي كان يفتعلها البعض، من حين لآخر، من خلال إقرار نسبة لتمثيل الأقباط بمجلس النواب المصري، وتشييد كاتدرائية »ميلاد المسيح»، بالعاصمة الإدارية، والتي تُعد أكبر كاتدرائية في المنطقة، وقد زارها مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، خلال زيارته، مؤخراً، لمصر. وأذكر حديثي مع النائبة Granger، المُلقبة بالمرأة الحديدية، لرئاستها للجنة الموازنة بالكونجرس، التي تتحكم في توزيع موازنة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومنها علي سبيل المثال المعونات العسكرية لمصر وإسرائيل وباقي الدول، عندما قالت لي، نصاً، »إن مصر دولة قوية، وأنتم أساس أَي تحرك سياسي بالمنطقة، مع إسرائيل بالطبع، وإن الولاياتالمتحدة، الآن، عادت لرؤية مصر كقوي مؤثرة في الشرق الأوسط، وأفريقيا، وأن الرئيس المصري، يعمل علي بناء الدولة المصرية الجديدة، سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً»، وأضافت قائلة، »لكن هذا لا يعني ابتعادكم عن التسليح الأمريكي، لأن ذلك يزعجنا كثيراً». والحقيقة أن تلك المفاهيم والأفكار راسخة، حالياً، لدي معظم أعضاء الكونجرس الأمريكي، بشأن مصر، وهو ما سيساعد الرئيس ترامب، في الفترة القادمة، لتغيير السياسة الأمريكية التي انتهجها الرئيس السابق أوباما، لنبدأ فترة جديدة مميزة من العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية.