صورة الزفة التي تمت بشوارع الجيزة للمجنى عليه وهو يرتدى قميص النوم بالاكراه في ميدان الشرفا بالجيزة غاب الشرف وماتت النخوة وانتقل الأمن بكل مفرداته إلي الرفيق الاعلي. زفة المواطن سامح صادق مصطفي بقميص نوم وفي عز الظهر، والتي قام بها بلطجية قادمون من العصور الوسطي افقدت مصر كل قيمها الحضارية والاخلاقية والانسانية واعادتها إلي عصر الحرافيش والبلطجية الذي لا يعلو فيه صوت علي شريعة الغاب والبقاء للأقوي رغم قسوة مشاهد العنف في عدد من ابداعات اديب مصر العالمي نجيب محفوظ والتي تناولت عالم الحرافيش وزمن فرض الاتاوات إلا ان خيال مبدعنا العالمي الراحل لم يكن يتصور ان الواقع اكثر مرارة وقسوة. بنفس مكسورة وعيون يغلفها الحزن ويثقلها العار يقول المواطن المسحول سامح صادق مصطفي: في لحظة اتمني الموت حتي اتخلص من العار الذي يلاحقني اصبحت لا اقدر علي السير في الشارع وتطاردني نظرات الشفقة والعطف حتي الان لا اصدق هل الذين فعلوا بي ذلك ينتمون إلي فصيلة البشر هل لهم قلوب ام انهم وحوش. والدموع تفر من عينيه يستكمل سامح حديثه: انا مسجل جنائي بالفعل وحصلت علي عقوبتي واعيش مثل اي مواطن عادي اسعي إلي الرزق الحلال حتي جاء هذا اليوم المشئوم مشاجرة عادية تحدث كل يوم في شوارع مصر هل كانت تحتاج إلي كل هذه الميليشيات المسلحة بكل انواع الاسلحة بيضاء وسوداء ومياه نار. مشاجرة بين الجيران تتحول خلية وحوش يفترسون ضحيتهم ويجوبون بها كل شوارع الجيزة للتمثيل بها وارهاب كل من تسول له نفسه ان يرفع صوته امام قانون البلطجة الذي يريد ان يفرضه الكثيرون الآن علي كل شوارع مصر. ويغالب سامح احزانه ويقول: وسط حفلة العار التي نصبها لي الوحوش في شوارع الجيزة وانا اسير بقميص النوم في الشوارع كنت المح ضياع الشهامة وربما موتها إلي الابد من حياة المصريين كنت اشاهد.. جدعنة ولاد البلد وهي تزف إلي مثواها الاخير وخلال ماراثون ذبح كرامتي الذي جرني في الشارع لعدة ساعات اعتصر قلبي منظر »عم زغلول« الذي حاول ايقاف هذه المهزلة وارتفع صوته في وجوه الوحوش الآدمية وهو يصرخ »عيب« ولكن صوته ضاع مع اصوات الرصاص التي بثت الرعب في نفوس الجميع ونال جزاءه صفعات علي الوجه وطعنات في كف اليد وكانت مكافأة شهامته.. عاهة مستديمة.. عبارة عن قطع في اوتار اليد ولم ادر لحظتها ابكي علي حالي ام ابكي علي الرجل الذي دفع ثمن رجولته ولم تشفع له سنوات عمره التي تخطت الستين عاما في ان يفلت من مقصلة البلطجية. وبحركة فجائية يقوم سامح بخلع ملابسه ليكشف عن آثار »السحل« علي الاسفلت ويسأل من الجاني؟ ترددت في الاجابة علي سؤاله الصعب ولكنني قررت اختيار الاجابة السهلة وقلت البلطجية. يصمت سامح ويحاول ان يمسح دموعه ويلملم شتات نفسه المكسورة ويرد هناك فاعل معلوم للجميع هل تعرفه؟! احترمت دموع سامح وخيم صمت حزين علي الجلسة ومر بذهني مشاهد من الافلام القديمة التي كانت تصل فيها الشرطة بعد فوات الأوان ووقوع الكارثة وهروب المجرم من العقوبة. ويضع صوت سامح النهاية لهذه المشاهد الدائرة في خيالي وهو يقول البلطجية »سحلوني« ولكن الشرطة تركتني لقمة سائغة بين ايديهم. لم تفلح مئات الاتصالات الهاتفية من سكان المنطقة اثناء زفة العار في إحضار النجدة لتنقذني من هذا الجحيم والهلاك وحتي عندما ذهبت زوجتي إلي قسم الشرطة رفضوا تحرير محضر بالواقعة مما يجعلني اقول بضمير مستريح الشرطة كانت شريكا اساسيا في الجريمة اذا كانت الشرطة تخاف الان من البلطجية وتعمل لهم »الف حساب« فمن يحمينا؟! ويسترجع سامح شريط الذكريات السوداء وبحسرة يقول: لم يكتف البلطجية بالفضيحة وقت حدوثها بل اصروا علي توثيق الجريمة بالصوت والصورة وقاموا بتصوير حفلة »السحل« بالهواتف المحمولة وقاموا بتوزيعها علي الاهالي في المنطقة لارهابهم واذا كانت العدالة غائبة في الارض فان عدالته لا تغيب فقد تناسي البلطجية في نشوة احساسهم بالجبروت والطغيان انهم يقومون بتوزيع دليل ادانتهم بأيديهم. يهم سامح بالرحيل من امامي وأسأله إلي اين؟ قال لا ادري لم اعد استطيع ان ارفع عيني في وجه زوجتي واولادي احاول الابتعاد عنهم حتي لا يلاحقهم عاري الذي سيلازمني طوال حياتي اتمني الموت في كل لحظة وافكر في الانتحار ولكنني اخاف عذاب الله في الآخرة ويكفي ما وجدته في الدنيا شقاء وعذاب وألم. الأمن الغائب تركني سامح وغادر بعد ان خلف وراءه اطنانا من الخوف والقلق في نفسي ليس بسبب قسوة وبشاعة الحادثة التي تعرض لها ولكن ربما علي مستقبل مصر التي يسعي البلطجية لهدمها بكل شتي الاعتداء علي القانون لاقامة دولة البلطجية. لم اترك نفسي لاحزاني كثيرا قررت ابدأ رحلة البحث عن الأمن المفقود وهرعت إلي مكتب اللواء كمال الدالي مدير الادارة العامة لمباحث الجيزة ومعي تساؤلات كثيرة أصعبها ماذا حدث للمصريين وهل اصيب الامن بعد ثورة يناير بانتكاسة لن يقوم منها؟ بحسم شديد يرد اللواء كمال الدالي: الشرطة ليست خائفة من البلطجية وقد تمكنت خلال الفترة الماضية من استعادة زمام الامن في الشارع ولكن الجريمة التي كان ضحيتها المواطن سامح جريمة مركبة فالضحية في النهاية مسجل خطر كان يفرض الاتاوات علي اصحاب المحلات بالمنطقة وعندما رفضوا أو حدث خلاف علي قيمة الاتاوات قرر سامح حشد انصاره لتأديب اصحاب المحلات الذين لم يقفوا مكتوفي الايدي فقرروا تجميع انصارهم وحدثت المواجهة الساخنة بين الطرفين والتي هرب فيها انصار سامح وتركوه وحيدا يواجه غضب اصحاب المحلات وانصارهم. اقاطع اللواء كمال الدالي واسأل وأين الاجهزة الأمنية من كل هذه الاحداث وهل لا تحضر الشرطة إلا بعد وقوع الكارثة؟ اما انكم خائفون من النزول للشارع؟ هذا الكلام غير صحيح ونحن لا نخاف والدليل العودة القوية لجهاز الشرطة في كل شوارع مصر وبمساندة وتشجيع الاهالي وقد استطعنا خلال الفترات الماضية التصدي لعشرات المحاولات لنشر البلطجة واعمال الترويع بين المواطنين. واعود اسأل اللواء كمال الدالي هل يعني ان الضحية مسجل خطر ان يترك للسحل وانتهاك الكرامة بهذه الصورة المأساوية! لا اطلاقا هذه الجريمة غير مقبولة وكرامة اي انسان حتي ولو كان بلطجيا يجب ان تصان ولا تهان، نحن تحركنا مع البلاغ الاول الذي وصلنا من الضحية وكان عبارة عن مشاجرة بالطوب وتم تحرير محضر تضمن كل المعلومات تم تحويله إلي النيابة التي اصدرت امر ضبط واحضار للجناة. واين دوركم لتحقيق العدالة؟ كلفت علي الفور عددا من ضباط الادارة العامة لمباحث الجيزة بفحص الواقعة وتقديم تقرير عن حقيقة ما جري في الواقع. النائب العام قتل معنوي واغتيال لكرامة الانسان والانسانية بهذه الكلمات بدأ عادل الدجوي محامي سامح وجاره حديثه والذي عاش تفاصيل الجريمة مشيرا إلي انه بذل جهودا شاقة لاقناع سامح بالتخلي عن فكرة الانتقام بنفسه حتي لا تصبح غابة. وقال: اسعي حاليا لان يتولي النائب العام التحقيق في الواقعة خاصة ان القضية لم تكن مجرد انتهاك لكرامة مواطن واغتياله معنويا ولكنها تضمنت محاولة لفرض شريعة الغاب وترويع المئات من سكان المنطقة ولا يجب في النهاية ان يكون العقاب اخلاء سبيل المتهمين بكفالة 005 جنيه.