مع تصاعد اليمين المتطرف في العديد من دول أوربا، نجد موجات من العداء للسامية، ونجد في المقابل حشدا لجهود الأغلبية المعتدلة التي ترفض الكراهية والعنصرية، وتدين دعوات الكراهية، وتمثل الوجه الإنساني للحضارة الإنسانية الذي يحترم الأديان جميعاً والذي يتذكر أن مثل هذه الدعوات ترتبط بالوجه القبيح للنازية والفاشية الذي يطل من جديد مع اليمين العنصري المتطرف في كل مكان. احتشدت فرنسا قبل أيام ضد العداء للسامية. وهو أمر نبيل بالنسبة لنا. فنحن أيضاً ساميون، ونحن ضد أي دعوة تمس الأديان أو تحض علي كراهية البشر أيا كانت عقائدهم. ونحن الذين دفعنا ثمن جرائم أوربا ضد اليهود ومازلنا ندفع الثمن في فلسطين. لكن المرفوض هنا هو هذه الدعوة التي ظهرت منذ فترة، والتي تبناها الرئيس الفرنسي ماكرون قبل أيام، والتي تدعو لتجريم معاداة الصهيونية كما يتم تجريم معاداة السامية في العديد من بلدان العالم. معاداة الصهيونية أمر آخر. فنحن هنا أمام أيدلوجية سياسية يختلف عليها حتي اليهود أنفسهم الذين يوجد جزء منهم يعارض إنشاء دولة لليهود ويدعو لاندماجهم في المجتمعات التي يعيشون فيها. ونحن أمام مشروع قام علي هذه الأيدلوجية وكانت نتيجته إقامة الكيان الإسرائيلي علي حساب شعب فلسطين الذي شرد من وطنه واستبيحت أرضه، في جريمة إنسانية مازالت تتواصل حتي الآن!! تقوم إسرائيل بمحاولة تهويد القدس والاستيلاء علي ما تبقي من أرض فلسطينية، وتصدر قوانين عنصرية علي غرار أن »الدولة للشعب اليهودي فقط» لتقيم أبشع نظام عنصري موجود في العالم الآن. وتريد إسرائيل في نفس الوقت أن تحصن جرائمها، وأن تنتهز ما تشهده بعض دول أوربا من حوادث معادية للسامية، وأن تستغل عقدة الذنب لدي الاوروبيين من جرائم النازيين.. تريد استغلال كل ذلك لكي تمرر فكرة أن العداء للصهيونية هو عداء للسامية. وأن من يهاجم إسرائيل أو يفضح ممارساتها النازية ينبغي تجريمه!! وها نحن نجد الرئيس الفرنسي ماكرون يخضع لهذا الابتزاز، ويعلن أن فرنسا سوف تتبني تعريفاً لمعاداة السامية يشمل معاداة الصهيونية. ثم يزيد الأمر إلتباساً بالحديث عن رفض دعوات المقاطعة وتجريمها أيضا وهو يقصد هنا الدعوات المتصاعدة في أوربا والعالم لمقاطعة إسرائيل.. سواء برفض التعاون مع من يشاركون في الجرائم ضد شعب فلسطين، أو بمقاطعة المنتجات الصناعية والزراعية التي تنتج في الأراضي المحتلة والمستوطنات غير الشرعية. هذا الخلط في الأوراق لايستفيد منه إلا أعداء الإنسانية في كل مكان. العداء للصهيونية هو موقف من دعوة سياسية أدت إلي جريمة في حق شعب فلسطين وفي حق البشرية كلها. وانتقاد ما تفعله إسرائيل من إصرار علي احتلال الأرض الفلسطينية والاستمرار في الاستيطان غير المشروع.. هو حق وواجب علي كل إنسان يحترم إنسانيته. الخلط المتعمد بين المعاداة للسامية والمعاداة للصهيونية هو تصريح لإسرائيل بالاستمرار في تحدي الشرعية الدولية، وفي رفض إنهاء احتلالها للضفة والقطاع، واستمرار جهودها للاستيلاء علي القدس العربية وزرع المستوطنات في الأرض المحتلة، وممارسة أبشع أصناف العنصرية والجرائم ضد الإنسانية. الخلط المتعمد بين العداء للسامية والنضال المشروع ضد الممارسات الصهيونية، لايعني إلا إهدار الشرعية الدولية، والسماح بأن يتحول ضحية النازية لأن يكون نسخة جديدة منها تعاقب شعب فلسطين علي تمسكه بأرضه وعلي حمايته علي مدي الزمن لمقدسات الأديان السماوية في القدس العربية. ولا أظن أن فرنسا بتاريخها العريق في الانتصار للمبادئ الإنسانية يمكن أن تخضع لابتزاز إسرائيل، أو تفرض علي مواطنيها أو تطلب من الشركاء في أوربا والعالم أن يغلقوا أفواههم فلا يدينون جرائم الصهيونية، وأن يتراجعوا عن مواقف إنسانية شجاعة ضد الاحتلال الإسرائيلي بالادانة أو المقاطعة. لا يا سيد ماكرون.. هذا حقنا وحق البشرية كلها. نحن ضد العداء للسامية لأنه عداء لنا باعتبارنا من الساميين. ونحن ضد أي إهانة للدين أو كراهية ضد الآخرين أو دعوة عنصرية كريهة. لكننا ومعنا كل أصحاب الضمائر الحرة في أوربا والعالم نرفض الابتزاز الإسرائيلي، ونصر علي أن تقوم دولة فلسطين علي الأرض المحتلة، وأن تكون عاصمتها هي القدس العربية. وأن تسود الشرعية وتسقط قوانين التمييز العنصري التي يفرضها اليمين الإسرائيلي الذي يستمر في قتل الأطفال والعدوان علي المقدسات وانتهاك كل قرارات المجتمع الدولي. انتقاد الممارسات الصهيونية حق وواجب إنساني، حتي يعود الحق لاصحابه وتطبق كل قرارات الشرعية الدولية، ويعم السلام في أرض السلام. ليست مهمتنا أن ندفع للأبد ثمن جرائم النازيين القدامي والجدد. نحن لم نعرف في تاريخنا العداء للسامية. كان اليهود في بلادنا شركاء ومواطنين ووزراء، في وقت كانت أوربا تمارس التمييز بكل عنف ضد اليهود، وكانت أمريكا تعلق فيها اللافتات علي المدارس والمطاعم ودور السينما وغيرها لتنبه الجميع وتحذرهم: ممنوع دخول الزنوج واليهود و.. الكلاب!! الوقوف ضد جرائم الصهيونية.. حق مشروع وواجب علي كل البشر.